د.محمد فياض يكتب: أنا الوحش

أنا الوحش.. أنا الضحية، أنا قتيل هذا المجتمع، أنا الذي شوه فطرتي أصدقاء الطفولة، أنا صاحب الروح المتألمة دائماً، أنا المعذب، قاتل الشهوة وقتيل الشهرة، أنا محامي تدغدغنس عدسات الكاميرات، وتثور شهوتي علي أضواء الاستديوهات، يرقص قلبي طرباً عندما أتلقى اتصالاً من معد برنامج أو كاتب صحفي، أنا مختلف عن جموع المحامين الشرفاء ألسنة الحق ورمانة ميزان العدالة.
 
أجلس كالذئب انتظر الفرصة، يسيل الزبد من على شفتي، أمسك بمسبحتي أقلب في صفحات الجرائد، وعناوين الكتب، وأفيشات الأفلام، ومجلات الثقافة، أتابع أخبار ندوات الإبداع لعلي أجد ما يروي ظمأي. تلمع عيناي التي لم تلمع بنور المعرفة أبداً، تلك العين التي لا تبحث سوى عما يصلح ليكون مادة خصبة للحسبة، استأجر مجموعة من المطحونين والمهمشين الذين يجمعون لي قصاصات الأوراق، ككلاب صيد على القنص، وتلوح الفريسة من بعيد، وهنا يزداد شبقي وتنتصب روحي الخاوية التي لا تنتصب غيرها وأنا وحظي.. إما مثقف تنويري يريد الثورة على ركام الكتب الصفراء، أو باحث ديني يريد أن ينظف الفكر الديني من الداعشية التي علقت به، أو كاتب صحفي صادق ينشد الحقيقة، أو فنان مبدع، وهنا يزداد بريق عيني ويملاً صدري الهواء منتشياً ومنتفخاً ولم لا فأنا ظل العدالة على الأرض.
 
أطير مجنوناً من النشوة إلى ساحة القضاء مستغلاً ثغرات القانون، سأقاضي النور والمعرفة والحق والخير والجمال، أفرغ من رفع القضية في دقائق معدودة كعادتى دائماً فأنا مصاب بسرعة قذف التهم والافتراءات، وأنا صاحب الحق والرؤية والحكم، أنا الوحش الذي لا يأتيني الباطل من بين يدي ولكن قد يأتيني من الخلف، وأبدأ في تسريب الخبر وأنتظر.. أتأكد من أن هواتفي تعمل وأنها مشحونة وفي أحسن حالاتها، ثم يدق الهاتف، ويبدأ قلبي في الرقص طرباً على نغمات هاتفي الإسلامية، برنامج الأستاذ فلان، ميعاد على الهوا مع الأستاذة فلانة، يخفق قلبي وكأنه لمس منتهى النشوة، أتجهز للقاء الحميم الذي أفلح فيه فلم أفلح أبداً في أي لقاء حميم آخر، حيث مقصدى المقدس في مدينة الإنتاج الإعلامي، أرتب مواعيد لقاءاتي على الهواء، رابطات العنق تتلائم مع أنتريه الاستوديو الذي أحفظه عن ظهر قلب وأبدأ الاندماج، وما أن أعلم أنني حلقت في هواء البرنامج حتى أطير في عوالم أخرى، أتحدث بحرقة المدافع عن ديني الذي تم ازدراءه وبصراخ عن مجتمعي الذي أوشك على الضياع، فأنا مبعوث العناية الإلهية، وأنا المهدي المنتظر الذي سيملأ الأرض عدلاً كما مُلئت جوراً وظلماً وأنا صلاح الدين الأيوبي محرر بيت المقدس، أنا المبتدأ والخبر، أنا النون والقلم وما يسطرون، أنا خرم الضمة وحركة السكون.
 
وبعد لقاءات عديدة، أخرج من مدينتي المقدسة مشاهداً أضواء القاهرة تتراقص أمامي، أخلع عباءتي المقدسة، ممارساً ابتزازي باسم القانون وباسم الدين على ضحاياي المنتظرين، وها قد وصلت لسدرة المنتهى، فلقد تحدثت الصحف العالمية عن اسمي، فأنا حامي الأفخاذ وصاحب شرطة المؤخرات، أنا عنتيل العدالة، وحامي العفة، أنا حارس الأرداف، أنا غفير النهود، أنا الذي يكره أن يرى لحم النساء، فلم اعتده، ولم أحبه يوماً ولست مسئولاً عن ذلك، تباً لها طفولتي، سأغتصب من ترتدي ملابس لا تليق، وسأحرض على اغتصابها، اغتصبوها بقوة خذوا حق طفولتي المشوهة، أقوى.. أعنف.. هذا حق المجتمع وحقي الضائع، سأظل الوحش سأظل مدافعاً أبداً عن المؤخرات، حتى لو كانت مؤخرة جحش…