أحمد الأحمر.. الأبيض قلبًا وقالبًا

محمد حمدي سلطان

إذا كان تحقيق النجاح والنجومية والشهرة في لعبة شعبية مثل كرة القدم ليس أمراً سهلًا، ويحتاج من أي لاعب جهدا وكفاحا ومثابرة، وموهبة قبل كل شيء، فكل هذه الصعوبات تتضاعف إذا تعلق الأمر بإحدى الألعاب الجماعية الغير شعبية والملقبة بالألعاب “الشهيدة” مثل كرة اليد. لا نبالغ لو قلنا إنه شيء أقرب للمستحيل، وكأنك تحرث في البحر. ولكننا شاهدنا في السنوات الأخيرة، هذا المستحيل وهو يحدث ويتحقق أمامنا بكل بساطة على يد شاب مصري موهوب اسمه أحمد مصطفى نصر جاد الله الأحمر، نجم نادى الزمالك، وأفضل لاعب كرة يد في تاريخ مصر، محققًا شهرة ونجاحًا ونجومية، تتجاوز الكثيرين من نجوم اللعبة الشعبية الأولى.

وُلد أحمد الأحمر في 27 يناير 1984 وبعدها بعامين، كان والده الكابتن مصطفى الأحمر، أحد أساطير كرة اليد بنادي الزمالك في السبعينات والتمانينات، يعلن اعتزاله من على منصة التتويج، وهو يرفع درع الدوري، ويحمل ابنه الصغير على كتفيه. ربما لم يخطر بباله في هذه اللحظة أن هذا الطفل الصغير سيكمل مسيرته في “الهاند بول”، بل وسيصبح يومًا ما أفضل من أنجبته هذه الرياضة على الإطلاق.

يعترف الأب في لقائه التلفزيوني مع خالد الغندور، أنه أراد لابنه أن يصبح لاعبًا لكرة القدم، وكان يأخذه صغيرًا للاستاد لمشاهدة مباريات الزمالك، ليجعله يرى أن النجومية والمجد والشهرة تتحقق ها هنا وليست في صالات كرة اليد. لهذا السبب ظل أحمد الأحمر مشتتًا، ويجمع بين ممارسة لعبتي القدم واليد في صفوف الناشئين بنادي الزمالك. حتى قرر أخيرًا وهو في عمر الـ 18 أن يودع ملاعب الكرة للأبد، ليرتدي جلباب أبيه القديم، مواصلًا مسيرته مع كرة اليد، عكس رغبة الأب في مفارقة غريبة. اختار أحمد الأحمر أن يمر من ثقب إبرة كرة اليد، ليصبح لاعبًا أسطوريًا بحق، رافضًا باب كرة القدم الواسع، والمفتوح على مصراعيه، والذي ربما لم يكن ليصبح من خلاله، إلا مجرد لاعب عادي لا يلفت الأنظار. هو فقط آمن بنفسه، عرف طريقه، واختاره، فأصبح أحمد الأحمر الذي نعرفه اليوم.

محاولة حصر الإنجازات الشخصية لأحمد الأحمر، يعد شيئًا في غاية الصعوبة، فكلمة الأفضل تكررت في مسيرته مرات، هو نفسه اعترف بأنه لا يعرف عددها. وسنحاول هنا أن نذكر أهمها : فهو هداف كأس العالم للأندية عام 2010 مع نادي الزمالك الفائز بالمركز الثالث بهذه البطولة، وأفضل لاعب في بطولة آسيا مع نادى الجيش القطري، وهداف الدوري القطري برصيد 81 هدفا مع نفس الفريق. كذلك أفضل لاعب ببطولة كأس الأمم الإفريقية 2016 والتي فازت مصر بلقبها، وأفضل لاعب بالدوري المصري موسم 2009- 2010 . هداف منتخب مصر في كأس العالم 2011 بالسويد، واللاعب العربي الأكثر إحرازًا للأهداف في البطولة. أما جائزة أفضل لاعب في المباراة فهو حققها مرات عديدة، أهمها أمام أتليتكو مدريد بمونديال الأندية، و 7 مرات مع منتخب مصر خلال مشاركاته ببطولات كأس العالم، ناهيك عن المنافسات الأخرى.

بطولاته وأرقامه تتحدث عن نفسها، فلديه في رصيده 4 بطولات إفريقية لأبطال الدوري، 3 مع الزمالك آخرهم تحققت بالأمس، وواحدة مع الإفريقي التونسي عام 2014، و3 بطولات لأبطال الكؤوس ومثلهم لبطولة السوبر وكلهم تحققوا مع الزمالك. ولأنه نجم عابر للقارات، فقد تمكن من تحقيق 4 بطولات لأبطال آسيا، مرتان مع الجيش القطري، ومرة مع الأهلي السعودي، وأخرى مع السد اللبناني. وكانت له بصمة أوروبية بفوزه بكأس ألمانيا مع فلينسبورج الألماني.

لا يعتبر أحمد الأحمر نفسه مجرد لاعب بنادي الزمالك، أو أحد أبنائه العظام فحسب، فدائمًا ما يقول أنه مشجع للزمالك قبل أى شيء آخر. يتعامل مع الزمالك بعقلية المشجع المهووس بحب ناديه، وهو ما أثبته مرارًا بالأفعال قبل الكلام. ابن عائلة الأحمر، والأبيض قلبًا وقالبًا، لم تجعله شهرته العالمية ينسى فضل ناديه عليه، فيقول أن الزمالك هو من صنع اسم أحمد الأحمر. ولأن جماهير الزمالك تعودت أن تقابل الحب بحب أكبر، فتوجته بلقب الرياضي الأفضل في تاريخ نادي الزمالك، وهو أمر ليس سهلاً على الإطلاق في نادى كروي عريق يمتلىء تاريخه بالعديد من الأساطير الخالدة في لعبة كرة القدم.

 

ترك كرة القدم فأصبحت إحدى ألقابه “ميسى كرة اليد”. و”الفتى الذهبي” الذي أصبح نجاحه أكبر من اللعبة نفسها، فتسبب بنجوميته الطاغية في شهرة أكبر لكرة اليد بمصر، لتأتي لحظة التكريم الأبرز في مسيرته عندما حمل علم مصر في حفل افتتاح أولمبياد “ريو دي جانيرو”. وما زالت مسيرة أحمد الأحمر تتواصل، والتحديات أمامه لا تنتهي، وما زال أيضًا سؤال المعلق السعودي على مباراة مصر والسويد بكأس العالم يتردد صداه، ولا يبحث عن إجابة فهي معروفة “هل رأيتم في حياتكم لاعبًا لكرة اليد يعزف موسيقى على ملعبٍ لكرة اليد مثل أحمد الأحمر ؟”