مئة عام على ميلاد أحمد مظهر.. أحد "حرافيش" نجيب محفوظ

نوران عاطف

-“هل فتحت لك الفروسية طريق السينما؟”

-“طبعا.. والفروسية مش مجرد ركوب الحصان.”

أحمد حافظ مظهر، مواليد 1917 حي العباسية، تخرج في الكلية الحربية عام 1938 وهي نفس دفعة كل من الرئيس جمال عبدالناصر والرئيس السادات. مئة عام على مولد أحد أيقونات السينما المصرية في 8 أكتوبر 1917.

يرى مظهر أن الفروسية كانت مدخله للسينما، لأنه يدرك جيداً أنها ليست مجرد ركوب الحصان، لكنها صدق المشاعر التي تظهر الفرق بينه وبين أي ممثل يؤدي فقط دورا بدون دراية لماهية مشاعر الفارس في المواقف المختلفة.

وعلى الرغم من التنوع فيما قدمه -بين أدوار اللص والقائد والحبيب والمخادع وغيرهم، برصيد يصل إلى حوالي 135 فيلما و20 مسلسلا، إلا أنه حافظ على أناقة أدائه، وعلى لقب “البرنس مظهر فارس السينما المصرية”، ما يقرب من سبعين عاما، هي عمره الفني، وقد اتفق عليه كل من تعاقب على العالم العربي من أجيال.

وفي ذكرى ميلاده نرصد بعض المشاهد الإنسانية والعملية من حياته.

الحرافيش

تحدث الأديب نجيب محفوظ في أحد لقاءاته عن صداقته مع الفنان أحمد مظهر، والتي بدأت قبل دخوله الفن، فعبر عن حب “مظهر” للتصوير: “كان لسة ظابط وكان بيحب يصور نفسه، هي الموهبة كدة تظهر في حاجات تبان إنها بيتي ومش ممكن تبقى عامة”، كما أوضح أن مظهر هو من أطلق لقب “الحرافيش” على شلة محفوظ الشهيرة، والتي كانت تضم عددا من أدباء ومفكرين ذلك الوقت، مثل صلاح جاهين ومحمد عفيفي ومصطفى محمود. و”الحرافيش” كلمة تركية المقصود منها “الصعاليك”؛ وفي نفس اللقاء أوضح مظهر أن المعنى آتٍ من كلمتي “حارة” و “مفيش”، والمقصود بها من لا حارة لهم، فجُمعت لتصبح “حارة-فيش” أو “حرافيش”.

اجتماع كل من نجيب محفوظ وأحمد مظهر، كان في بدايات أعماله، وهو فيلم “الطريق المسدود”، الذي كتب “محفوظ” السيناريو والحوار له عن قصة للكاتب “إحسان عبدالقدوس”؛ وظهر في ذلك الفيلم باسم والده “حافظ مظهر”، ولم يستخدم وقتها اسمه الأول “أحمد”، ثم قام بتغييره إلى “أحمد مظهر”.

 

رؤية سينمائية

عبر أحمد مظهر في أكثر من لقاء عن إيمانه بحاجة صناعة السينما إلى التطوير الشامل وإعطاء الفرصة لمخاطبة عقل الجمهور وليس عاطفته دائماً، فالمشاهد يرغب في أن يجد الفرح والدمع والرقص والحب، فلا يعطي صناع السينما العديد من الخيارات إذا أرادوا فيلما يدر مالاً، لذلك فإن تجربته “نفوس حائرة” -وهي الأولى في الإخراج- كان تركيزها الأكبر على تقديم قصة بشكل مختلف عن الشائع، حتى إنه تطرف في البعد عن منطقة الجمهور؛ وعلى حد تعبيره في برنامج “سينما القاهرة” مع الإعلامية ناهد جبر: “في تجربتي أخطات عدة أخطاء بعضها فني وبعضها جماهيري، كان لازم أراعي الذوق العام”، مما يدل على رؤية سينمائية ناضجة غير متحيزة للنخبة على حساب المشاهد البسيط أو العكس.

أول أفلام مظهر كان “ظهور الإسلام”، عن كتاب “الوعد الحق” لطه حسين عام 1951، وآخرهم “عتبة الستات” عام 1994؛ له ثلاث تجارب في التأليف وهم: “الضوء الخافت” من إخراج فطين عبدالوهاب، و “نفوس حائرة” و”حبيبة غيري” من إخراجه؛ كما أشار في لقائه مع الإعلامية “سهام صبري” في برنامج “شموع”، إلى تجربة أخيرة في الإنتاج والإخراج وهي فيلم “ليلة في القاهرة”.

صديق العمر كله

كانت لأحمد مظهر صداقات شهيرة بجانب شلة الحرافيش، أبرزهم الفنانة مريم فخر الدين، والتي عبرت دائماً عن اعتزازها بتلك الصداقة، وأنه الشخص الوحيد الذي ظلت على علاقة طيبة ووطيدة معه لآخر عمره. حكت مريم في لقائها مع الإعلامي وائل الإبراشي عن أول لقاء بينهما في فيلم “رد قلبي”، وكان مظهر بصدد إنهاء خدمته في الجيش من أجل العمل في الفن: “أنا قلت ده مجنون لأنه كان رتبة كبيرة، بس احترمته جداً بعد كدة”، واستأنفت تتحدث عن أن صداقتهما كانت مليئة بالتفاصيل البسيطة كالذهاب للتسوق والطبخ، كما أن “البرنس علاء” و”الأميرة إنجي” ظلت ألقابا يُنادون بها بعضهما طوال العمر.

وفي سياق الحديث عن الصداقات، كان الأديب “يوسف السباعي” من أصدقاء مظهر المعروفين، حيث كانا زملاء شباب في الجيش وزملاء في الفن. بعد تقاعده من الجيش، عمل مظهر في المجلس الأعلى للفنون كمساعد للسباعي، ويذكر “كمال الملاخ” في حوار له مع يوسف في كتابه “الحكيم بخيلاً”، قصة طريفة عن لقاء بين مظهر والأديب “توفيق الحكيم”، عندما دخل الحكيم مكتب يوسف ووجد مظهر ولم يهتم بتحيته، فلفت يوسف نظره لوجوده فقال “مش واخد بالي.. أصله اتغير شوية.. الظاهر إنه تخن”؛ وأكد له يوسف أنه لم يسمن وأنه مظهر كما يعرفه، وتجنباً للحرج قال مظهر “أصل بربي شنبي يمكن ده اللي غيرني”، وأصر توفيق أن المشكلة في وزنه حتى نبهه السباعي إلى ارتداء النظارة، فوضعها ونظر إليه وقال في ارتياح “آه هو مظهر بس بشنب”، ثم أعاد النظارة إلى جيبه؛ وعند سؤاله قال إنه يعمل على توفير نظره “أهو كفاية أعرف إن ده مظهر مفيش داعي للتدقيق، هو النظر بعزقة!”.

 

جدير بالذكر أن توفيق الحكيم هو صاحب رواية “الأيدي الناعمة”، التي تعتبر من أبرز وأهم أدوار “أحمد مظهر”، الذي توفي في 8 مايو 2002 عن عمر يناهز الـ 85 عاماً.