هل تقضي "المعزة" على أحلام المصريين؟!

وليد رشاد

قد يكون هذا الكلام صادمًا لكثير من الجماهير المصرية في هذا التوقيت الحرج، ولكننا تعودنا في كل الأوقات أن نفتح جميع القضايا والموضوعات.

وقبل أن نحكي أسطورة المعزة، سنسافر عبر الزمان والمكان ونصل إلى مدينة لشبونة البرتغالية في نهاية الخمسينيات وأوائل الستينيات، حينما تولى المدرب المجري اليهودي المثير للجدل “بيلا جوتمان” تدريب نادي بنفيكا البرتغالي، وبدأ مغامرته في بنفيكا خلال موسم 60/59 بطرد 20 لاعبًا من الكبار من أجل إعطاء الفرصة للاعبين الشباب، وفاجأ الجميع بالتتويج بطلاً بالدوري المحلي في نهاية الموسم، وبعدها وصل المدرب غريب الأطوار مع ناديه إلى نهائي دوري أبطال أوروبا 61/60 وتغلب على برشلونة الإسباني (3-2)، وأراد الرجل المادي أن يحصل على زيادة في راتبه بعد ذلك الفوز ولكنه لم يحصل سوى على التصفيق!! ثم حقق المعجزة في الموسم التالي بالفوز على ريال مدريد الرهيب في نهائي دوري أبطال أوروبا (5-3)، وحصل على البطولة  للمرة الثانية على التوالي ولكنه أيضًا لم يحصد سوى التصفيق!! وأصيب المدرب اليهودي بإحباط شديد وقرر أن يطلب بنفسه الزيادة في مقابلة مع رئيس النادي المنتخب حديثًا “أنطونيو فيزاس”، وترددت تلك الحدوتة عن تفاصيل المقابلة حيث يقال إن “فيزاس” قابله بترحاب قائلاً: “أهلاً بملك أوروبا وزعيمها”، وشعر “جوتمان” أنها اللحظة المناسبة لطلب الزيادة، وحينما ذكر المبلغ المطلوب انتفض رئيس النادي وقال له: أنت مبالغ يا جوتمان.. هذا المبلغ كبير للغاية.. لا أعتقد أن أحدهم يستحقه.. في الواقع أنا لن أعطيك هذا المبلغ”، وهنا زأر الأسد الجريح مستنكراً جملة (لا أحد يستحقه)، وعاتبه قائلاً: أنا من بنيت هذا الفريق، ‏أنا من صنعت منه بطل أوروبا بالتدريب والتخطيط  والمجهود، وليس بجلوسي على كرسي مريح في مكتب فخم”، وتحول النقاش إلى شجار سمعه كل من في النادي، ليخرج المدرب منفعلاً ومردداً بعفوية وبصوت عالٍ كلمات تقليدية جداً في مثل هذه المواقف: “أنا مستقيل، من اليوم ستعرفون قيمة جوتمان، لن يفوز بنفيكا ببطولة أوروبية واحدة ولو بعد مئة عام”.

بيلا جوتمان

وترددت أصداء تلك الكلمات في أرجاء النادي وسمعها الجميع وشعروا بانقباض لبضعة لحظات من فرط ثقة صاحبها وانفعاله، بل إنها مع الوقت تحولت إلى أشهر مقولة كروية عبر التاريخ، ولكن سرعان ما زال ذلك الانقباض حينما وصل فريق بنفيكا إلى نهائي دوري أبطال أوروبا العام التالي 62 /63، ورغم تقدم “إيزيبيو” بهدف في الدقيقة 19، إلا أن “التافيني” سجل هدفين للميلان في الدقيقة 58، 69، لتطير البطولة بغرابة شديدة من البرتغال إلى إيطاليا، لتبدأ أولى مراحل ترسيخ ما يمكن أن نطلق عليه “لعنة جوتمان”.

والعجيب أن أربعة مدربين تولوا تدريب بنفيكا بعد “جوتمان” في الفترة من 1962 إلى 1965، وفشل الجميع في التتويج الأوروبي، ‏وبدأ الشعور العام بأن جملة “جوتمان” هي لعنة ألقاها على بنفيكا، حتى وصلت قصة اللعنة إلى مسامع رئيس النادي الذي لم يجد ‏مفراً من تصديقها، وتراجع وأرسل إلى “جوتمان” يتأسف له ويطلب منه العودة إلى التدريب عبر نجم الفريق ‏”إيزيبيو” ‏الذي أقنع “جوتمان” بالعودة موسم 66/65، ‏ولكنه عاد وهو يحمل شيئاً بداخله ضد الرئيس والإدارة، ورغم وصوله إلى ربع نهائي البطولة الأوروبية إلا أنه خسر خسارة فادحة أمام مانشتر يوناتيد في لشبونة (1-5) بعد خسارته في أولد ترافورد (2-3)، ‏ويبدو أن اللعنة حلت على الجميع وانقلب السحر على الساحر، ولم يستطع “جوتمان” نفسه أن يبطل مفعول اللعنة، وخرج ولم يعد بعدها إلى بنفيكا وإلى الأبد.

لعنة جوتمان

‏وتتصاعد الدراما حينما تعاقب المدربون على بنفيكا، بعضهم من المصدقين باللعنة والبعض الآخر يراها مجرد قصة أسطورية فلكلورية،‏ ولكن الحقيقة العجيبة أن النهائيات توالت بينما الخسائر مستمرة، فقد خسر بنفيكا بعدها ثماني نهائيات، خمس مرات في دوري أبطال أوروبا 63/62، 65/64، 68/67، 88/87، 90/89، وكأس الاتحاد الأوروبي 83/82، وفي الدوري الأوروبي 2013/2012، 2014/2013.

بطولات

​رغم بعض المحاولات الشاذة لحل تلك اللعنة والتي كان أشهرها زيارة “إيزيبيو” قبر “جوتمان” في فيينا مقر إقامة المباراة النهائية لدوري أبطال أوروبا 90، كما صلى عند القبر طالباً أن تزول اللعنة، إلا أن “ريكارد” سجل هدف الفوز للميلان وعمق اللعنة، وفي محاولة ثانية -ولكنها من قبل جماهير بنفيكا- قاموا عام 2012 بنحت تمثال شخصي له وهو يحمل كأس دوري أبطال أوروبا، ووضعوه قبل ملعب الفريق، لمخاطبة روحه لتصفح عنهم، لكن للأسف الفريق خسر بعدها نهائيين متتاليين لبطولة الدوري الأوروبي أمام تشيلسي 2013 بهدف في الوقت الضائع، وأمام إشبيلية بضربات الترجيح عام 2014.

ورغم أن “جوتمان” توفي 28 أغسطس 1981، إلا أن لعنته لا زالت سارية حتى الآن، ومن لعنة “جوتمان” إلى “معزة النيجر”، ومن لشبونة إلى نيامي؛ ففي أثناء تصفيات كأس الأمم الإفريقية عام 2012 -وبعد التعادل الغريب مع سيراليون في القاهرة- ذهب أبطال أفريقيا (ثلاث مرات متتالية) إلى النيجر، بغرض إحراز فوز سهل لضمان الوصول إلى بطولة أفريقيا 2012 للدفاع عن اللقب في غينيا الإستوائية والجابون، ومنذ وصول بعثة المنتخب المصري إلى مطار نيامي وهناك محاولات غريبة للسحر أو الشعوذة، بلغت ذروتها قبل بدء اللقاء، حيث قام أحد السحرة بالنيجر بالطواف بمعزة (نعم.. معزة!!) في أرض الملعب، والغريب أن منتخب مصر خسر المباراة في مفاجأة مدوية بهدف غريب من خطأ دفاعي ساذج من “محمد عبد الشافي” سجله نجم النيجر “مازاو” في الدقيقة 34، وتتصاعد الأسطورة حينما تردد أن الساحر أكد عقب المباراة أنه قام بذبح المعزة خوفاً من أن يتم فك السحر!! بل الأكثر غرابة ودهشة حينما قيل إنه أكد أن المنتخب المصري لن يحقق أي بطولات!!!! ويبدو أنه هو الآخر أطلق كلمات انفعالية تحولت إلى لعنة جديدة!!!!

والمثير في القصة أن منتخب مصر بالفعل خرج من تصفيات تلك البطولة، ولم تخرج مصر من تلك التصفيات فقط بل خرجت أيضاً بعدها من تصفيات بطولتي 2013 و2015، في سيناريوهات دراماتيكية، والأعجب أن مصر حينما وصلت لنهائيات بطولة 2017، بصعوبة بالغة، عادت من جديد للوصول للمباريات النهائية، لكنها خسرت أمام الكاميرون في مفاجأة غريبة، بعد أن تقدمت بهدف “محمد النني” في الدقيقة 22، وخلال الفترة السابقة أيضاً خرجت مصر من المرحلة الختامية لتصفيات كأس العالم 2014، بفضيحة الخسارة أمام غانا في المباراة الفاصلة في كوماسي (1-6).

وفي النهاية يجب أن نذكر المفاجأة الكبرى، وهي أن “جوتمان” كان لاعباً في منتخب المجر في الفترة من 1921 وحتى 1924، ولعب فقط ست مباريات دولية سجل خلالها هدفا يتيما، والمثير للدهشة أن آخر مبارياته الدولية كانت أمام منتخب مصر في أوليمبياد باريس عام 1924 ووقتها فازت مصر (3-0)، ويبدو أن لعنة الفراعنة حلت على الرجل الذي لم يستمر في تدريب أي نادٍ أكثر من عامين!!!! وبعيداً عن لعنة “جوتمان”، نطرح سوالاً ضرورياً وتاريخياً ويهمنا جداً كمصريين وهو: هل تستمر لعنة “معزة ساحر النيجر”؟، أم ينجح منتخب مصر في التخلص منها؟؟!!

لعنة جوتمان 2