محمد حمدي سلطان يكتب: عمرو دياب.. عدى الناس وخيب التوقعات

بعد ترقب وانتظار، وحملات دعائية كبرى استمرت لما يقرب من شهر ونصف، صدر أخيرًا منذ أيام ألبوم عمرو دياب الجديد “معدي الناس”، والذي يحمل رقم 30 في مسيرته الفنية الكبيرة، والممتدة لـ 34 عامًا، وبعيدًا عن ضوضاء مواقع التواصل، ومتربِّصي السوشيال ميديا، وبعض من لديهم هوس أو مرض “تحطيم” كل من يمثل قيمة ورمزًا، ويمتلك تأثيرًا وجماهيرية، وبعيدًا عن التأثر بكل الآراء السلبية حول الألبوم والتي جاءت أغلبها متسرعة وغير موضوعية، فالألبوم بالفعل جاء مخيبًا للتوقعات بدرجة كبيرة.

هو ألبوم جيد في المجمل، وبه الكثير من الأغنيات الجميلة، لكني كواحد من جمهور عمرو دياب لم أجده على قدر كل هذا الترقب والانتظار، فهذه المرة كانت هناك روح مختلفة وجديدة في الحملة الدعائية، وهو ما جعلنا نعتقد أننا سنجد نفس هذه الروح بداخل الألبوم، انتظرنا أن يفاجئنا دياب بشيء مختلف عما قدمه في ألبوماته الأخيرة تحديدًا، ولكنه فاجأنا بالعكس، بل بما هو أسوأ، فألبومه قبل الأخير “أحلى وأحلى” كان أحلى وأفضل كثيرًا من “معدي الناس”، الذي لدينا عليه بعض الملاحظات سنحاول أن نوجزها في هذه النقاط السريعة.

– من المعتاد في السنوات الأخيرة أن تصدر ألبومات أغلب النجوم بـ 12 أغنية وأحيانا 14، نادرًا ما نجد ألبومًا يحمل عدد أغنيات أقل، عمرو دياب نفسه، آخر ألبوم له صدر بـ 10 أغنيات فقط كان ” الليلادي” عام 2007، وعاد ليفعلها مجددًا هذا العام في “معدي الناس”، العجيب أن هناك أغنيتين قام بطرحهما قبل نزول الألبوم بفترة ضمن خطة الدعاية، وهما “معدي الناس” و”جنب حبيبي”. بالطبع الكيف أهم من الكم، ولكن عندما تخسر الاثنين فتلك مشكلة كبيرة، فإذا كانت هناك أغنيتان طُرحا مبكرًا، وأغنيتان ليستا على المستوى، وأغنيتان نُص نُص، فماذا تبقى من الألبوم!

– بعد نزول بوستر الألبوم في بداية يوليو الماضي بأيام قليلة، فوجئنا بأخبار صلح الهضبة مع الملحن عمرو مصطفى والشاعر أيمن بهجت قمر، اللذين قاما بالاعتذار لعمرو دياب علنًا بعد خلافات دامت لفترة طويلة، لنُفاجَأ مرة أخرى بوجود هذا الثنائي ضمن فريق عمل الألبوم بـ 3 أغنيات، واحدة لأيمن بهجت قمر، واثنان لعمرو مصطفى، وهو ما يؤكد أن هذه الأغنيات تم تنفيذها في فترة زمنية قصيرة للغاية، ولا أعلم هل هذه علامة على ارتباك مشروع الهضبة؟، أم هي عادته كما نسمع عن قيامه بالتعديل في ألبوماته حتى اللحظات الأخيرة قبل طرحها؟ عمومًا هذه العودة الفنية مكسب لكل أطرافها، ونتمنى أن تكون العودة أقوى، وبأعمال أفضل في الألبوم القادم.

– ربما باستثناء صوت “التصفير” المبهج في أغنية “قلبي اتمناه” بمصاحبة لحن رشيق يحمل روح عمرو مصطفى بامتياز، باستثناء ذلك جاء التوزيع الموسيقي للألبوم، للموزع أسامة الهندي، عاديًا جدًا وتقليديًا لدرجة الملل، فهو بلا لمسة مختلفة، أو شطحات إبداعية، مجرد أداء واجب لا أكثر، وهذه مأساة كبيرة، فحتى لو أتقنت عملك كمبدع، فلا يصح أن تتعامل مع الفن بعقلية الموظف.

– أداء عمرو دياب في أغنية “آه حبيبي” جميل جدًا، وأكثر من رائع، وفعلا بيغني بمزاج “ومتسلطن” على الآخر، لكن مش معقول الواحد يفضل يسمع في أغنية كلها حبيبي آه حبيبي وكمان حبيبي. حبيبي حبيبي حبيبي!

– “أول كل حاجة” عمل شبه متكامل، ينتمي لمدرسة عمرو دياب التطريبية الراسخة، الشاعر أحمد المالكي في تعاونه الأول مع عمرو دياب أجاد تمامًا في وصف مشاعر التأثر بالفراق، واللحن المشترك بين عمرو دياب وسامح كريم جاء تتويجًا لهذه الكلمات المميزة.

– أجمل ما في هذا الألبوم أغنية “نغمة الحرمان “، رغم الإحساس بأن هناك حالة ما من “السربعة” في تنفيذها، يعود أيمن بهجت قمر بكل ثقله، ونتمنى أن يركز أكثر مع كتابة الأغاني، ملعبه الذي يبدع فيه، ويبتعد قليلًا عن كتابة الأفلام والمسلسلات، أما الملحن محمد يحيى فاستطاع أن “يبروز” هذه الكلمات، ويخلق الحالة اللحنية الملائمة تمامًا لها، مستعينًا بموهبته الكبيرة والتي أثقلتها خبرة السنين، أما الأغنية نفسها، فأغنية حزينة ولحنها راقص ودياب “بيلمع”، والمستمع مستمتع ومتقبل لهذا التناقض، وهذه إحدى معجزات عمرو دياب الفنية.

– الثنائي الشاب الجديد، الشاعر أسامة مصطفى، والملحن سامر أبو طالب، أعتبرهم اكتشافًا مهمًا يُحسب لعمرو دياب، أسامة كتب لدياب في ألبومه السابق أغنية “على حبك”، أما سامر فهذا تعاونه الأول مع الهضبة، تألقا بشكل لافت وتركا بصمة تثبت موهبتهما الكبيرة في أغنيتي “قمر ايه”، و”معدي الناس”، والأخيرة ظلمت بنزولها المبكر بشكل منفرد، ولو احتفظ بها دياب حتى صدور الألبوم، لحققت نجاحًا وصدى أكبر.

– يُحسب لعمرو دياب أنه لم يغني أبدًا باللهجة الخليجية، مثل غيره من المطربين والمطربات، حتى في فترة وجوده مع كيان خليجي ضخم مثل شركة “روتانا”، لم يفعلها، ولكننا فؤجئنا بما هو أغرب، عندما تعاون لأول مرة مع شاعر خليجي ليكتب له أغنيات بالعامية المصرية! وهو الشاعر السعودي تركي آل الشيخ، كنت أتمنى أن تأتي الأغنيات التي كتبها تركي في مستوى مبهر، يخرسنا تمامًا، ويجعلنا نقتنع بحكمة اختياره المريب، ولكن للأسف جاءت أغنيتا “يا أجمل عيون”، و”أحلى حاجة”، بكلمات أقل ما توصف به أنها كلمات ركيكة وضعيفة ولا تحمل أي معانٍ واضحة، مما جعل علامات الاستفهام تزيد، والتساؤلات تبقى مطروحة عن أسباب تعاون دياب مع الشاعر تركي آل الشيخ!

– أغنية برج الحوت “يا أجمل عيون”، ورغم نجاح الإفيه وانتشاره، وكونها أغنية خفيفة لا تخلو من روح مرحة، إلا أنه من الصعب ابتلاع كلماتها، فمثلا “والله لأحبك موت وأحب برج الحوت وأعشق تفاصيلك ضحك وبكا وسكوت لأنك الدنيا واللي يفوت يفوت” يعني إيه بقى الجملة الأخيرة دي “واللى يفوت يفوت”، يفوت فين عدم اللامؤاخذة؟ معناها إيه؟ وإيه علاقتها بالجملة اللي قبلها؟ ولا هو أي كلام على الوزن وخلاص!

– أما أغنية ” أحلى حاجة ” فهي كارثة حقيقية. في رأيي المتواضع هي أسوأ ما غنى دياب على مدار تاريخه بلا أي مبالغة. في البداية سنجد مقدمة موسيقية طويلة تجاوزت الدقيقتين، توزيع شرقي جعلنا “نتسلطن” ونتأهب لسماع تحفة حقيقية، فإذا بنا نُفاجأ بكلام ساذج، مضحك، لا يكتبه شاعر مبتدئ على غرار “سنة في حبك سنة في قربك ولا أجمل ولا أغلى ولا أحلى” أو “وحنين الشوق في حبك مدوبني مسهرني مخليني أدوب وأعشق وأعيش وأعشق”. لا أصدق حتى هذه، أن عمرو دياب غنى مثل هذه الكلمات.

– لحن مدين لأغنية “حبايب إيه ” جاء جيدًا، ولكنه أقل كثيرًا من كلمات تامر حسين المكتوبة باحترافية، وكانت في حاجة إلى لحن أقوى من ذلك بكثير.

– أكثر الكلمات تكرارًا في أغنيات الألبوم هم “حبيبى” و”الله”، وهو ما يجعلنا نشك أن الألبوم يأتي برعاية الفنان مصطفى شعبان صاحب الإفيه الشهير “يا حبيبى يا ربنا”.

– في يناير الماضي كنا أمام حدث فريد من نوعه، عندما قامت المطربة شيرين بمهاجمة عمرو دياب، تلميحًا ودون أن تذكر اسمه صراحةً، لتواجه عاصفة غضب هائلة على مواقع التواصل الاجتماعي، مما أجبرها على الخروج للاعتذار، قبل أن تعاود الهجوم على دياب مرة أخرى منذ أيام قليلة، معركة حقيقية وغريبة قامت بين شيرين وجمهور عمرو دياب، دون أن يكون الهضبة طرفًا فيها، فلم يُذكر اسمه صراحة في كلام شيرين، ولم يخرج هو لرد الإساءة، اكتفى بالصمت ومتابعة جمهوره وهو يفتك بشيرين. فهل جعل هذا الموقف عمرو دياب يصل لدرجة غير مرغوبة من الثقة بالنفس؟ هل اقتنع تمامًا بأن لديه جمهورا ومحبين سيتقبلون منه أي شيء؟ هل بدأت تظهر على أرض الواقع ملامح حقيقية لأسطورة أن “عمرو دياب لو عمل شريط فاضي الناس هتشتريه”؟ هل كان الشريط “فاضي” بالفعل؟

– يحتاج عمرو دياب إلى دماء جديدة وروح مختلفة، هو لم يفقد بعد شغفه بالغناء، ولا رغبته في النجاح والاستمرارية، ولكنه ربما فقد شغفه بالتجديد وأصبح يفضل اللعب في المضمون، هو في حاجة لاستعادة شيء من تمرده القديم، ليدخل في مرحلة فنية جديدة طال انتظارنا لها، فربما نجح عمرو دياب في أن “يعدي الناس” ويتغلب على كل منافسيه، لكنه في هذه اللحظة تحديدًا لا يحتاج إلا أن يعدي ويتجاوز شخصًا واحدًا فقط وهو عمرو دياب.