زينب الغزالي.. بين "أم الصابرين" و"الجماعة 2"

إيمان مندور

تجسيد الشخصيات التاريخية، يُعد مادة خصبة لإثارة الجدل بين أصحاب الآراء الفكرية المختلفة، إذ لا يوجد اتفاق على شخص واحد من الجميع مهما كانت درجة صلاحه أو فساده، ودور الأعمال الفنية في مثل هذه الحالات يكون عرض الرؤية الأقرب للصواب؛ وفق آراء أغلبية من عايشوا الشخصية أو الحقبة التاريخية التي يتم تناولها، أو البحث عن الحقائق الملموسة التي يمكن الحكم من خلالها بـ”حيادية” على ما سيتم تناوله، دون الانسياق وراء مؤيدي الشخصية أو المعارضين لها.

نرشح لك: “الجماعة 2”.. يثير غضب الناصريين والوفديين

لكن حدث خلاف ذلك أثناء تناول شخصية الداعية زينب الغزالي من خلال عملين فنيين فقط، حيث ذهب كل منهما في اتجاه مغاير للأخر، فهي في مسلسل “أم الصابرين” الذي تم تصويره إبان وصول جماعة الإخوان للحكم، بطلة وسيدة عظيمة مستنيرة تستحق أن تكون قدوة للملايين.

وفي “الجماعة 2″ الذي تم تصويره عقب حظر جماعة الإخوان وخلع نظام حكمها وإدراجها ضمن التنظيمات الإرهابية، سيدة إخوانية متشددة تعشق السلطة والقيادة و”تحب أن تقود ولا تقاد” حسبما جاء على لسانها في أحد المشاهد.

 

أبطال “أم الصابرين”

البداية كانت مع مسلسل “أم الصابرين” عام 2012، والذي يُعد أول عمل بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير يتحدث عن أحد قيادات الإخوان المسلمين، والذي جسّدت خلاله الفنانة رانيا محمود ياسين شخصية زينب الغزالي، وشاركها في العمل كل من طارق الدسوقي، فايزة كمال، أحمد هارون، خالد محمود، مديحة حمدي، جمال إسماعيل، حنان سليمان، ميار الببلاوي، أميرة نايف، منة بدر تيسير، إيمان السيد، محمد عبد الجواد، تأليف أحمد عاشور، وإخراج أحمد إسماعيل الحريري.

وتبدأ أحداث “أم الصابرين” بميلاد زينب الغزالي عام 1917، لأب تقي هو الشيخ الغزالي الذي جسّده الفنان طارق الدسوقي، حيث يرى بعد سنوات قليلة رؤيا صالحة لها، فيتنبأ بأنها ستكون ذات شأن في المجتمع، لذا يستمر في إخبارها دومًا أنها مختلفة وليست ككل الفتيات، بل خُلقت ليكون لها دور كبير، لن يؤديه أحد غيرها.

السيدة زينب !!

 

أبرز مشاهد المسلسل جاءت في الحلقة الأولى، حين جاء والدها الشيخ محمد الغزالي إلى المنزل مبكرًا، فوجدها تلعب وتلهو مع فتيات أخريات، فغضب وأحمر وجهه، وطلب منها أن تترك اللعب وتلحق به إلى داخل المنزل، ودار بينهما الحوار التالي:

– قوليلي اسمك؟

– زينب.

– غلط، اسمك السيدة زينب.

– اشمعنى أنا السيدة زينب، وكل البنات أساميهم عادي زي نفيسة وإحسان وو.

– لأنك مش زيهم، إنتي بنت الشيخ محمد الغزالي، ابن الغزالي الكبير، من نسل سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه، أم أبيكِ من نسل الحسن والحسين ابن علي رضي الله عنهم جميعًا.. تبقي ازاي زيهم، ازاي تلعبي معاهم كمان وتبقي زيهم.. اسمعي يا زينب إياكي تردي على أي حد ما يقولكيش غير يا سيدة زينب..فهمتي!.

وبالفعل يتم الحرص طوال المسلسل _بطريقة مستفزة_ على التأكيد على أن اسمها السيدة زينب وليست زينب، بل أنها تصرخ في وجه كل من يناديها بدون لقب “السيدة”، حتى وإن كانت والدتها أو جدها أو من هم أكبر منها سنًا.

https://www.youtube.com/watch?v=CGHZFSxKr8Q

رانيا والإخوان

تجسيد الفنانة رانيا محمود ياسين لشخصية القيادية الإخوانية زينب الغزالي، يبتعد كثيرًا عن مواقفها السياسية الأخيرة المضادة للإخوان والتيارات الإسلامية عمومًا، لكن الأكثر غرابة هو تصريحاتها خلال المؤتمر الصحفي الذي عقدته الشركة المنتجة للمسلسل قبل عرضه عام 2012، والتي نقلتها صحيفة “الأهرام”، حيث أكّدت أنها تمنت أن تقدم هذه الشخصية العظيمة وتعطيها حقها، مشيرًة إلي أن هناك الكثير من العقبات التي وقفت أمام العمل حتى لا يخرج للنور، ولكن شخصية زينب الغزالي تستحق أن تحارب من أجلها.

نرشح لك: خالد يوسف يكتب: “الجماعة ٢” لا يعترف إلا بمحمد مرسي

أضافت رانيا أن المسلسل بالكامل ليس له أي علاقة بجماعة الأخوان المسلمين، وأن شخصية زينب هي امرأة بـ”مائة رجل”، حيث عانت من التعتيم الإعلامي وحان الوقت لخروجها إلي النور، لكن شددت في نفس الوقت على أن العمل لا يعد مغازلةً للإخوان أو أظهار حقبة الرئيس جمال عبد الناصر علي أنها حقبة ظلم، ولكن “أم الصابرين” كانت واضحة وكانت تعلن دائما أنها ضد حكم العسكر، على حد قولها.

أبطال رغم الاعتذار

في الحقيقة هناك أسماء أخرى ارتبطت بمسلسل “أم الصابرين” رغم عدم مشاركتها فيه، أبرزهم الفنانة آثار الحكيم والتي اعتذرت عن العمل، وكذلك الفنانة حنان مطاوع والتي تم ترشيحها في البداية لدور “زينب الغزالي”، واتفقت الشركة المنتجة معها على تجسيد الشخصية فى مرحلة شبابها، على أن تقوم والدتها الفنانة سهير المرشدي باستكمال الشخصية فى مراحل متقدمة من العمر، لكن سرعان ما أعلنت “حنان” انسحابها من المسلسل؛ بعد يوم واحد فقط من إعلانها بطلة العمل.

 

صابرين “في الاتنين”!

من المفارقات الغريبة أن الفنانة صابرين تم ترشيحها لتجسيد شخصية “زينب الغزالي”، إلا أنها رفضت وقتها، لتعود للموافقة على نفس الشخصية لكن من خلال “الجماعة 2” الذي يتم عرضه حاليًا، حيث تقدم النسخة المناقضة لما عُرض عليها في البداية عن شخصية “الغزالي” وسيرتها.

 

مشاكل “أم الصابرين”

عُرض مسلسل “أم الصابرين” على التليفزيون المصري، لكن توقف العرض عند الحلقة العشرين، ولم تكتمل حلقاته في رمضان 2012، بسبب الخلاف مع الشركة المنتجة، حيث رفض فريق العمل استكمال التصوير على خلفية التعديلات التي وصفوها بـ”الفجّة”، والتي أدخلتها الشركة المنتجة في النهاية، انتصاراً لرؤية جماعة الإخوان المسلمين، الأمر الذي دفع المخرج والمؤلف إلى تقديم بلاغات أمام النائب العام ضدّ جهة الإنتاج.

بدون مقارنة

 

بعيدًا عن الصخب المصاحب لشخصية “زينب” في كلا العملين، فإنه لا مجال للمقارنة بين “أم الصابرين” و”الجماعة 2″، من حيث الأداء الفني والإخراجي والتصوير والديكور، فالثاني يفوق العمل الأول بمراحل، بدءًا من السيناريو مرورًا بأداء الممثلين حتى الإنتاج والإخراج والتصوير، فقد قدّم سيناريو وحيد حامد مع إخراج شريف البنداري نموذجًا جيدًا للغاية من الناحية الفنية.

زينب “الجماعة 2”

 

جسدت الفنانة صابرين شخصية زينب الغزالي من خلال أداء جيد ومتقن بدون مبالغات، عكس ما قدمته رانيا محمود ياسين من تجسيد “عادي” للشخصية، لا يختلف عن أدائها التمثيلي في أدوارها السابقة واللاحقة للمسلسل.

نرشح لك: محمود خليل يكتب: “زينب وأخواتها”..!

أما عن الشخصية وتجسيدها، فقالت صابرين في تصريحات صحفية، إن شخصية زينب الغزالي صعبة في ملامحها الشكلية والنفسية واحتاجت لمجهود مضاعف منها، ومن طاقم الماكياج الذي حدد ملامح شكلية لها، لافتةً إلى أن “زينب” في الحقيقة شخصية قوية، قيادية، كلماتها ونظراتها بحساب، تفهم وتدرك كل ما حولها، ولديها وعي وثقافة، تعرف متى وكيف تتحدث وماذا تقول، لذلك تخوفتْ في البداية من تقديمها.