"دهاليز الظلام".. قوى الإمارات الناعمة في مواجهة الإرهاب

رباب طلعت

تماشيًا مع مقولة “لا يفل الحديد إلا الحديد”، أيقن الإعلام الإماراتي في تجربة يمكن وصفها بـ”المثيرة”، بأن الفكر لا يحارب إلا بالفكر، فبعد نجاح الحلقة الأولى من السلسلة الوثائقية “دهاليز الظلام”، التي عرضتها شبكة قنوات تلفزيون أبو ظبي، مساء الأحد، تحت عنوان “البدايات وجذور التآمر”، التي تكشف خفايا تأسيس فرع تنظيم جماعة الإخوان المسلمين في الإمارات، وشهادة بعض الأكاديميين والمختصين عنه، وقرار الدولة بحله، بعد تورط عدد من المواطنين في التآمر ضد الدولة لصالحه، يستعد المشاهدون بشغف، مساء اليوم الثلاثاء، لمشاهدة ثاني أجزاء السلسلة “الاستقطاب والبيعة”، والمنتظر أن تحتوي على عدد من الشهادات الحية لبعض المنشقين عن التنظيم، بالإضافة إلى تسجيلات واعترافات حصرية تعرض لأول مرة عن جرائم التنظيم الإرهابي ومخططاته.

بداية قوية بدأت بها السلسلة الوثائقية، فمدخل أول حلقاتها كان كافيًا لأن يجبر المشاهدين كافة على المتابعة، سواء كانوا من أنصار الجماعة الإرهابية، أو مناهضيها، فكلمات الشكر البسيطة التي كتبها صناع الفيلم في الثواني الأولى منه لـ”العائدين لأحضان الوطن”، في إشارة منه للمنشقين عن التنظيم، المشاركين في الفيديو، بشهاداتهم، يثير فضول حتى أولئك غير المكترثين بالشأن السياسي لسماعها.

” وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا”، كانت الآية التي احتكم لها صناع الفيلم، في توثيق صدق طرحهم، سواء كان بالاستعانة منذ اللحظات الأولى إلى نهاية الفيديو، ببعض مقتطفات رموز التنظيم، من مؤسسه حسن البنا، ورموزه كالسيد قطب وغيرهم، باقتباس أقوالهم، سواء المقروءة أو المسموعة، أو بتضمين شهادات لبعض المنشقين، عن جماعة الإخوان المسلمين كعائشة الرويمة، أو أحد أقاربهم كعلي الدقي، شقيق حسن الدقي أحد قيادات جماعة الإخوان المسلمين.

لم يغفل صناع السلسلة عن أهمية “أهل الثقة”، في التحليل والطرح، فاستعانتهم بمجموعة منوعة من المختصين في الشأن الأكاديمي والإعلامي والديني، غطى الجوانب والشقوق كافة التي دخلت منها الجماعة الإسلامية إلى فئات المجتمع كافة، كمشاركة كل من الإعلاميين محمد الحمادي، والدكتور خليفة السويدي، والباحثين والأكاديميين الدكتور علي بن تميم، والدكتور عتيق جكة المنصوري، والدكتورة موزة غباش، والدكتور علي راشد النعيمي، كذلك الداعية الإسلامي وسيم يوسف.

كذلك كان السرد التاريخي لجماعة الإخوان المسلمين -منذ نشأتها الأولى عام 1928، في مصر، بعد إعلان حسن البنا إقامتها للمطالبة بدولة الخلافة المصرية، مرورًا بالعديد من مراحل القوة والضعف، والتحركات التوسعية للتنظيم، في عصر الرئيسين جمال عبد الناصر، ومحمد أنور السادات، وربطها بتاريخ نشأة دول الخليج، وتسلل التنظيم له، عبر أكثر المنظومات خطورة، “التعليم”- كان للسرد طابع مميز، فلم تكن المعلومات “درسَ تاريخ”، بل كانت أشبه بـ”القصة”، التي يرويها المعلق على المستمعين بسلاسة، ودون تعقيدات، أو دخول في تفاصيل تنهك ذاكرة المشاهد دون فائدة.

المشاهد الفنية كانت من أقوى عناصر قوة الفيلم التسجيلي الأول في السلسلة، ليس في الجانب المعلوماتي، أو الوثائقي، إنما في الربط الذهني، فحرص صناع الفيلم، على محاكاة أنماط المجتمع كافة باختلاف ميولهم، عن طريق تجسيد الفكرة بمشهد تمثيلي، أو تضمين بعض مقاطع الفيديو القديمة، سواء كانت كخلفية للحديث عن الحقبة الزمنية، أو للاستناد على تسجيلات للزعماء، أو لعناصر الإخوان، كمشاهد حقبة العشرينات والستينات في مصر، ونفس الحقبة في بداية ظهور دول الخليج، وبدء مراحل التعليم فيها، والذي نجح الإخوان على اختراقها، وأيضًا وضع صوت موسيقى أغنية شادية الشهيرة “أصله معداش على مصر”، حوّل الفيلم إلى مادة مسلية، فتحت أفق العقل على جوانب كثيرة، بالطبع ستجذب الجميع.

كان أيضًا للفيلم طابع فني مختلف وقوي متوازي مع المشاهد التمثيلية، وهو فن اختيار أساليب التصوير، فخلال الفيديو يمكن للعين أن تلتقط بعض المشاهد التي تعلق في ذاكرتها، أو تعطي رسائل خفية للمخ يتشربها دونما جهد، كمشاهد اللعب بـ”السبحة”، أو حلف اليمين على المصحف، بزاوية تصوير مموهة أو بعيدة، والتي تعطي مدلولًا على تلاعبهم بالدين لصالح مصالحهم الشخصية، كذلك حصرهم دائمًا في كادرات مظلمة، أو بعيدة، أو مموهة غير واضحة، أو تصويرهم من وراء حاجز، حتى لو كان مفرغًا، كلها رسائل توحي بالسرية، والاختباء والتكتم على عمل غير سوي، وأيضًا تصوير “المرشد”، أو القيادي من ظهره، أو بإضاءة مظلمة بعكس ضحاياهم من الضالين، المنقادين وراءهم، والظاهرة وجوههم لبيان مدى شرودها، وتغييبها.

أما الخاتمة، فجاءت مثيرة، فتح بها المخرج منفذًا من الضوء، تشير إلى مضمون الحلقة الثانية من السلسلة، حيث ظهرت بعض الصور الحديثة للجماعة، خلال فترة حكمهم لمصر، ومن ثم أحداث رابعة العدوية، وشاراتهم الموحدة، وبعض الجرائم التي اتهم بعض عناصرهم فيها، مع مقتطفات من كلام لمختصين مشاركين في السلسلة، في دلالة على أن مضمون الحلقة المقبلة، ستكون عن آثار سطوهم على الحكم في الوطن العربي، أو دورهم المعاصر في الأحداث الراهنة.

يذكر أن سلسلة “دهاليز الظلام”، تتضمن 4 حلقات، “البدايات وجذور التآمر”، و”الاستقطاب والبيعة”، و”سقوط الأقنعة”، و”عدلٌ في وضح النهار”، وتبث الحلقة الثانية مساء اليوم الثلاثاء، ويقدمها حمدي ياسين، وهي من إخراج عمر إبراهيم، ومن إنتاج تلفزيون أبوظبي، وتذاع الحلقتان المتبقيتان يومي الأحد والثلاثاء المقبلين.