الرئيس الفرنسي المحتمل .. من همه خدها قد أمه

إيمانويل ماكرون، المرشح الرئاسي الفرنسي والرجل الذى أثار كثيراً من الجدل حول علاقته بزوجته “بريجيت ترونو” والتي تكبره في العمر بخمسة وعشرين عاماً، فاذا ما فاز الرجل فقد أصبح أصغر رئيس في تاريخ فرنسا، لكن تاريخ الرجل السياسى مع صغر سنه لا يستحق عناء الاهتمام، امتلأت مواقع التواصل الاجتماعى بين قلوب معجبيه، وبين ضحكات تؤكد أنه مختل عقلياً.

ربما لا يعلمون أن هناك إيمانويل ماكرون آخرون يعيشون بيننا، وان كانوا قلة قليلة، لكنهم ليسوا تحت الأضواء، بل أنى أعتبرهم أكثر جرأة وشجاعة وإصرار وتحدى تربوا في مجتمع متناقض من رجل فرنسى تربى في مجتمع متحرر ومختلف تمام الاختلاف، عن كل ما رضعناه من عنصرية وخوف وكراهية لكل ما هو غير مألوف.

كل هذه الآراء والمشاحنات على مسألة لا تخصنا، جعلنى حقاً أفكر فيما يخصنا، وللصدفة المُرعبة، تشكى لى احدى الصديقات عدم إتمام زواجها من شخص أحبته بصدق، لأنها تكبره بثلاثة أشهر! فهل لنا أن نعتبر والدته التي أصرت على عدم تكليل حبهما بالزواج سيدة متحضرة؟ هل حقاً وصلنا للعام 2017؟

ولأننى أعرف الكثير من القصص، لم أندهش عند زواج امرأة من رجل يكبرها بخمسة وعشرون عاما، ولم أسأل عن احداهن، كيف تزوجت رجل يكبرها بأربعين عاماً، بمباركة الجميع دون استنكار، فقط تعليقات بسيطة هنا وهناك على استحياء عن فارق السن، فإذا ما انقلب الأمر وتزوجت المرأة رجل أصغر منها، فالحرب قائمة الى أن تنسحب وتتراجع، الحرب قائمة من بنات جنسها، ويتحول الرجل فجأة الى ملكية خاصة لأمه وأخواته وعماته وخالتاه وربما صديقاته، الجميع يُذكره بما تربى عليه، الجميع يدافع ويهجم في المعركة الى أن يطردوا المستعمر الآثم، حتى يستردوا أرضهم من جديد، دائما كانت حواء هي العدو الأول لحواء، ونسوا أن الرسول الكريم “مُحمد” (ص) قد أحب وتزوج السيدة خديجة بعمر لم يتجاوز الخمسة وعشرون في حين كانت سيدة ناضجة في الأربعون من عمرها، ولم يسكن قلبه حب مثل حبها بعد ذلك أبدا.

هل جاء هذا الزواج رسالة من الله بالإيجاز؟ بالطبع نعم، هل فارق السن بينهم وهو خمسة عشر عاما قد وُضع مقياساً؟ بالطبع لا، انما ليشير أن الأمر جائز ومتاح لمن أرادوا، زواج أحله الشرع وحرمه المجتمع العقيم.

منذ سنوات كنت مازالت تحت تأثير تلقين المجتمع في أمور كثيرة مختلفة، حينها تعجبت لما رأيت هذا الشاب الأعزب الوسيم الثرى متزوجاً من امرأة تكبره بخمسة عشر عاماً، أرملة وتعول ثلاثة أبناء، ما زالت ملامحها تحتفظ بجمال يفكر في الزوال، عارض أهله الزواج بشدة لكنه لم يلتفت اليهم، أصر على الزواج بها، ولعب دور الأب بجدارة لأبنائها، بالرغم أن أكبرهم كانت تصلح له زوجة، سمعت مقولات حواء بالجوار “من همه خدها قد أمه”، و “سحراله سحر أسود اللهم احفظنا”.

لكنى رأيتهم سعداء مطمئنين، ثم رزقهم الله بولدين، فأصبح أباً لخمسة أرواح، وبعد أن تزوجت ابنتها الكبرى، وسافر أبنائها للعمل بالخارج، ماتت زوجته فجأة، وكان أبنائها منه مازالا صغيران، وبعد فترة ولأنه مازال شاباً نصحه من حوله بالزواج لتربية أبنائه، عرض الأهل والأقارب والأصدقاء عليه الكثير من الفتيات، لكنه رفض، وأصر على تربية أبنائه بمفرده.

مرت السنوات سريعاً، وتغير شيئاً ما بعقلى، أصبحت حُرة التفكير، بعيدا عن كل ما لُقنت به منذ الصغر، فلم يعد يدهشنى أن سوداء تزوجت من أشقر، أو أن هذا يتزوج هذه التي تكبره بكثير، أو العكس، ولم أعد أؤمن بأية فوارق صنعها البشر.

ذات مرة كنت في زيارة لموتانا، فرأيته يبكى على قبرها، وكان هذا بعد رحيلها بسنوات كثيرة، يشكى لها حاله وقد تبدل، تزوج ابنهما الأكبر في سن صغيرة، وسافر الصغير، وبقى هو وحيداً يفتقدها، اقتربت منه في شفقة سألته، لماذا لا يتزوج فيغلب وحدته وشكواه، نظر الى في سخرية وقال “راحت الحبيبة يا بنتى بجسمها بس، لكن روحها معايا، أنا مستنى اليوم اللى هنتقابل فيه تانى”.

لا أنحاز لرأى محدد، فقط أكتب لحرية الفكر وتطهير العقول التي تبلدت من كثرة الثوابت، كونوا بجانب من تريدون، أكملوا ما تبقى من حياتكم البائسة مع من تهفوا اليه أرواحكم، لا تبنوا معايير زائفة كفروق السن واللون وغيرها أمام أعينكم سدود عالية.

كونوا سعداء مهما كان الثمن فكلنا عابرون في طرق قصيرة جداً.