الوجه "التراجيدي" للكوميديان الضيف أحمد

فاتن الوكيل

كثيرا ما نسمع عن فنانين هم أشرار الشاشة بلا منازع مثل عادل أدهم وزكي رستم ومحمود المليجي، لكنهم في الحقيقة شهد لهم الجميع أن قلبهم “قلب خساية”، حتى أن الفنان فريد شوقي أو “وحش الشاشة” لا يقدر على ذبح “فرخة” كما يقول أصدقائه، لكن إبداعهم الفني أقنعنا بشدة بأن هذا الأداء ربما يكون انعاكس لشخصيتهم -وهذا غير حقيقي-.

نفس الأمر نراه متكررا مع نجوم الكوميديا الذين على قدر إضحاكهم للجمهور على قدر همومهم ومتاعبهم وجديتهم في الواقع، وهو ما ينطبق على الفنان الراحل “الضيف أحمد”، ففي الوقت الذي اشتهر بـ”كوتوموتو” كان أصدقائه ومن رافقوه خلال مشواره الفني، يعرفون أن خلف هذا الوجه القادر على إنه “يوقع اللي قدامه من الضحك”، فيلسوف يعرف قدراته وما يمكن أن يقدمه للفن أكثر من الكوميديا، وإن كان هذا اللون من أصعب الألوان الفنية على الإطلاق.

كان الضيف أحمد يحلم بتقديم أدوار تراجيدية خلال مسيرته، لكن العمر له أحكام أقوى من الأحلام والأماني وخطط المستقبل، فانقطعت مسيرته بوفاته في 16 إبريل 1970، وحسب حوار سابق مع الفنان عادل إمام، قال إن علاقتهما بدأت قبل احتراف التمثيل، منذ أن كانا في الجامعة، حيث التحلق الضيف بكلية الآداب جامعة القاهرة، خاصة قسم “الفلسفة”، وليس اللغة الإنجليزية كما قال إمام في الحوار.

أوضح “إمام” أن الضيف كان من خيرة مثقفين مصر الشبان، وتعجّب إمام من مدى قراءات الضيف في الأدب الإنجليزي وحبه له، كما أشاد بحسه الدرامي العالي الذي أشار إلى أنه ظهر من خلال المسرحيات التي قدمها في الجامعة أكثر من التي مثلها في فترة احتراف الفن.

ثقافة الضيف الواسعة كانت أكبر من الأدوار التي خُلدت بعد ذلك باسمه، هذه الثقافة التي دفعت إمام إلى اعتقاد أن الضيف هو بالتأكيد صاحب فكرة تكوين فرقة “ثلاثي أضواء المسرح” كفرقة مسرحية، موضحا أنهما اشتركا في حب أدوار التراجيديا لكن الضيف لم يتمكن من تقديم هذا النوع بسبب رحيله المبكر والمفاجئ.

يحكي الفنان سمير غانم خلال حوار سابق له مع الإعلامي وائل الإبراشي، أن الضيف “جواه مخرج” ويظهر هذا من خلال حرصه الشديد على التأكد من احترام الجمهور لعملهم، حتى أنه كاد أن يدخل في مشاجرة مع جمهور “كازينو” في شارع الهرم، لعدم انتباههم وتركيزهم مع المسرحية. الضيف لا يعرض فنه للبيع على موائد سكارى شارع الهرم، لكنه يعرف قيمة ما يقدمه، حتى إذا كان في قالب كوميدي، فهذا بالنسبة له أدعى للانتباه والاحترام.

حركة واحدة من وجه الضيف أحمد كانت كفيلة أن تُخرج “غانم” عن الاندماج في التمثيل، لينفجر من الضحك أمام الجمهور، وحتى خارج العمل، كان شخصا ودودا “دمه خفيف”، لكن غانم يؤكد أن الوجه التراجيدي كان الغالب على الضيف في آخر ساعات عمره.

يقول “غانم” إن بعد حضورهم لعرض فيلم “حدث في عزبة الورد” في الأردن، كان الضيف جادا جدا في حديثه وهم على متن الطائرة العادة إلى القاهرة. كان كثير التأكيد على موعد “بروفة” مسرحيتهم، في اليوم التالي، وعندما وصلوا إلى المطار، وقف وحيدا بوجه صارم على غير عادته، حتى أن عازف الكمان “عبد الفتاح خيري” قال لـ غانم: “الحق الضيوف شكله هيموت”.. قالها بسخرية عندما رأى حالة مغايرة للتي عرف بها صديقه، لكن هذا بالفعل ما حدث، بعد أن تلقى غانم اتصالا في منتصف الليل من الفنان جورج سيدهم، يُخبره أن “الضيف مات”.

إذا كان هذا الوجه التراجيدي للضيف أحمد قد ظهر في حياته الشخصية، ويعرفه المقربون منه، إلا أن هذا الجانب ظهر خلال أحد “اسكتشات” ثلاثي أضواء المسرح، خلال فيلم “لسنا ملائكة” الذي عرض في ذات العام الذي توفى فيه 1970، وجاء بعنوان “إحنا الليلة دي لازم نعيش”.

ظهر الضيف وجورج وغانم كمساجين يتنقلون من سجن لآخر نتيجة أفعالهم، ثم يدور حوار بينهم عن أحلامهم في إحدى الليالي بعيدا عن تكسير حجارة الجبل، وهنا قدم الضيف أحمد أداءً تراجيديا بسيطا وسلسلا. لم يحمل صوته أي وجه من أوجه الكوميديا وهو يقول : “أنا نفسي أنام على الأرض.. أمد رجليا واشوف النجوم كلها.. وأنا ببص من شباك الزنزانة بشوف 3 نجوم بس مفيش غيرهم.. بيقطعهم حديد الشباك.. نفسي اكشف السما وابص للنجوم كلها.. مصحاش على صوت السلاسل واصحى على الشمس .. الشمس هي اللي تصحيني .. لكن عارف إن ده مستحيل”.

لم يعش “الضيف” حتى يرى حلمه يتحقق في تقديم أدوار تراجيدية، وأن يُخرج العديد من المسرحات، يضع فيها أفكاره الخاصة غير المألوفة أحيانا، أن يكسر القالب الذي وُضع فيه بحكم انتماءه لفرقة “ثلاثي أضواء المسرح”، لكنه ظل قادرا على أن يكون محورا من محاور أي لقاء يحل فيه صديقه “سمير غانم” والعديد من الفنانين الآخرين. لم يعش ليحكي لنا عن هذه الأحلام، لكنها بالرغم من ذلك وصلت إلينا، ربما لأنها حقيقية جدا داخل الضيف أحمد، فعاشت أكثر من عمره القصير.