لماذا أحببنا حسن أرابيسك ؟

فاتن الوكيل

لقصص الحي الشعبي بريق خاص، سواء في الروايات أو الأفلام السينمائية أوالمسلسلات الدرامية، التي تسمح حلقاتها المتعددة بتقديم تفاصيل أكبر للحياة في الحارة ومهن أهلها، والمشكلات التي تواجههم وهم ملتصقين ببعضهم في البيوت والأشغال، ويزداد هذا البريق إذا كان من يُقدم هذه الأعمال هو ابن الأحياء الشعبية في الحقيقة. لأنه لن يحتاج وقتها إلى اصطناع “الجدعنة” لكنها ستظهر على الشاشة بطبيعية شديدة، وهو ما حدث فعليا عندما قدم الفنان الكبير صلاح السعدني دور “حسن النعماني” الذي عرف بـ”حسن أرابيسك” عام 1994.

(1)

جزء كبير من تأثر المشاهد بالشخصية وحبه وتقبله لها يرجع في الأساس إلى حبه وتقديره للفنان الذي يجسدها ولشخصيته الحقيقية، وهو ما نجده في حالة الفنان صلاح السعدني، فهو دائما ما يظهر من خلال حوارته القليلة بشخصيته المصرية الأصيلة، وخفة ظله الواضحة والتي اكتسب جزء كبير منها من قربه الشديد لشقيقه الكاتب الكبير محمود السعدني.

لكن المشاهد زكي ويعرف كيف يُفرق بين العمل الجيد والردئ حتى وإن كان في حالة حب مع البطل، وبالتالي فالحكم الأساسي على أسباب عشق الجمهور لمسلسل “أرابيسك” وبطله “حسن النعماني” هو إجادة السعدني للدور وتمكنه من أبعادها المختلفة.

 

(2)

الإقناع والاجتهاد أهم أسباب نحاج وقرب شخصية “حسن النعماني” من المشاهد، لم يحتاج السعدني لوقت طويل حتى يُقنع الجمهور، وذلك لقرب الشخصية من شخصيته الحقيقية في نواحي أهمها الإخلاص في حب عمله، أخلص السعدني في حب الفن، وأفنى حسن النعماني عمره في عشق مهنة صناعة الأرابيسك التي لم تكن تحتاج إلى نجار ولكن إلى فنان مثقف.

حمل السعدني طوال حياته هم “الفكرة” وحلمها بمتاعبها وحلاوتها في ذات الوقت، كان يحلم بفن جيد يعبر عن المجتمع المصري، ووطن حر يصون كرامته، وعانى السعدني من التعسف السياسي وأخذته الدنيا “في الرجلين” قبل أن تعوضه بحب كبير من الجماهير، وهي نفس الهموم والأحلام التي حملها “حسن أرابيسك” بعد أن عاد من حرب أكتوبر ليجد المجتمع تغير ولكنه يظل يحلم و”بيتشرط” على من يعمل معهم ومن يرفضهم، حتى وإن أثر هذا عليه ماديا وساهم في تدمير أسرته.

برع السعدني في مهنته واحترف “حسن أرابيسك” صنعته، أعطى كل منهما عمره لعمله الذي لم يكن مجرد عمل ولكنه رحلة حياة كاملة، ربما لم تعد عليه بأفضل أثر، لكنها كانت أكبر من ذلك، هي القدر والمصير.

(3)

“حسن أرابيسك” ليس بطلا مثاليا وخياليا، لكنه من لحم ودم، يُخطئ ويُصيب، ينكسر ليعود أقوى مما سبق، يفشل ويرى ورشته “بتنش” لكن في اللحظة الحاسمة يعرف الجميع قدره وقدر موهبته. الشروط التي يضعها حسن النعماني أو “أرابيسك” أثناء عمله حتى وإن أخرته عن باقي صنايعية جيله، تجعله يحوز على الاحترام والإعجاب، لكن هذه الشروط ليست من باب التعنت ولكن لأنه –مثل الفنان الذي جسده- يعرف قيمة ما يعمل.

 

(4)

خفة دم الفنان صلاح السعدني انطبعت على الشخصية، فلا يمكن تخيل شخصية “ابن البلد” إلا أن تكون خفة الظل جزء أصيل وطبيعي غير مصطنع منها وهو ما يقدر عليه السعدني بسهولة.

وبالرغم من أننا اعتدنا على بعض “اللزمات” المشهورة في أدوار الفنان صلاح السعدني وعلى رأسها “العمدة سليمان غانم” في مسلسل “ليالي الحلمية” إلا أن الكوميديا في مسلسل “أرابيسك” تعتمد أكثر على الموقف، سواء بين حسن وأبناء الحارة أو مع الدكتور “برهان صدقي” الذي جسده الفنان الراحل كرم مطاوع.

وهنا تعود مرة أخرى فكرة حب الجمهور للفنان نفسه، وتقبله للدور الذي يقدمه بسبب الخلفية الفنية “المحترمة” التي تكونت لديهم عنه.

(5)

الفنان لا يعمل وحده، لكن السر دائما “في الخلطة”، وخلطة مسلسل “أرابيسك” لم تحمل أنصاف موهوبين، كان جميعهم “عتاولة” في مجالهم، الفنانة الراحلة هدى سلطان التي قدمت عددا كيبرا من أدوار الأمومة، كان لها طابعا خاصا في هذا المسلسل، تميزت حتى بالشكل البسيط الذي ظهرت به والجلبات الأسود الذي لم تخلعه طوال حلقات المسلسل.

ومثل عمل الأرابيسك الذي يحتاج إلى “تعشيق” كل قطعة في موضعها، تم وضع الفنان الأمثل في الدور الصحيح والمناسب له، فعندما نُعدد أسماء الممثلين المشاركين في العمل مثل “هالة صدقي وهشام سليم وأبو بكر عزت وكرم مطاوع وسهير المرشدي وحسن حسني ونادية رشاد” تعرف قدر هذا العمل وأهميته. حتى الوجوه الصاعدة كانت مميزة وعلى رأسهم الفنانة جيهان فاضل وميرنا المهندس. وبعيدا عن شخصية حسن أرابيسك تميز المسلسل أيضا بالتتر الرائع الذي ألف كلماته سيد حجاب ولحنه عمار الشريعي وغناه حسن فؤاد.

مسلسل “أرابيسك” من إخراج جمال عبد الحميد، وقصة أسامة أنور عكاشة.