علاقة صلاح السعدني بـ"الأب" محمود السعدني

سما جابر

في حديثه عن الفنان القدير صلاح السعدني خلال إحدى حلقات برنامجه “الموهوبون في الأرض”، وصف الكاتب والسيناريست بلال فضل، الفنان القدير بـ”أبي الذي لم تلده ستي”، هذه الجملة التي يمكن أن تلخص علاقات كثيرة بين اثنين من أجيال مختلفة، ربما تلخص أيضًا علاقة صلاح السعدني بشقيقه الأكبر الكاتب الساخر محمود السعدني (الولد الشقي).

لم يقلها صلاح بشكل مباشر، لكن وصف الفنان القدير لعلاقته بشقيقه محمود في العديد من الحوارات الصحفية المنتشرة له لخصت العلاقة بينهما بأنه ليس شقيقه الأكبر فقط، بل أنه “الأب الذي لم تلده سته” فعلًا!.

لم يكن الكاتب الساخر محطة عابرة في حياة الفنان صلاح السعدني، لكنه كان جزءً أصيلًا منها، تأثر بها في مراحل حياته المختلفة منذ طفولته ولا زال متأثرًا حتى الآن.

الأب الصغير والصديق الكبير

رغم أن الفرق بين كل من محمود وصلاح لم يتخطَ 15 عامًا، إلا أن محمود السعدني قرر أن يقوم بدور الأب لشقيقه الأصغر رغم وجود والدهما حي يرزق في صغرهما، كما قام بدور الأخ الأكبر والصديق بجدارة.

فقال صلاح عنه في ندوة تكريمية له أقيمت بعد وفاته إنه لم يكن مجرد فرد، وإنما كان قبيلة بأكملها، فكان يمثل بالنسبة إليه الوالد الحنون، وكان هو من يُشرف على جميع تفاصيل حياته، من ذهاب للمدرسة وطعام وملبس وشراب، وصولا لأدق تفاصيل الحياة.

وفي مقهى “محمد عبد الله” في ميدان الجيزة، حيث يوجد كبار الأدباء والشعراء مثل كامل الشناوي وعبد الرحمن الخميسي وزكريا الحجاوي ونعمان عاشور ويوسف إدريس، وشقيقه السعدني الكبير، شكّل هذا التجمع شخصية القارئ والمثقف والفنان الواعد الواعي صلاح السعدني.

ويقول الكاتب الصحفي أكرم السعدني نجل الكاتب الساخر الراحل، في مقال له نُشر في جريدة روزاليوسف بعنوان (الأولاد الأشقياء: الولاية لـ”السعدني الأكبر”)، إن الزميلين بكلية الزراعة وقتها صلاح السعدني وعادل إمام كانا دائمًا مرافقان لهذا التجمع، حيث يقفا خلف البارافان الشهير ويختلسون النظر وتصل إليهم جزء من قفشات ودعابات الموجودين والحكايات النادرة والطريفة التي يقصوها.

حكاية سليمان غانم

بشكل غير مباشر قد يكون للكاتب الساخر الراحل، الفضل فيما حققه صلاح السعدني من نجاح ساحق في مسلسل “ليالي الحلمية” وشخصية العمدة سليمان غانم، فيقول بعض المقربين منه إنه تقمص شخصية شقيقه الأكبر سواء في شكل الملابس “الجلباب والطاقية” أو طريقة الحديث أو النظرات و”القفشات” لتخرج واحدة من أبرز وأهم الشخصيات في الدراما المصرية والتي لا يستطيع أحد منافستها حتى هذه اللحظة.

السعدني والسياسة

على خطى شقيقه محمود السعدني، كان صلاح على وشك الدخول في عالم السياسة، فدائمًا ما يقول صلاح إنه تربى سياسيًا على يد شقيقه محمود، وكذلك كل من إحسان عبد القدوس، فبعدما توفى الرئيس الراحل أنور السادات دعاه الحزب الوطني عام ١٩٨٤ لترشيح نفسه في انتخابات مجلس الشعب، وفي أثناء تفكيره بالأمر مارس الشقيق الأكبر دوره كـ”أب” وحذره من أن يسلك هذا الطريق الذي عانى منه هو بعد اعتقاله في عهد جمال عبد الناصر وفي عهد السادات، قائلًا له: “خليك في الفن” ليلغي صلاح التفكير في الموضوع وينفذ نصيحة شقيقه فيظل هاويًا للسياسة، غير ممارسًا لها.

وبالرغم من ابتعاده عن ممارسة العمل السياسي بشكل فعلي طوال حياته، إلا أن صلاح تأثر فنيًا بآراء شقيقه السياسية، حيث أمر السادات التلفزيون المصري بمنع التعامل مع صلاح، بسبب مقال كتبه محمود وأثار السلطات حينها، إلى أن عاد للدراما التلفزيونية بعد 10 سنوات من التوقف.

عظماء الكنبة.

لم يرث صلاح السعدني شخصية شقيقه و”أبيه الذي لم تلده سته” محمود السعدني فقط، بل ورث عشقه لـ”الكنبة” أيضًا والتي يعتبرها بمثابة عرشه، فكنبة السعدني جمعت العديد من المثقفين والفنانين ببعضهم البعض، في أمسيات كثيرة، وهو ما أكده بلال فضل في “الموهوبون في الأرض” حيث تعرف من خلال “كنبة السعدني” على كل من الفنانين عبد الله فرغلي ومصطفى متولي وأبو بكر عزت وشوقي شامخ ونبيل الحلفاوي والسيناريست كرم النجار ومحمد صفاء عامر وغيرهم.

أما أكرم السعدني فيواصل الحديث عن والده وعمه وعشقهما للكنبة، في مقاله حيث يقول: “لمدة عامين كاملين خرج السعدني من السجن ليجلس على الكنبة بعد أن خاصم الحجرات المغلقة وطلقها بالثلاث، فعلى الكنبة يأكل وعليها يقرأ وعليها يكتب كتبه ومقالاته الأسبوعية في المصور وفي أخبار اليوم وعليها يقابل الأصدقاء.. وعليها أيضًا ينام وعن السعدني الكبير محمود أخذ السعدني صلاح ولاية العهد فكان خير خلف لخير سلف واستقبلني العم على الكنبة التي هي بمثابة العرش السعدني غير مسموح لأحد الاقتراب منه أوالجلوس عليه ومن أدوات العرش السعدني.. الريموت كونترول الخاص بالرسيفر والتليفزيون فمن أمسك بهما أمسك بزمام العرش”.