زيارة علي عبد الله صالح "الوهمية" للقاهرة

محمد إسماعيل

قال لي صاحبي وهو يحاورني: أصبح هاتفك الذكي بوابة عبورك إلى المعلومات المفيدة، قلت: وغير المفيدة أيضًا، قال: وصار كنزًا ثمينًا للتطبيقات والتحديثات، قلت: والفيروسات الفتّاكة أيضًا، قال: وأصبحت المنصات الإلكترونية مصدرًا محتملاً للربح والمكسب، قلت: والخسائر الفادحة أيضًا. قال: ودليلك إلى الحقيقة والتحليل، قلت: كما أنها أداة فعّالة في يد من يريدون التضليل. قال: لا أجد سببًا لتحاملك هذا، فقد أنهيت أنتَ شخصيًا دورات تدريبية في الكتابة والترجمة على موقع إحدى الجامعات البريطانية، ولم يكلفك ذلك مليمًا!!

قلت: لا عجب يا صاحبي، تأتيك من خلال هاتفك إشعارات مهمة وغير مهمة، فهذا الرابط يقودك إلى فيديو يوضح كيف تتحول العجوزة إلى صبيًة، وذاك يشرح كيف تتحول الفلاحة إلى أمريكانية، ورابط ثالث يقودك إلى الفيلم الساخن، ورابع يوثق لحظة تسجيل الهدف التاريخي الذي أحرزه لاعبك المفضل، وروابط أخرى لا حصر لها، المهم أن يظل الدماغ صاحي. فالركون إلى مواقع مشذًبة منظًمة منمّقة ذات واجهات جذّابة قد يصيب العقل البشري بالخمول، فيصبح المتلقي فريسة لكل من هبّ ودبّ على المواقع، بصفة عامة، ومنصات التواصل الاجتماعي، بصفة خاصة.

شخصيًا، ومنذ حوالي أسبوعين تلقيت على هاتفي الذكي إشعارًا من موقع يوتيوب، ورابطًا يؤدي إلى فقرة من برنامج على محطة فضائية تبث من تركيا، ظهر على الشاشة حمزة زوبع مستهجنًا زيارة علي عبدالله صالح للقاهرة سرًا، وظل زوبع يغمز ويلمز الدولة المصرية ولم يُخفِ على الإطلاق أن حديثه في هذا الموضوع هو عبارة عن استثمار لما تمر به العلاقات المصرية السعودية مؤخرًا.

فتساءلتُ هل يغامر الرئيس اليمني المخلوع بروحه فيحلق بطائرة وسط حصار التحالف العربي والرقابة الصارمة على البر والبحر؟؟ وبمتابعة سريعة للصحف والمواقع ومصادر الأخبار الموثوقة، وغير الموثوقة، تبيّن أن جوقة الشائعات عبارة عن شبكة واسعة من المُسمين خطأً بالإعلاميين، فمزاعم زيارة صالح للقاهرة سرًا صدرت بدايةً بالاستناد إلى تقارير صحفية مجهّلة نشرها موقع “((العربي)) الجديد”، في خطوة، بعبارة العربي الجديد، من شأنها زيادة الإنزعاج السعودي من القيادة المصرية على خلفية قضايا عديدة، منها الموقف المصري من سوريا وإيران.

نفس التقارير الصحفية تناقلتها وكالة الأناضول، وامتدت الجوقة إلى تويتر حيث استنكر الزيارة المزعومة من وصف نفسه بأنه صحفي يحب الحق والإنصاف وسط بيئة من الكذب والتلفيق!!!

وأطلق معتز مطر ما وصفه يوتيوب بالتعليق ((الناري)) فصبّ جام غضبه على صالح وعلى القيادة المصرية التي تدعم كل أعداء ثورات الربيع العربي، ويكتشف المرء أن موقع “هافنجتون بوست”، التابع لوضاح خنفر، الرئيس السابق لشبكة الجزيرة، زعم أن علي عبد الله صالح، زار القاهرة سرًا لأكثر من يوم. وأضاف الموقع، بحسب مسئولين رسميين بمصر، أنه تم التكتّم على الزيارة وفرض تعتيم عليها، ورددت صحيفة العرب القطرية التي يرأس تحريرها عبدالله العذبة ما نشره الهافنجتون، قلت: إن السؤال المشروع هنا، كيف وعلى الرغم من التعتيم المزعوم صرّح هؤلاء المسؤولون بتفاصيل الزيارة السرية؟!!!! وقلت: أصحاب العقول في راحة!! اللهم نجنا من مكايدات آخر زمن.

من جانبهم، التقط مؤيدو صالح في اليمن وخارجها تلك التقارير الصحفية فانتهزوا الفرصة لتمجيد كبيرهم الذي تحدى القرارات الأممية، وحلّق حتى وصل إلى القاهرة كأجدع سوبرمان عربي معاصر!! بينما السعودية وتحالفها نائمين في العسل!! وزعم المحلل السعودي إبراهيم الشدوي الذي تحدث لقناة الحوار الفضائية أن صالح سافر للقاهرة، بتنسيق دبلوماسي روسي من السفارة الروسية في صنعاء!! ولستُ أدري ما مصلحة روسيا في تيسير هكذا رحلة؟!!

وروجت مواقع تابعة لصالح أنه قام بزيارة مصر لرفع الروح المعنوية لاتباعه، علمًا بأنه بات يخاف من حلفائه الحوثيين أكثر من خوفه من القوات الموالية للشرعية والرئيس هادي، فقلت إذا كانت زيارة المخلوع إلى السفارة الروسية في صنعاء محفوفة بالمخاطر على حياته، فكيف بزيارته إلى مصر؟!! على سبيل المثال قائد اللواء 62 حرس جمهوري، العميد مراد العوبلي، المقرب من صالح، أكد أن الرئيس المخلوع سافر خارج اليمن، وعاد خلال الفترة القليلة الماضية. وقال العوبلي، في منشور على حسابه الرسمي بـ”فيسبوك” إن “علي عبد الله صالح سافر إلى خارج اليمن ورجع بحمد الله خلال الفترة القليلة الماضية”، مضيفا: “لا أريد أن يسألني أحد كيف ومتى وإلى أين؟”.

وأعربت مصادر يمنية عن سخريتها من هذه المزاعم وقالت، بحسب موقع «24 الإماراتى»، إن “هذه المزاعم لا أساس لها من الصحة وما كان نشرها إلا من قبيل المكيدة للإيقاع بين الرياض والقاهرة”، فصالح لا يقدر على التجوال في صنعاء، ناهيك عن زيارة القاهرة”. وفسّرت المصادر تلك المزاعم بأنها محاولة لتعكير العلاقة بين القاهرة والرياض”. وقالت مصادر مقربة من حزب صالح والحوثي، وأخرى بالرئاسة اليمنية للموقع الإماراتي إنه من غير المعقول قيام صالح بأي زيارة لأي دولة، فضلا عن ذلك أنه “من المستحيل تماما أن تقبل أي دولة زيارة الرجل لها في ظل العقوبات المفروضة عليه من قبل مجلس الأمن الدولي منذ أبريل 2015، والتي تضمنت حظرًا عالميًا على سفره وتجميد أصوله لتهديده السلام وعرقلة العملية السياسية في اليمن “.

قد يحاول صالح الظهور وكأنه يتحرك والإيهام بأنه صاحب قرار، في الوقت الذي باتت حركته في صنعاء محدودة جدا، وتنقله حذرا. كما يحاول الإيهام بأن لديه خطوط تواصل مع العالم، لكن الواقع يثبت العكس؛ فالأبواب موصدة أمامه. ويرى محللون أنه في أحسن الأحوال سيغادر صالح إلى سلطنة عمان، كونها البلد الوحيد الذي من الممكن أن تستقبله لأسباب عدة منها أن “مسقط أدارت قبل أشهر جولتي مباحثات بين الإمارات المشاركة ضمن التحالف العربي بقيادة السعودية، ووفد حزب المؤتمر (جناح صالح) كان أبرز عناوينها “خروج علي صالح من البلد وتركه العمل السياسي”.

وكان حزب المؤتمر الشعبي العام، الذي يترأسه صالح، كشف، في بيان، أن مجلس الأمن رفض طلباً لصالح للسماح له بالسفر إلى كوبا لتقديم واجب العزاء وفاة الزعيم الكوبي فيديل كاسترو.

قلت لصاحبي: ممكن استشارة؟

قال: على الرحب والسعة.

فسألته: في بعض الأحيان تمر الشائعة على عدد محدود من الأشخاص، فهل تساهم الكتابة عنها وتتبع مصادرها وتوجهات تلك المصادر في نشر الكذبة؟ فقال صاحبي: بالعكس، فهذا التتبع يشارك في نفيها لأن بعض الناس ستظل تتعامل مع الشائعة على أنها حقيقة لفترات طويلة.