من يطفئ النيران التى أشعلتها الدورة 38؟

طارق الشناوي - مقالات

بالتأكيد أنا ضد أن توجه اتهامات تتناثر هنا أو هناك فى عدد من الصحف والمواقع ضد القائمين على إدارة المهرجان، خاصة عندما تصل إلى سهام مباشرة تنال من الذمة المالية؟

من حقنا أن نختلف، وأنا لى تحفظات على العديد من فعاليات المهرجان، ولكن التجاوز مرفوض، مع الأسف البيان الصادر من إدارة المهرجان ومنسوب لـ«د. ماجدة واصف» يثير الكثير من الغبار بدلاً من توضيح الحقائق، الأسئلة المثارة لاتزال بحاجة إلى إجابات، بيان المهرجان زاد الحريق اشتعالا، فلا يمكن أن نذكر أن المدير الفنى للمهرجان يحتكر لنفسه فقط اختيار الأفلام حتى تتوقف الألسن عن الشك، هل يكفى أن نقول مثلا إن رئيس الجمهورية يرى فى صالح الشعب اتخاذ هذا القرار لكى تموت أداة الاستفهام لماذا، إذا كنا نعترض على قرارات رئيس الجمهورية، فهل تخرس الأفواه عندما ينسب قرار لرئيس أو مدير فنى للمهرجان؟

لست عضوا فى لجنة المشاهدة، ولكنها المرة الأولى التى أعرف فيها أن مدير المهرجان سيد قراراته فى اختيار الأفلام، ولو كان ذلك صحيحا، فما هى جدوى اللجنة، ولماذا ظهرت المشاكل فقط فى إطار السينما المصرية؟ بالطبع من حق المدير الفنى للمهرجان يوسف شريف رزق الله أن يختار ويقرر، فهو قامة وقيمة سينمائية وإعلامية كبيرة، ولا أحد فى جيلنا غير مدين له ثقافيا، وأنا أول المدينين، ولكن هناك على المقابل معايير ملزمة، صلاحيات الاختيار ليست مطلقة، وعندما تثار تحديدا أقاويل تناولت فيلمين مصريين، واحد تم استبعاده، والثانى تمت برمجته بعدها بأيام أو ساعات فإن السؤال سيفرض نفسه.

الربط بين استبعاد (آخر أيام المدينة)، وعرض (البر التانى)، مشروع، والإخراج السيئ للواقعتين هو الذى دفع الزملاء أو قطاعا وافرا منهم للتأويل. هناك شىء مسكوت عنه فى استبعاد الفيلم الأول، وهى الدولة التى تنظر- ولاتزال- بعين كلها ريبة إلى كل من يمنح مشروعية لثورة 25 يناير.

بالتأكيد هناك تحفز واضح لشخصيات نافذة داخل السلطة لا تنظر إلى يناير سوى بكونها مؤامرة، وهذا ما يجعلنى أميل إلى أن قرار الاستبعاد سياسى بالدرجة الأولى. ولا تنس أن المهرجان ليس فقط تابعا للدولة، ولكن تقيمه الدولة. إلغاء عرض الفيلم منسوب فقط إلى صوتين، رئيسة المهرجان والمدير الفنى، رغم أن اشتراكه كان قرارا جماعيا، والمفروض طبقا لمعلوماتى أن لجنة المشاهدة وافقت بالإجماع على جدارته بتمثيل السينما المصرية.

لماذا هذا هو الفيلم المصرى الوحيد الذى شاهدته اللجنة؟ اكتشفنا أن اللجنة لم تشاهد (يوم للستات) و(البر التانى)، ولكن اجتمعت فقط فى (آخر أيام المدينة)، هل أرادت إدارة المهرجان توفير حماية أدبية للفيلم بعدد من النقاد أعضاء اللجنة وهى تتقدم به للدولة المعادية بطبعها لهذا الفكر؟ ولهذا كان استبعاده يستحق من إدارة المهرجان العودة على الأقل للجنة الاستشارية أو التنسيقية.

مشاركة فيلم (البر التانى) جاءت فى الوقت الضائع، لا أحد يعرف لماذا انفرد فقط ثلاثة بالقرار، بالإضافة لرئيسة المهرجان والمدير الفنى اشترك مساعد المدير الفنى، لماذا لم تتسع الدائرة أكثر؟ نعم المهرجان ليس لديه اختيارات واسعة على المستوى المصرى والعربى، كما أن باب الاختيار يضيق وسيضيق أكثر وأكثر، إلا أن هناك حدوداً دُنيا للاختيار، ولو تجاوزنا عن تلك الحدود، لأنها بطبعها نسبية، كان على المهرجان أن يشارك لجنة المشاهدة فى الرأى، وهم من النقاد المحترمين، فى هذه الحالة كان سيملك بالتأكيد سلاح دفاع قويا، هل كان هناك تخوف من عدم ترحيب اللجنة فكان الحل هو فرض الأمر الواقع؟

أحيط عرض الفيلم بالعديد من المشاكل، التدافع لرؤيته واحد منها، وهو ما يتكرر مع عرض أى فيلم مصرى سنويا، العام الماضى مثلا تم تحرير محاضر بعد تحطيم باب الأوبرا، وكان الاقتراح السهل جدا، والذى تقدمت به لإدارة المهرجان قبل خمسة أشهر، هو أن يقام عرض صحفى فى الصباح يسبق عرض السهرة، اقترحت العاشرة صباحا لأن عروض المسرح الكبير تبدأ 12 ظهرا، حل بسيط جدا وافقت عليه إدارة المهرجان ثم تبخر، لنكتشف أن المنتج اشترى عددا من التذاكر ضعف ما هو متاح للصحفيين، والحجة أنها فلوسه، كان ينبغى وأمام خبرة المهرجان السابقة أن يزيد العدد المتاح للصحفيين، ويضع على المقابل حداً أقصى أمام بطل الفيلم ومنتجه، خاصة أنهم يعلمون أنه سوف يُحضر مريديه وأتباعه لدار العرض، فمن يدفع 27 مليون جنيه قبل تعويمه، ليلعب بطولة فيلم، لن يجد ما يمنع من أن يضيف لها بضعة آلاف ثمن التذاكر، ليضمن مزيداً من الدلع فى الصالة أثناء مناقشة الفيلم.

ورغم كل ذلك فإن الصورة ليست ضبابية تماما، خاصة أن رئيسة المهرجان قالت إنها راضية بنسبة 50% فقط، وهى بداية مشجعة جدا للاعتراف بالخطأ، ولا ننسى أن المهرجان تشارك فيه أطراف متعددة، مثل معهد السينما واتحاد النقاد ونقابة السينمائيين، وهو ما يمنحه بالفعل تعدداً فى الرؤية، ويحول أمام الانفراد بالقرار، وهذا التوجه يعود إلى الناقد الكبير سمير فريد فى الدورة التى رأسها عام 2014، عندما منح هذه المساحات الموازية التى تؤدى بالضرورة للتنوع وزيادة مشاركة كل الأطياف.

كان قرار ماجدة واصف صائبا عندما احتفظت بالتظاهرات الموازية، وأضافت فعالية الملتقى السينمائى الذى يضخ مشروعات أفلام فى صالح السينما العربية ويشرف عليه المنتج والكاتب محمد حفظى، كما أن هذه الدورة شهدت عودة 5 شاشات فى وسط البلد لعرض الأفلام، ليصبح له تواجده بالشارع، رغم أن التجربة طبقا لما أشارت إليه الزميلة هالة نور، أمس، على صفحات (المصرى اليوم)، حققت إقبالا جماهيريا قليلا لم يتجاوز أكثر من 10%.

لا يعنى ذلك أن تتوقف التجربة، إنها بداية لكى يصل المهرجان إلى مستحقيه، فلا ننسى أنه فقد تواصله مع الجمهور فى السنوات الأخيرة وإقامته فى دار الأوبرا صنعت سوراً من الانعزال، برغم حرصى على استمرار فعالياته الرئيسية فى الأوبرا، إلا أن الأمر يجب أن تواكبه فى نفس الوقت زيادة فى عدد دور العرض خارج الأوبرا، وأيضا تحديث الشاشات وشراء معدات العرض (دى سى بى) بدلا من تأجيرها سنويا، بيروقراطية موظفى وزارة الثقافة حالت دون شرائها، الغريب أن تأجيرها 4 سنوات فقط يساوى ثمنها، الوزير حلمى النمنم وافق على الشراء وكبار الموظفين عرقلوا كالعادة التنفيذ، جميل أن ندخل عصر الكمبيوتر فى حجز المقاعد لتتوفر قاعدة بيانات من الممكن دراستها، ولكن شابت التجربة أخطاء، بل كوارث فى التنفيذ.

رئيسة المهرجان سوف تُقدم خلال الأيام أو الأسابيع القادمة كشف حساب مدعما بالأرقام عما تم إنجازه وما أخفقت فيه، علينا فى المقابل أن نُدرك جميعا أنه ليس مهرجان ماجدة ويوسف، وكلنا مشاركون فى تحمل المسؤولية!