أحمد فرغلي رضوان يكتب:سولي ..عندما تنقل المشاعر بصدق !

تظل السينما الهوليودية تبهرنا بين الحين  والأخر فبخلاف التكنيك المتجدد دائما تجد عنصر هام لا يقل عن العنصر السابق في  صناعة تاريخ هوليوود العالمي  وهو التمثيل  والقائمة هنا تطول ولكن من الجيل الحالي يظل توم هانكس نجم متفرد في أداءه ولما لا وهو صاحب جائزتي أوسكار أفضل ممثل إلي جانب عدد من الجوائز العالمية الأخرى .

يتقمص هانكس (الذي بدأ عقده السادس) شخصية قريبة من عمره الحقيقي لقائد طائرة تعرض لحادثة حقيقية في عام ٢٠٠٩ أدت لهبوط  إضطراري لطائراته فوق نهر هدسون بنيويورك بعدما أصطدمت الطائرة بسرب من الطيور أدى لتعطل محركاتها بالكامل فور إقلاعها! وكان حديث الولايات المتحدة حينها لما قام به من سابقة في ذلك الهبوط  ونجح في إنقاذ حياة جميع الركاب بعد هبوطه فوق مياه النهر بسلام ولكن المفاجأة إنه تم فتح تحقيق لما حدث من جانب إدارة سلامة النقل الأمريكية  ووجه له اللوم وتم التحقيق معه بسبب  ما فعله بأعتباره عمل متهور وتعريض حياة الركاب للخطر ، وعدم سماعه النصائح بالعودة والهبوط في أقرب مطار!؟

الفيلم أخرجه الممثل  والمخرج الشهير كلينت ايستوود ( أحد رموز هوليوود) وصاحب أربع جوائز للأوسكار كمخرج ، فيلم sully  نجح في تحقيق٣٥ مليون دولار في أسبوع عرضه الأول بالولايات المتحدة ، وتخطت ردود الأفعال على الفيلم الجمهور والنقاد لتصل إلي جهات رسمية بعدما علقت إدارة سلامة النقل الأمريكية على الفيلم قائلة ( أظهر الفيلم الإدارة كخصم للطيار لا كمحققين تهمهم السلامة) وهو بالفعل ما يشعر به المشاهد طوال الأحداث أن هناك تحامل واضح في التحقيقات  وإتهامات للطيار بتعمده فعل ذلك .

سحر الأداء !

على الرغم من أن قصة الحدث الرئيسي في الفيلم لا تستغرق بضع دقائق، لكن المخرج نجح في جعل الفيلم لا يفقد جاذبيته حتى النهاية حينما قرر إستخدام ( الفلاش باك) على فترات ليتذكر البطل تفاصيل رحلته شيئا فشيئا بداية من دخوله صالة المطار وشراءه (ساندوتش) الإفطار ! وحتى قرار هبوطه الإضطراري فوق مياه النهر تفاصيل صغيرة ولكنها تجعلك تعيش حالة البطل ( سولي ) بالتدريج  وصراعه النفسي الذي يعيشه طوال فترات التحقيق ونظرة الناس له في كل مكان يذهب اليه مرورا بنظرة أقرب الناس اليه زوجته  وهو في مرمى الإتهامات له بالتهور وتعريض حياة الركاب للخطر ! بقراره  وعدم سماع نصائح غرفة المراقبة ، ممكن أن نقول أن أداء توم هانكس يصل لأعلى درجاته كممثل فذ في هذا الفيلم ليعطي درس في فن التمثيل فتجد مشاعرك مشدودة معه طوال فترات الفيلم  وتصدقه  وتتعاطف معه أثناء التحقيقات فعبر بجميع قسمات وجهه عن حالة الصراع التي عاشها البطل طوال الأحداث، بالتأكيد هو واحد من افضل أدواره على الإطلاق وصل لحد تعليق قائد الطائرة الحقيقي سولينبرجر على أداء هانكس قائلا ( إن براعته مدهشة  وقدرته على الأداء بطريقة ماهرة في الفعل  والقول والتصرف بهذا الأسلوب الذي ظهر وكأنه أنا ).

اللقاء بين هانكس وايستوود كان محط  أنظار الجميع بسبب تاريخ  وأسمي النجمين في السينما العالمية  وبالفعل لم يخذلوا جمهورهم العريض  وأخلصوا لعملهم حتى جاءت هذه النتيجة ، كلينت ايستوود البالغ من العمر 86 عاما أخرج الفيلم ببساطة شديدة جعلتنا نعيش الحالة كاملة بكل مشاعرنا ونشاهد الحادث من أكثر من زاوية للتصوير وكأن نيويورك كلها شاهدت الطائرة من النوافذ وهي في طريقها إلي النهر، كذلك خلق حالة تعاطف شديدة مع البطل وحالة الصراع التي يعيشها ، وربما عاب الفيلم عدم إقترابه من قصص ركاب الطائرة  وكان مروره عابرا عليهم أثناء فترات الخوف والفزع وكذلك زوجة البطل كان أداءها باهتا مقارنة بالمتألق توم هانكس رغم أهمية  دورها.

ويأتي الدرس الهام من وراء هذا الفيلم أنه يبقى إستخدام العقل البشري لنا في مثل تلك المواقف هو الفيصل في مصيرنا  وألا نسلم بفرضية الأجهزة الإليكترونية ، حيث أصر قائد الطائرة على الهبوط  فوق المياه لدرجة بكاء من كان في غرفة المواقبين لتأكدهم  وتسليمهم من وفاة جميع الركاب حال هبوط الطائرة وإصطدامها بالمياه، ولكن نجح عقل الإنسان وإحساسه بالمسوؤلية في مهمة الإنقاذ التي بدت خيالية للجميع!

في النهاية المعركة الإنتخابية المنتظرة للرئاسة الأمريكية ألقت بظلالها على الفيلم ‎ بسبب إختلاف إنتماء كل من هانكس وايستوود فأحدهم ديمقراطي  والأخر جمهوري ! وكيف نجحا في إيجاد أرضية مشتركة للتعاون!

14459061_946717705455568_923752762_n