وليد خيري يكتب: "إذاعة الأغاني" لعمر طاهر الموسيقى تؤرّخ لحقبة في مصر

نقلاً عن الحياة اللندنية

يقول الفيلسوف الألماني فريدريش إنغلز إنه فَهِم تاريخ فرنسا من روايات أونوريه دو بالزاك أفضل مما فهمه من كتب التاريخ. واستناداً إلى هذه المقولة يستطيع المرء أن يعرف تاريخ جيل ثمانينات القرن العشرين وتسعيناته في مصر، عبر كتابات عمر طاهر، وخصوصاً في كتابه “إذاعة الأغاني” الصادر عن “دار الكرمة” والذي صدرت منه طبعات عدة خلال أشهر قليلة.

عمر طاهر شاعر صدرت له خمسة دواوين بالعامية المصرية، ثم قلَّ إنتاجه الشعري ليكتب حكايات عن الناس وهموم الجيل الذي ينتمي إليه. وورث الكاتب الذي تدور نصف أحداث كتابه “إذاعة الأغاني” في بلدته في إحدى محافظات سوهاج، حلاوة الحكي من تلك المحافظة الشهيرة بأنها بلد الربابة والمواويل، كما جاء في أغنية ورد ذكرها في الكتاب، هي “حلوة يا بلدي” التي لداليدا.

يقول أحد باحثي الفولكلور: “أعتقد أن طينة سوهاج منذ عصر الفراعنة الأوائل تعرف طقوس الموت وتستقبلها بالموّال، منذ إيزيس أول نائحة في التاريخ والتي ندبت زوجها وأخاها أوزيريس (…). توارث السوهاجيون ينابيع الحزن والأسى منذ هذه القصة الخالدة التي تغلغلت في ضمير الشعب المصري، وبخاصة في سوهاج ومنطقة العرابة المدفونة، لذا كان الموال “الأحمر” الذي يعالج مشاعر الحزن والأسى والمرض والعلل، وكذلك الموال “الأخضر” في الحب والعشق. وهناك الموال المربع والمخمس والمسبع وأكثر من ذلك”. من هنا، ليس غريباً على السوهاجي عمر طاهر أن يبرع في تقديم موّال شجي يحفل بألوان قوس قزح في “إذاعة الأغاني” الذي تتصدره تلك العبارة البليغة: “بينما تجري الحياة… ثمة أغنية ما تدور في الخلفية. بينما تدور أغنية ما… ثمة حياة تجري في الخلفية”.

ولا تتوقف مهارة عمر طاهر عند الحكي، بل يصنع ضفيرة طرفاها الحكايات والأغاني مجدولة بعناية فائقة. وهو يطوف عبر كتابه من سوهاج إلى مدريد إلى دمشق إلى بيروت إلى القاهرة، يفتش في ذوات الناس عن بقايا لحن قديم أو أغنية تركن في الذاكرة التي ينعشها ذلك الكتاب ويعيد إليها رونقها.

هذا كتاب تاريخ لم يكتبه مؤرخ، بل كتبه شاعر وملحن ومغنٍّ. لذلك لا عجب أن تقرأ في هذا الكتاب: “كنت منتشياً إلى درجة أنني فكرت كيف يمكن واحداً أن يدخل أغنية يحبها ليتمشى بداخلها”. وكما يحمل العنوان الفرعي للكتاب “سيرة شخصية للغناء” نستطيع أن نقول إن هذا الكتاب سيرة شخصية للغناء ولصاحبه ولجيل تشكل وعي أفراده عبر شريط كاسيت يحمل أصوات علي الحجار ومحمد منير وعمرو دياب، ويحمل أيضاً أصوات من غرّبتهم الأيام وباعدت بيننا وبينهم الأسفار، مروراً بشريط فيديو فيلم هندي يحقق ما نعجز عنه في الواقع. في هذه المناسبة، قال الممثل الهندي أميتاب باتشان في أحد الحوارات الصحافية: «سألت أبي وأنا صغير عن سر نجاح الأفلام الهندية فقال لي “لأنها تحقق العدل على الشاشة في 3 ساعات فقط، بينما قد تعيش وتموت دون أن تراه في الواقع”. وكتاب عمر طاهر يحقـــق في 3 ساعات أيضاً (زمن قراءته)، ما لا يمكن أن تجده في كتب التاريخ الأكاديمية الجافة، وهو لا ينأى بنفسه عن الأحداث، كحال المؤرخين، بل يتورط داخل الحكايات ويقدم نفسه كشخص فقد بوصلته في قصة حب أو في مغامرة ما.

وتظهر في الكتاب مقاطع جَلْد الذات التي لا تقدم صاحب السيرة كرجل خارق بل أحياناً مهزوم يشبهنا جميعاً، كما في هذا المقطع: “يحدث أحياناً أن يقع الواحد من نفسه، يفقد فجأة كل ما يعرفه من أهداف أو أحلام، أو ربما يسير بداخل واحد منها بلا وعي، يسقط عن الواحد إحساسه بالزمن، ربما من فرط الرتابة أو فرط الإثارة، تسيطر ميكانيكية ما على طريقة حياته، فهو يتحرك بالفعل، لكن جسده فقط هو الذي يتحرك، بينما لا توجد بقعة نور واحدة في الروح أو الوعي”.

لو لم تعلم كقارئ أن هذا الكتاب يحكي قصصاً حقيقية لتخيلت الكتاب مجموعة قصصية بديعة محبوكة السرد، لكن الكاتب اختار أن يقول الحقيقة عارية وأن يتمشى داخل نفسه وداخل كل واحد منا ليخرج حلية نلبسها، تبعث في القلب نسائم رطبة إذا ما لفحتنا الدنيا بحرها أو تدثرنا إذا ما قست علينا برودة الأيام والليالي والذكريات.

 

نرشح لك

القائمة الكاملة لنجوم مهرجان إعلام.أورج – رمضان 2016

أفراح القبة: ما حدث في المسلسل ولن تقرأه في الرواية

شارك واختار .. من الممثلة الشابة الأكثر جاذبية في رمضان 2016؟ أضغط هنـــا

بنر الابلكيشن