يحيى موسى يكتب: أحمد زي الحاج أحمد

في شوارع المنيرة كنت ماشي مع صديق بادور على “حلاق”، وهو بيدور على محل يشتري منه عدة تخدير، طبيب تخدير هو.

كنت طبيب زيه لحد فترة قريبة قبل ما أسيب الطب والجأ للكتابة والترجمة، بطبيعة الحال لما بامشي مع طبيب بنتكلم في الطب، ولما بامشي مع صحفي بنتكلم في الصحافة، ولما بامشي مع صديقي اللي لسه في ثانوي بنتكلم في “أستغفر الله العظيم”، وهكذا يعني، وكالعادة لما بنتكلم في الطب لازم نحود على أجور الأطباء وظروف العمل جوا المستشفيات الحكومية بكل ما فيها من إهمال حكومي وطبي.

في وسط الكلام قال لي صديقي: “انت عارف أجر عامل النضافة في المستشفى كام؟ أجره 1400 جنيه، وعارف أجر فرد الأمن في المستشفى كام؟ أجره 1800 جنيه، الاتنين بيقبضوا أكتر من الطبيب حديث التعيين، بس أنا مش زعلان، لأن دي مش قيمتي أنا، دي قيمة الناس عند الحكومة، والناس راضية بكدا، وبتهاجم الأطباء لما يطالبوا بزيادات ف الأجور وبتحسينات ف بيئة العمل، أنا هاعرف أتصرف وازود دخلي، بس المواطن مش هايعرف يتصرف وياخد خدمة كويسة ف مكان حكومي طول ما هو مش حاسس بقيمة نفسه”.

في البيت لما روحت كان ماتش الأهلي وحرس الحدود لسه خلصان.. الأهلي كسب بس مش دا اللي يهمني دلوقتي.. هو يهمني طبعًا، بس مش وقته.

اللي يهمني إني قعدت أتابع استوديو التحليل علي القناة الفضائية الجديدة اللي انطلقت قريب كأحد أفراد عائلة قنوات قديمة نسبيًا ظهرت ف رمضان 2011، وبتضم قناتين رئيسيتين وقناة دراما وقناة سفرة إضافة للقناة الأخيرة اللي بتذيع مباريات الدوري المصري عديم الجمهور.

الحوار في استوديو التحليل كان رائع كالعادة.. نفس الملل المكرر.. نفس الوجوه الحلوة.. جيل كاس العالم تسعين بتاع عدالة السماء اللي نزلت على استاد، باليرمو  مسيطر على أغلب الاستوديوهات التحليلية مع دوائر أصدقائهم ومعارفهم.. ذكريات جميلة سمعناها ألف مرة بتتكرر ف كل مناسبة وبدون مناسبة.. وكل دا ما كانش له أهمية عندي الحقيقة، اللي وقفني هو إني سألت نفسي: “لو الطبيب اللي الحكومة مستأمناه على صحة البني آدم بياخد 1200 جنيه، فتبقى دي قيمة المواطن المصري عند حكومته، طيب مذيع الاستوديو التحليلي دا بياخد كام من القناة بتاعته؟ ويا ترى دا ليه دلالة إيه على قيمة المواطن؟”.

أجور الاستوديوهات التحليلية.. برامج التوك شو.. البرامج الإخبارية الصباحية.. برامج الطبخ.. برامج الصحة والجمال.. برامج من نوعية: “أنت تسأل والشيخ فلان الفلاني هايجيبلك الديب من ديله”، اللي ما أعرفش ليه الإعلاميين بيعتبروها حاجة منفصلة عن قنوات مشايخ السلفية اللي بيهاجموها ليل نهار؟ ما هي نفس الفكرة!

سيل البرامج دا اللي بتدور فيه رؤوس أموال بملايين على مدار الساعة بيعبر عن إيه؟

معروف إن الإعلام ف الآخر بيخاطب مواطنين، ومن غير المواطنين مافيش إعلام. لكن كمان من غير فلوس مافيش إعلام.

كمان المنظومة الطبية بتتعامل مع مواطنين، ومن غير مواطنين مافيش طب. وكمان من غير فلوس مافيش طب.

المنظومة الطبية زيها زي منظومة الإعلام، بتدور فيها رؤوس أموال ضخمة على مدار الساعة، وزيها زي الإعلام، بتسيطر عليها إيد احتكارية جبارة مدعومة من رجال لهم حيثيات حكومية، وزيها زي الإعلام، بتقدم خدمة رديئة بتعبر عن قيمة المواطن مش بس عند الدولة والحكومة.. لأ.. كمان عن قيمة المواطن ف نظر نفسه.

المواطن اللي بيشتم المستشفى الحكومي عشان الإهمال وضعف المستوى، فيروح مستشفى خاص أو استثماري ويتعامل بنفس الإهمال ونفس ضعف المستوى، لكن ف مكان شيك وفخم فيخرج راضي عن نفسه.

هو نفس المواطن اللي بيشتم القنوات الحكومية عشان فقر المحتوى وضعف المستوى، فيقلب على القنوات الخاصة ويلاقي نفس المحتوى الفقير والمستوى الهابط، لكن مع كتير من الشو والدعاية والوجوه الملمعة، ويخرج برضه راضي عن نفسه.

وفي النهاية المواطن ما بياخدش باله، إن مافيش فرق بين اللي بيديروا المنظومتين الطبية والإعلامية على المستوى الحكومي وعلى المستوى الخاص.. نفس العقليات.. وساعات كتير بيكونوا نفس الأشخاص.. من الباطن.

 تابعونا عبر تويتر من هنا

تابعونا عبر فيس بوك من هنا