نسمة سمير تكتب : "رُحيم" موته كسر ضهر الحرافيش

منذ اللحظة الأولى تجد نفسك فى رحلة رسمها القدر لك كي تشارك فيها بمحض إرادتك تلك المرة بشرائك تذكرة الدخول لمشاهدة الفيلم كي تنعزل عن العالم وتدخل رحم أمك مرة أخرى وتشاهد الدنيا من خلف أمانها، وبمجرد إطفاء الأنوار يخرج لك من جعبته بعض الكروت ويلقى بها أمامك كى تجمعها وتحل لغز اللعبة، كما اعتدنا معه دوماً قد يكون هناك بذور الحل منذ المشهد الأول، وقد تختلف النهايات وهو ما يتميز به السيناريست محمد أمين راضى أو صانع الإلغاز.

بداية سينمائية فخيمة ، تُبشرك بجرعة فنية ستخرج بعدها تُهذى من فرط حلاوة خمرها، كروت جذابة تهرول لتجمعها وتشبك خيوط اللعبة ، تٌغريك للتركيز فى كافة التفاصيل وتحملق فى الشاشة وكأنك تنتظر لحظة ميلادك، مشهد يفتتحه بكاء طفل رضيع نراه مربوط على ظهر أبيه ، تتناسب مع اسم الفيلم “من ضهر راجل” والذى أخرجه كريم السبكى، ولكن للآسف انسكبت الجعبة من بين يدى محمد أمين فى مشهد خطف محمود حميدة “أدهم”  لنجل ضابط المباحث مما يجعلك تتوقع النهاية من الوهلة الأولى، وتظل متابعاً للفيلم بشغف آملا أن يفاجئك صانع الإلغاز بخدعة جديدة تقلب موازين اللعبة، ولكن يخيب أملك عندما ينتهى الفيلم بما تنبأت به.

ترددت كثيراً قبل كتابة مقال عن الفيلم، لأننى أؤمن أن الكاتب يكتب ما يؤمن به بصرف النظر عن رأى الآخرين، ولكنى قررت أكتب ليس نقداً ، ولكنى أحمل بعض كلمات العتاب إلى محمد أمين راضى ليس فى تماسك السيناريو ولا الإيقاع ولا الجمل الحوارية ولكن فيما يقوله الفيلم صراحة وله قدرة على حرق الأمل فى قلوب الكثيرين من الذين ضلوا الطريق وأرادوا العودة ليخبرهم أن العودة من الدرب المظلم بموته.

ننتقل كمشاهدين مع طفولة البطل آسر ياسين “رُحيم” والذى قدم نفسه جيداً خلال الفيلم وتحوله إلى ملاكم محترف على يد جاره مدرب الملاكمة وهو محمد لطفى  الذى كانت تعبيرات وجهه تحكى أكثر ما ينطق، ويقع البطل  فى حب أخت بلطجى المنطقة وليد فواز أو “حنش” وهو ممثل مجرم بمعنى الكلمة استطاع تقديم شخصية البلطجى خفيف الدم وتمكن من هز قاعة السينما بضحكات الجمهور، ومن وجهة نظرى لم تضف شخصية مى لياسمين رئيس كثيراً ،ومن كان بالنسبة لى اكتشاف هو شريف رمزى  ابن ذلك الجار مدرب رحيم الذى يحول حياته لجحيم وامتزج بـ الشخصية بشكل كبير، وجاء دور رئيس المباحث الفاسد الذى لعبه الفنان المبدع صبرى فواز بشكل متميز ما يمكن أن نسميه السهل الممتنع ، قدم شخصية هادئة تخفى بباطنها الكثير من السم.

وتاهت الفكرة الأساسية للأحداث بين مشاهد العنف والملاكمة التى استهوت المخرج على الرغم من وجود كادرات تشهد له بالبراعة منها لقطة السجود لشريف رمزى والذى ظهرت وكأنها من خلف لوح زجاج، ولقطة عودة رحيم حيث جمع رحيم بوالده فى شباك واحد وظل محمد لطفى وحيداً فى الشباك الآخر وهو ما حدث فى النهاية، بينما كانت الموسيقى مزعجة فى كثير من الأحيان.

فالفكرة التى إرتكز عليها راضى هى “الرحمة” والتى اشتق منها اسم بطله ولكن النهاية الضعيقة أودت بحياة الفكرة اليانعة وهى كيف يمكن للسلطة الفاسدة ورجال الدين المدعين وبلطجية السلطة من إفساد أكثر البشر رحمة فيُعرى الحقيقة أمامنا فى أبشع صورها وهى أن البلطجة من ضهر الفساد هى ما يكتب لها الحياة، فبعد تحول رحيم إلى الدرب المظلم واستغلال رئيس المباحث لماضى والده البلطجى التائب ليصبح هو بالتبعية بلطجى جديد فى الحارة التى حاول راض أن تصبح امتداداً لحارة نجيب محفوظ مع فارق الأسلوب فنجيب محفوظ كان يصنع فتوة خير ليكسر ضهر الشر .. بينما راضى كسر ضهر الحرافيش بموت رحيم وأدهم فكلاهما عندما قررا العودة لاقى موته

فكل الضحايا لم تمنح لهم فرصة العودة رحيم  من ضهر قاتل تائب عندما أراد العودة لم ترحمة الفرصة، و طه الذي من ضهر رجل طيب، لكنه لم يحسن تربية ابنه عندما أراد أن يعود من طريق السواد الذى انتهجه للانتقام من رحيم ، قام رحيم بحرمانه من فرصة العودة بمعاشرة زوجته فى  ليلة زفافهما ووضع جنين من ضهره فى رحمها، وحتى ذلك الطفل غير الشرعي القادم من ضهر “رحيم” عندما كاد يمنح فرصة أن يخرج للنور ويجد أبيه الشرعى ينتظره حُرم منها إيضا.

فماذا يفعل المتكدسون في الأوتوبيسات وهؤلاء الذين “ينحشروا” في حجرة مثل علبة سردين والمتلحفون بالسماء في يناير ، و الموظفة الجالسة وحامل في شهرها الثامن في انتظار راتبها الشهري.. وبائع الترمس وماسح الأحذية والفتاة التي تبيع العطر علي المقهي وغيرهم وغيرهم من الحرافيش ماذا يفعل هؤلاء بعد موت فتوتهم وهو” الرحمة” ؟.. كيف ستكون الحارة بعد أن يسودها الظلام؟.

فجميعنا معرضين أن نهرب من حصار اليأس نحو نار الظلام التي كانت تُبهرنا من بعيد وعندما نقترب تكاد تصيبنا بالعمى .. ندخل رغماً عنا أو باختيارنا في دائرة اللعبة لنجدها  غير صالحة للتسلية ونبدأ فى السير في دائرة مفرغة لا مفر منها .. فماذا نفعل عندما نريد مغادرتها والعودة، ماذا نفعل ونهاية طريق العودة هو الموت، سنغرق جميعا هناك .. وتتبدل الأماكن ويصبح الضحايا جناة لا يملكون حق الدفاع عن أنفسهم ولا الهرب، فكم يا راضي كنت قاسي عليهم .. ربما لست وحدك من قسوت .. ربما كُلنا أصبنا بالقسوة بما نُقاسي منه اليوم

اقـرأ أيـضـًا:

نسمة سمير تكتب: ريهام سعيد.. عندما يُنجب الإعلام سفاحاً 

نسمة سمير: هل أصبحنا مدمني حب ؟!!

نسمة سمير: العدالة كشفت عينيها ليندب فيهما رصاصة  

نسمة سمير: أبلة فاهيتا من ربة منزل إلى “عاهرة”

 .

تابعونا علي تويتر من هنا

تابعونا علي الفيس بوك من هنا