البراء أشرف يكتب: بقاء

تكريماً وتقديراً للكاتب والمدون الراحل البراء أشرف، يعيد إعلام.أورج كل جمعة نشر أحد مقالاته حتى نهاية عام 2015

في الحلم رأيت نفسي أجري مكالمة هاتفية قصيرة مع رجل عجوز، تربطني به صلة قرابة، وكنا قد اتفقنا – في وقت سابق من الحلم نفسه – على أن نموت سوياً، فهناك مرض بدأ ينتشر، ويقتل كل الناس، والإيمان بالله جعلنا نقتل أنفسنا قبل أن يقتلنا المرض باعتبار أننا أموات في كل الحالات.

في لحظة فارقة – في الحلم – قررت أنني لن أستسلم للموت، وأني أفضل البقاء ورؤية العالم بعدد أقل من البشر، والموت بشكل طبيعي والذهاب للذين ماتوا مبكراً وإخبارهم بما حدث بعد أن رحلوا.

اتصلت بالرجل العجوز الذي تربطني به صلة قرابة. قلت له أنني أعتذر عن موعد الموت المشترك لنا في الغد، امتعض، قال “إزاي يعني.. إحنا مش متفقين نموت سوا.. هو كلام عيال ولا إيه؟”.. قلت له “معلش يا خالي.. موت إنت لوحدك.. وأنا هبقى أخلص شوية حاجات في إيدي وأحصلك على طول”.. كنت صادقاً.. لم أكن أسخر منه بأي حال. هو أيضاً سألني باهتمام.. “حاجات إيه؟”..

فكرت، وقررت الإجابة على السؤال بصدق.. قلت له “يا خالي أنا عندي بنت لسه مكملتش سنة.. وكمان عندي شوية حاجات عايز أكتبها.. ومحتاج شوية وقت عشان أركز وأقعد اخلصها.. نفسي يا خالي أشوف بنتي وهي عندها سنة ونص وبتقولي يا بابا وبتمشي لوحدها.. ونفسي أكتب الكلام اللي أنا عارف إنه أهم من أي شيء كتبته قبل كدة”..

بكيت وأنا أكلمه، هو أيضاً لم يجادلني، أغلق الهاتف في هدوء، وساد صمت طويل.. في الحلم.

رأيت نفسي بعدها أشارك في طقس رحيل الرجل العجوز.. نائم هو على الأرض وسط دائرة كبيرة من الأقرباء والمعارف. ويتولي قريب آخر عملية الإعدام، يضرب حقنة صغيرة في وريده، بها سائل يبدو أنه الطريق السريع إلى الموت الهادئ. تقلب الرجل يميناً ويساراً، بدا أنه كان يتألم، أو أنه يرسل إلى الحضور رسالة بأن الموت يصاحبه ألم ما.. وهو ما جعل المسؤلين عن تنظيم عملية الإعدام ممتعضين من تصرفات العجوز، فقد كانوا يروجون للأمر باعتباره سهلاً بسيطاً، يخلص الفرد من الألم، وينقله إلى الراحة.. حتى أني كنت أسمع صوت أصالة بأغنية “أكتر من اللي أنا بحلم بيه” في خلفية المشهد.. هنا لاحظت أن الأمور تتجه نحو العبث، وأدركت أنني أحلم، وأني أملك القدرة على الإستيقاظ والخروج من كل هذا..

……

تحت الماء الساخن أثناء الاستحمام اليومي الصباحي فكرت.. أكانت هذه أسباب كافية للبقاء على قيد الحياة.. رؤية الطفلة تكبر وكتابة بعض الأشياء؟..

نقلاً عن مدونة “وأنا مالي”

اقـرأ أيـضًا:

البراء أشرف يكتب: بيان ختامي

البراء أشرف يكتب: مطاوع يتحدث عن نفسه

البراء أشرف يكتب: حرف الواو

البراء أشرف يكتب: نسيان

البراء أشرف يكتب: عن الحكايات والسجائر

البراء أشرف يكتب: موسيقى حزينة جداً

البراء أشرف يكتب: عن الكتابة والعطف على الكلاب

البراء أشرف يكتب: ليل – خارجي

البراء أشرف يكتب: عن السلاحف والأرانب

البراء أشرف يكتب: ستة أسباب للحنين إلى “روبي”

البراء أشرف يكتب: عن الاضحاك كمسألة سخيفة

محمد عبد الرحمن يكتب : أستاذي البراء أشرف

وفاة البراء أشرف

.

تابعونا علي تويتر من هنا

تابعونا علي الفيس بوك من هنا