وليد رشاد يكتب: أفلامنا الحلوة (1).. فى بيتنا رجل

waled-rasad وليد رشاد
وليد رشاد

كان من ضمن احلامى ان اكتب مقالات نقدية عن الافلام وحلمى ذهب بعيداً للتحليق فى سماء افلامنا العربية الجميلة، ترددت كثيراً ولكنى فى تلك اللحظة امتلكت الشجاعة لكى ابدأ من خلال “إعلام.أورج” تلك السلسلة من المقالات بالتوازى مع المقالات الاخرى.

ولا ادرى لماذا بالتحديد قررت ان ابدأ بواحد من اقرب الافلام الى قلبى وهو فيلم “فى بيتنا رجل” ذلك الفيلم الذى شاهدته كاملاً لاول مرة فى احدى الامسيات التى كان يقضيها جيلى مع تلك الافلام التى تعرض فى سهرات التلفزيون المصرى، لانها وقتها كانت تعتبر بالنسبة لنا عرض اول خاصة لو لم يكن احد الموجودين معنا قد شاهدها من قبل، ولا ادرى لماذا خطف هذا الفيلم قلبى وخصوصاً مشهد النهاية بل انى قاومت دمعات كادت ان تذرف رغماً عنى.

الفيلم انتاج سنة 1961 عن قصة الاديب الكبير”احسان عبد القدوس” واخراج “هنرى بركات” وابطاله “عمر الشريف”، “رشدى اباظة”، “زبيدة ثروت”، “حسين رياض”، “زهرة العلا”، “حسن يوسف”.. الفيلم يحكى قصة مناضل شاب يغتال سياسى موالى للانجليز ويتم القبض عليه ولكنه ينجح فى الهرب فى اول ايام شهر رمضان، ويختار زميله البعيد عن السياسة ويطلب منه ان يستضيفه فى منزله، ويستعرض الفيلم بشكل بديع حياة الاسر المتوسطة فى مصر خلال فترة الاربعينات، ويعتبر الفيلم هو احد الوثائق التاريخية التى عبرت عن تفاصيل شهر رمضان عند المصريين، ورغم مرور سنوات طويلة لم ينجح اى عمل فنى اخر فى تصوير المائدة الرمضانية المصرية مثل فيلم “فى بيتنا رجل” حيث التفاصيل البسيطة والجو العام المفعم بالصدق واختيار الشخصيات التى تعبر عن عموم المصريين.

والفيلم زاخر بالمشاهد النادرة والتى تصلح تابلوهات سينمائية وكذلك كلمات الجمل الحوارية التى يمكن ان تدخل ضمن الكلمات المأثورة، مثل المشهد التاريخى الذى يسأل فيه ابن العم (الشاب المستهتر) البطل “ابراهيم” عن سبب تضحيته بمستقبله وحياته وراحته من غير اى مكسب ويجيبه بان الرد بسيط ويتلخص فى كلمة واحدة وهى الايمان .. “لو كان لك مبدأ تؤمن بيه مكانش السؤال ده يحيرك !!”

وكذلك لقطات خروج الشاب المناضل من بيت الاسرة بعد ان وفر له اصدقاؤه مكان امن ولحظات الوداع والتى تعبر بدقة عن الفراق عند المصريين، فرغم انه لم يستمر فى بيت الاسرة الا ايام الا انهم اعتبروه واحداً من المنزل، وتلك التفاصيل البسيطة عندما اعطته البنت الصغرى (التى وقعت فى غرامه) ورقة مكتوب عليها “لا اله الا الله” بخطها واحتفظت بالورقة المكتوبة بخطه حتى يلتقوا مرة ثانية، واهدته الام مصحفاً كى يحفظه بينما اهتم الاب باعطائه اموال تعينه على رحلته الصعبة، والتفصيلة الاروع وهى مشاعر الاكتئاب التى اصابت البيت بالكامل بعد رحيله وهو بالتحديد ما يحدث فى اى بيت مصرى بعد رحيل ضيف عزيز، وهو ذات اللقطات التى حاولوا استنساخها فى فيلم “الارهابى” مع الفارق الكبير.

كل من فى الفيلم ادوا ادوارهم بمنتهى البراعة النجم “عمر الشريف” ادى واحد من اصدق واروع ادواره، “حسين رياض” تألق كالعادة فى دور الاب الكلاسيكى المحافظ ، وكذلك “ناهد سمير” فى دور الام، بينما كان “حسن يوسف” رائعاً فى دور الشاب الهادئ والذى يسير بجوار الحائط ، “زبيدة ثروت” تألقت فى دور البنت المصرية الخجولة التى يدق قلبها لاول رجل تراه، واجاد “رشدى اباظة” فى دور الشاب المستهتر والذى يصطدم بموقف يغير تماماً رؤيته للحياة، بينما تفوقت “زهرة العلا” فى دور الاخت الكبرى التى تتميز بنوع من الحدة والعقلانية.

استوحى “احسان عبد القدوس” روايته من قصة مقتل “امين عثمان” على يد الشاب الثرى المغامر “حسين توفيق”، ورغم ان الكتابات التاريخية تختلف حول تقييم شخصية “توفيق” وبعضها يصفه بالمتهور او الدموى او غريب الاطوار او غاوى الشهرة، الا انه يظل هناك مساحة من الاختلاف دائماً بين الحقيقة التاريخية والنص الادبى اوالصورة السينمائية، وتقول المعلومات التاريخية عن البطل الحقيقى للحدوتة انه هرب الى سوريا واستمر فى اسلوبه وحاول اغتيال “اديب الشيشكلى” وحكم عليه بالاعدام، ولكنه عاد الى مصر بوساطة من “عبد الناصر” الا انه عاد واتهم فى عام 1965 فى محاولة اغتيال “عبد الناصر” نفسه بدعوى تفريطه فى السودان !! وظل فى السجن حتى افرج عنه الرئيس الاسبق “مبارك” ليعيش شهور قليل مع اسرته ويتوفى عام 1983 وتنتهى قصة اشهر قاتل سياسى فى مصر.

ونعود الى رائعتنا الفيلمية ومشهد النهاية البديع حينما رفض المناضل ان يترك مصر ويعيش حياة عادية وفضل تنفيذ عملية فدائية خطيرة استشهد خلالها، ولكنه كتب خطاباً لحبيبته وصلها بعد استشهاده وقرأته وهى تذرف الدموع (ومعها ملايين المشاهدين) وكان نص الخطاب “اكتب اليكى والعيد على الابواب يا نوال لاعيدك واودعك فى نفس الوقت، ان العيد الحقيقى يوم يتخلص وطننا من الاحتلال، وقد قررت ان اهب نفسى فداء وطنى، فلا تبكى ولا تحزنى بل اتمى رسالتك فى الحياة وعلمى اولادك ان من استشهد فى سبيل بلاده لم يمت، وان الحرية اغلى من الحياة”.

وفى النهاية كانت هناك لوحة مكتوب عليها “كانت هذه هى البداية”

اقـرأ أيضـًا:

وليد رشاد يكتب: قلم سخن على وجه لاعب الأهلى !!!!

وليد رشاد يكتب: صليبية الأطفال سبقت فيديو “أحمد موسى” بمئات السنوات!!

وليد رشاد يكتب: “أهواك” وأفلام اللب والسودانى!!!!

وليد رشاد يكتب: الثأر لقتل جنود مصر في المكسيك !!!!

وليد رشاد يكتب: أحلى حاجة في مصر.. هي الفساد !!!!‎

وليد رشاد يكتب: اشتريت تين من “ابو ادهم” !!

وليد رشاد يكتب: “يا ولاد الكلب .. سماحة كان على حق”

وليد رشاد يكتب: روح العب مع الاسد يا اشرف !!

.

تابعونا عبر تويتر من هنا

تابعونا عبر الفيس بوك من هنا