دقوا الشماسي.. ما بين الانتقادات ومسؤولية جمعية المؤلفين والملحنين!

تساءل أحد أصدقاء الفيسبوك، لو امتد الأجل بأم كلثوم وعبد الوهاب وفريد الأطرش وعبد الحليم حافظ، هل كانوا سيظهرون في الإعلانات مثل فناني اليوم؟ فيقدم لنا عبد الحليم إعلان دقوا الشماسي -مثلا- بنفسه؟ بدلا من الإعلان المستفز الذي يعرض حاليا!

وتصادف أنني كنتُ أفكر في نفس السؤال، بعد موجة الغضب التي أثارها هذا الإعلان المأخوذ من الاستعراض الذي قدمه الفنان عبد الحليم حافظ بعنوان قاضي البلاﭺ عام 1969، كلمات الشاعر مرسي جميل عزيز، وألحان الموسيقار منير مراد، ضمن أحداث فيلم أبي فوق الشجرة، قصة إحسان عبد القدوس وسيناريو سعد الدين وهبة، وإخراج حسين كمال.

ڤيديو كليب

وبرغم أنها ليست المرة الأولى التي تقوم شركة إعلانات باستخدام الأغاني المشهورة للترويج لبعض السلع، فتقوم بتغيير بعض الكلمات لتناسب الإعلان المطلوب، مع الاحتفاظ باللحن الأساسي الذي يميز الأغنية للفت انتباه الجمهور! إلا أن هذه المرة حدث العكس، واحتفظ الإعلان بكلمات الأغنية الأصلية، مع تغيير إيقاع اللحن وطريقة الأداء التي تغنيها المطربة بأسلوب استفزاي! بدون مراعاة للجمهور الذي أزعجه إفساد أصالة الأغنية وحلاوتها وذكرياته معها! خاصة وإن الأمر يتعلق بأغاني عبد الحليم! بل وهذه الأغنية بالذات التي قُدِمَت في شكل مبهر؛ يرى البعض أنه كان عملا فنيا متكاملا وسابقا لزمنه، قدم حسين كمال من خلاله نموذج لفن الڤيديو كليب قبلما ينتشر ويصير ظاهرة عالمية بدأها الفنان مايكل ﭼاكسون في بداية الثمانينات!

"ماينفعش تتغنى كده"

عبر الكثيرون عن غضبهم وسجلوا رفضهم لذلك الإعلان عبر مواقع التواصل الاجتماعي، مستائين من تصرف هذه الشركات التي تهدف لتحقيق المكسب المادي على حساب تشويه الفن الجميل! مثل الفنان صبري فواز الذي كتب عبر موقعه على الفيسبوك قائلا: "ليه كده؟ دقوا الشماسي دي غنوة حلوة ومبهجة وكلها طاقة وحيوية، ماينفعش تتغنى كده، والله ماينفع"! وكتب السيناريست أيمن سلامة قائلا: "هو منير مراد مالوش ورثة يمنعوا العبث بألحانه؟ طب عبدالحليم حافظ مالوش ورثة يمنعوا مهزلة دقوا الشماسي بهذا الصوت النسائي الضعيف السيئ؟ إعلان فاشل بمعنى الكلمة".

مثلما تنوعت ردود فعل جمهور القنوات الفضائية على الإعلان، بين من - لشدة استفزازه - يقوم بتغيير القناة ما أن يظهر على الشاشة، أو يكتم الصوت حتى ينتهي! دونما يتمكن أحد من معرفة اسم شركة الإعلانات، أو يهتم بإسم المنتج الذي تعلن عنه! فاستنتج بعضهم أن هذا العبث ربما يكون مجرد أسلوب دعاية جديد للإعلان عن ظهور الشابة ملك حسني، التي تؤدي كلمات الأغنية، بإجبار الجمهور على قبولها، ولو بتسليط الضوء عليها بذلك الأسلوب المثير للجدل!

في نفس الوقت الذي أعلنت فيه أسرة عبد الحليم نيتها في اللجوء للقضاء دفاعا عن تراثه الذي شوهه هذا الإعلان! فلم يُخفِ محمد شبانة، نجل شقيق عبد الحليم استياءه من طريقة أداء الأغنية، واصفا هذا الإعلان بأنه استغلال للتراث من أجل التربح وليس لتعريف الناس بالفن. وهو ما جعل الأسرة تقوم برفع دعوى قضائية بمعرفة المستشار ياسر قنطوش بهدف الحفاظ على تراث عبد الحليم من العبث والتشويه. ما دفع قناة فرانس ٢٤ العربية لتخصيص فقرة بأحد برامجها الإخبارية لاستعراض موقف الشعب المصري من هذا الإعلان عبر شاشتها، مع ذكر بعض نماذج التعليقات الغاضبة!

نرشح لك: بسام سرحان يكتب: "خالد نور وولده نور خالد".. أين الضحك؟

سؤال لجمعية المؤلفين والملحنين..

جدير بالذكر أن الشركة المقدمة للإعلان أكدت أنها حصلت على تصريح من الجهات المسؤولة لإعادة استغلال لحن الأغنية في إعلان ترويجي، بصوت الفنانة ملك حسني، وذكرت الشركة المتخصصة في الاستشارات الهندسية أنها حصلت على تصريح من جمعية المؤلفين والملحنين لاستغلال اللحن في الإعلان.

وفي نفس السياق، أعلنت جمعية المؤلفين والملحنين والناشرين، عن عدم وجود أي مخالفة من قِبل الشركة الخاصة بإعلان «دقوا الشماسي» من حيث استغلال كلمات مقطع من أغنية العندليب الراحل عبدالحليم حافظ «قاضي البلاﭺ»، خلال إعلانها الترويجي لأحد المنتجعات السياحية، مشيرةً أنه تم أخذ كافة التصريحات بحق الاستغلال للأغنية وتم الموافقة عليها. وقد جاء نص البيان كالتالي: بالإشارة إلى طلبكم التصريح باستخدام أغنية «قاضي البلاﭺ» تأليف عضو الجمعية الأستاذ مرسي جميل عزيز، وألحان عضو الجمعية الاستاذ منير مراد، فإن الجمعية بصفتها خلفًا خاصًا عن أعضائها من المؤلفين والملحنين والناشرين، وفي إطار لائحة النظام الأساسي للجمعية ولائحتها الداخلية، فإنها تصرح لكم كلمات وألحان الأغنية المذكورة لمدة «90 ثانية» في إعلان للعرض على القنوات الآتية :«dmc، الحياة، TEN، CBC، ART، ON E، ON Drama، MBC Masr، القناة الأولى، المحور، النهار، النهار دراما، القاهرة والناس»، لمدة ثلاث شهور من تاريخه وعلى مواقع التواصل الاجتماعي والسوشيال ميديا لمدة عام من تاريخه.

فهل يحق لنا سؤال جمعية المؤلفين والملحنين والناشرين عن سر السماح بهذا العبث؟ وهي التي تنص في أوراقها الرسمية على دورها في الحفاظ على التراث الفني وحق الأداء العلني فيما يخص العزف أو غناء المصنفات الموسيقية ضمن البرامج أو الأعمال الفنية أمام الجمهور، أو ضمن البرامج الإذاعية والتليفزيونية، أو المسلسلات أو الأفلام، أو إعادة النشر، بتعديل الكلمات، أو لحن المصنف الأصلي لأى من مصنفات الأعضاء فيها أو ورثتهم، متضمنة البرامج الإذاعية أو الأعمال الدرامية! بل وتمتلك الجمعية حق اتخاذ الإجراءات القانونية ضد من يخالف ذلك.

ألم يكن جديرا بالجمعية -إذن- أن تراجع سلامة استخدام ذلك اللحن في الإعلان؟ وكل الأعمال الفنية الأخرى قبل إعادة استخدامها! ألا يحق لها اشتراط معايير مشددة لضمان عدم الإخلال بالفنون التي يعاد استخدامها؟ والتأكد من سلامة القيمة البنائية الخاصة بكل عمل! أليس هذا هو ما يحقق بالفعل دورها في حفظ التراث والمحافظة عليه من التشويه والتبديد؟ ألا يتساوى ذلك مع مساهمتها في ضمان حقوق الفنانين المادية؟ بحفظ حق الأداء العلني لهم ولورثتهم ولشركات الإنتاج الفني.

على أي حال، ليست المشكلة هي الإعلان في حد ذاته، برغم أنه حرك الغضب من عدوى هبوط مستوى الإبداع الفني التي أصابت قوتنا الناعمة وأعاقت دورها في الحفاظ على ريادتنا الفنية وهويتنا!

إلا عبد الوهاب..

الطريف أن بعض الأصدقاء أجابوا على السؤال الذي بدأنا به، عن توقعاتنا إذا كان عبد الوهاب وأم كلثوم وفريد الأطرش وعبد الحليم حافظ سيقبلون الظهور في الإعلانات إذا امتد بهم الأجل كما يفعل نجوم اليوم! فتنوعت التوقعات بين من وافق بشدة، باعتبار الإعلانات سبوبة للرزق، خاصة وإنهم كانوا يقيمون حفلات في قصور الملوك و بيوت الأثرياء. وبالتحديد عبد الحليم الذي توقع البعض أنه كان سيشارك في الإعلانات بما لديه من ذكاء وقدرة على مواكبة التطورات ومستجدات الحياة، وعمرو دياب يخلفه في ذلك. وتوقع البعض إن أم كلثوم كانت ستوافق أيضا، ولكن مقابل ڤيللا في كومپاوند راق أو شاليه على الساحل. بينما رأى البعض إن جميعهم ممكن جدا يظهرون في الإعلانات ماعدا عبد الوهاب! أما فريد الأطرش، فربما كان سيوافق كضيف شرف على الظهور لمجرد ثوان في إعلان، داعيا لترسيخ قيمة إنسانية، أو دفاعا عن قضية وطنية، بدون مقابل.

بينما تساءل أحد الأصدقاء: لماذا لم نرَ إلا محمد منير من جيل الوسط بالإعلانات؟ وغاب كل من هاني شاكر ومدحت صالح وعلي الحجار ومحمد الحلو عن المشهد؟ وهل كان يمكن توجيه نفس السؤال لمارلين مونرو وبربارا سترايسند أو إلڤيس پريسلي وفرانك سيناترا في أمريكا؟ معتقدا إن المسألة تخطيط عالمي لتغيير الذوق العام وقبول مفاهيم جديدة تشوه أذواق الناس؛ ليفقدوا الحس والقيمة الجمالية للفن، ومنه لكل جوانب الحياة!

وهناك من رفض تماما، وبكل ثقة أجاب: طبعا لا! فنانو الزمن الجميل كانوا سيدركون أن قيمة جمال وعظمة فنهم هو ما يجلب لهم المال والمجد والشهرة، فلا أحد ينسى موقف أم كلثوم في حفلها بباريس حينما أصرت على أ ن يكون أجرها أعلى الأجور أو تترك المسرح وتعود لمصر. ولكن القيم تغيرت – كما جاء على لسان أحدهم - مستطردا: قديما، كان النجم يرفض استهلاك ظهوره فى الإعلانات، حتى يذهب الجمهور لمشاهدته في السينما! وكان الفنان الراحل حسن عابدين هو أو ل من طرق هذا الباب وقدم مشروبات غازية.. ولم يكن ذلك السلوك مقبولا عند الفنانين! ولكن العصر تغير، وصرنا نرى الفنانين يتزاحمون على الإعلانات أكثر من الأفلام والمسلسلات! وخاصة في رمضان، ليس فقط من أجل الفلوس، ولكن لضمان وجودهم بشكل يومي ومكثف أمام الجمهور، مهما كان المضمون!