محمد بركة: "عرش على الماء" تنزع القداسة عن سماسرة الدين وباعة الوطن

يعد الكاتب محمد بركة أحد أبرز الأسماء على الساحة الروائية المصرية و العربية حاليا نظرا لما تنطوي عليه أعماله من لغة متفردة تنحت بلاغتها الخاصة وما تتضمنه من جرأة في اقتحام المسكوت عنه وما تقدمه من عوالم آسرة ومختلفة.

وإذا كانت روايته البديعة "حانة الست" التي تروي قصة أم كلثوم المحجوبة هي أشهر مؤلفاته، فإن أعماله الأخرى مثل "الفضيحة الإيطالية" و"أشباح بروكسل" و"في العالم الآخر" نالت إشادة نقدية وجعلت النقاد يصنفونه ضمن أصوات التجديد والمغامرة على خارطة الإبداع.

وفي روايته الجديدة " عرش على الماء" الصادرة عن دار "أقلام عربية" بالقاهرة يجد القارئ نفسه أمام نص فارق في مسيرة السرد العربي، ثلاثية القداسة المزيفة والجسد الجامح والسياسة المرسومة وراء الظلال تمتزج لتكتب تاريخ مصر والمنطقة على غير مسبوق. النص قطعة من التشويق والسحر يطمح لتجريب شكل فني جديد عبر لغة بديعة و أجواء مفعمة بالدهشة تثبت كيف أنه يمكن لعقدة نفسية حادة في المراهقة أن تغير مصير أوطان.

في روايتك الجديدة "عرش على الماء" نجد أن الشخصية الرئيسية تمثل داعية دينية تورط في انحرافات عديدة، ألم تشعر بالتخوف من تناول تلك القضية؟

على الإطلاق، فكل مجال فيه الصالح و الطالح ونحن في مصر نعرف أكثر من غيرنا كيف أن مجال الدين يدخله للأسف بعض الأدعياء وسمساسرة الدعوة وباعة الأوطان. حدث ذلك منذ أن جعل الاستعمار الإنجليزي جماعة الإخوان شوكة في ظهر حركة التحرر الوطني في بلادنا ولا يزال الأمر مستمرا حتى الآن.


لكن الشخصية الرئيسية في الرواية لا تتورط فقط في أشياء منافية للأخلاق بل كذلك فيما يشبه التآمر السياسي ضد بلاده؟

هذا ما حدث بالفعل، ففي حقبة الستينيات وتحت شعار محاربة الشيوعية باعتبارها خطرا يهدد كلا من العالم الإسلامي والغرب، تم فرض نمط من التطرف الديني يجافي الطبيعة السمحة للمصريين. وشارك الشيخ "مشهور الوحش" بطل الرواية في مؤامرة لتقزيم مصر تحت لافتة الدين لحساب قوى إقليمية و دولية. في أحد ابتهالاته التي تتصدر بداية كل فصل تقول هذه الشخصية: اللهم اجعل تحويل دار الأوبرا إلى جراچ للسيارات عملًا خالصًا لوجهك الكريم، فقد عزفوا مزامير إبليس وعزفنا مزامير داوود".

علاقة بطل الرواية بالنساء تبدو كذلك شيئا جديرا بالتوقف عنده؟

هو نموذج إنساني حافل بالمتناقضات فهو يريد الإرتقاء روحانيا وفي نفس الوقت يهوى في الدرك الأسفل للشهوات وعشق النساء و النهم للمال و الجوع للوجاهة الاجتماعية و الصعود الطبقي. يقول البطل في هذا السياق: " إذا كان الله خلق الرجل على صورته، فمن المؤكد أنه خلق المرأة على صورة الفاكهة.فما جدوى الفراولة إن لم تسل دمًا على شفاهنا؟

وما نفع التفاح إذا لم نخترقه بسكين تنز بالاشتهاء؟ نعشق الأنوثة المُعلَّقة على الشجر، نترقب أن تطيب بأحمرها وأسودها وأبيضها، الطري منها مثل الصلب، كلٌّ له آكله وعاشقه ومنتظره. ناب يمزِّق وماء يتفجر بعد أن طال احتجازه بين الصلب والترائب.سبحانه... ابتلى سليمان بحب الصافنات الجياد وابتلاني بحب الشقراوات الناهدات".

لماذا يبدأ كل فصل بابتهال على لسان الشخصية الرئيسية؟

الابتهالات تم توظيفها على مستوى الشكل بحيث تشكل حد فاصلا بين أجزاء العمل كما تم توظيفها على مستوى المضمون بحيث تكشف عن طبيعة الشخصية وتناقضاتها. وتشير الابتهالات عادة إلى معان روحية سامية لكنها مع هذا البطل ترتبط برغباته الدنيوية الصرفة ، فهو يتساءل في أحد تلك الابتهالات "يا من جعلت الرعد همسك والبرق عصاك، أسألك بكل أدب وتوقير: لماذا خلقت قلبي شمعة واهنة تتقاذفها رياح النسوة؟" ويعترف في ابتهال آخر أن " الزهد ثوب ضيق على جسده" كما يطلب أن تدين له الشهرة كما دانت لسعد زغلول و منيرة المهدية.

بصراحة، هل الرواية تستلهم سيرة داعية دينية شهير؟

كما قلت، العمل يقدم نموذجا إنسانيا بحتا بتناقضاته وأزماته النفسية و العاطفية وأي تشابه مع الواقع بأحداثه وشخصياته هو محض مصادفة كما يؤكد التنويه الذي جاء في صدارة الرواية. هذا لا يعني أن من حقي مصادرة حق القارئ في تلقي العمل وتفسيره كما يشاء.


لماذا أثار البعض مسألة تشابه شخصية بطل الرواية مع مسيرة الشيخ الشعراوي؟

لا أعرف. يمكنك أن تسأل هؤلاء ، لكني سبق أن قدمت الوجه الأخر للسيدة أم كلثوم بشكل صريح في رواية " حانة الست" ولو كنت أريد خوض تجربة رواية السيرة مرة اخرى لفعلت ذلك بوضوح وبشكل معلن و مباشر. أرجو ألا نحمل الأمور فوق ما تحتمل أو نتعسف في التأويل. البطل عندي هو " مشهور الوحش" وكفى.

هل أنت مولع بالدخول للمناطق الشائكة إبداعيا؟

ربما أكون كذلك، لكن المهم عندي الحفاظ على جماليات الأدب ورهافته وشحذه للمخيلة بحيث يصبح النص قطعة من الأدب البديع الذي يملك قدرته الذاتية على الصمود في وجه الزمن.


نرشح لك: عمرو منير دهب يكتب: حواء ضد آدم.. الفصل الحادي عشر من كتاب "جينات أنثويّة"