الإقبال على الدراما النفسية.. "حالة خاصة" أم عرض مستمر؟

خلال السنوات الأخيرة قدمت الدراما المصرية نماذج مختلفة حول العديد من الأمراض النفسية، منها ما لم تكن معرفته شائعة قبل التناول الفني له، مثل مسلسل "سارة" الذي عرض نموذجا لحالة نفسية أطلق عليها "العودة للطفولة"، كما أحدث مسلسل "خلي بالك من زيزي" الذي عرض في رمضان 2022 ضجة حين تناول مرض "اضطراب الشخصية الحدية"، وأخيرا مسلسل "حالة خاصة" الذي سلط الضوء على مرضى "التوحد".

وهذه الحالات النفسية المختلفة جذبت انتباه الجمهور، وأخذ يتسأل عن ماهيتها، وهل بالفعل هناك حالات مشابهه لهذه الشخصيات الدرامية في واقعنا؟

نرشح لك: نرمين جودة تكتب: داوود باشا فى أزمة هوية حديث الصباح والمساء

ولذلك حاور موقع "إعلام دوت كوم" دكتور أحمد فوزي صبرة، استشاري الصحة النفسية، للوصول إلى إجابات حول الأمراض النفسية، كما حاور الناقد الفني محمود عبد الشكور، لمعرفة تأثير عرض هذه الأعمال الدرامية.

سبب زيادة موضوعات الدراما النفسية

يؤكد الناقد الفني محمود عبد الشكور، أن الاتجاه للدراما النفسية زاد من أجل البحث عن موضوعات مختلفة، ولمنافسة الأعمال الأجنبية التي أصبحت منفتحة على العالم، وهو الأمر الذي أكد أننا لدينا العديد من الكُتاب الجيدين الذين يستطيعون تقديم هذه الدراما الصعبة.

كل الأعمال الفنية تتوقف على مدى إتقان صناعها لتقديم الفكرة، فهناك من يستسهل، على حد تعبير "عبد الشكور"، موضحا أن البعض يعتمد على "الكليشيهات" الخاصة بالمرضى النفسيين ويظهروا الطبيب النفسي في صورة كريكتارية، وهو ما ليس له صله بالواقع ولا دلالة درامية، لكن هناك من الكتاب من لديهم اهتمام بتقديم دراما مقنعة.

وافقه الرأي دكتور أحمد فوزي صبرة، استشاري الصحة النفسية، الذي قال إن الإعلام دائما كان ضد الطبيب النفسي بدأ من جملة "أنا طويل وأهبل" للفنان عبد المنعم مدبولي في فيلم "مطاردة غرامية" مرورا بـ"عصابة الدكتور عمر" و"كده رضا": "بيطلعوه هزوء"، لكن حاليا بدأوا يحسنوا صورته، ولعل خير مثال هو مسلسل "تحت السيطرة" الذي وثق علاج الإدمان كما هو في الواقع تماما.

تناول شخصية "التوحد" في الدراما

وبالانتقال لمسلسل "حالة خاصة" الذي حصد تفاعلًا كبيرًا منذ انطلاق عرضه عبر منصة "WATCHIT" الرقمية، قال دكتور أحمد صبرة، استشاري الصحة النفسية، أن ما عُرض في المسلسل مبالغ به: "ولا عمري شوفته في الحقيقة خلال 25 سنة.. الفكرة إنك بتروج لأهالي المرضى إن ولادكم أذكى من أي حد وأنهم بيعرفوا يعملوا كل حاجة.. وده غلط".

وأوضح أن مريض التوحد مشكلته تكمن في الذكاء العقلي، فهو يمتلك ذاكرة بصرية عالية فقط لكن حل القضايا القانونية يحتاج إن تعمل مراكز المخ كافة معا؛ انتباه وإدراك وذاكرة وتجميع وتحليل وتفسير: "لو المظهر فقط نقول عليه إعاقة حركية، ده خلط بين أمراض نفسية.. ومستحيل العلاج يخليه إنسان طبيعي".

بينما رأي الناقد الفني "عبد الشكور" أن طه دسوقي بطل مسلسل "حالة خاصة" حقق عنصرا إيجابيا حين التقى بالعديد من مرضى التوحد، من أجل دراسة جوانب الموضوع كافة.

الدراما جاءت متاخرة، ذلك هو رأي "عبد الشكور" في تناول مرض التوحد في الدراما، موضحا أنه قدم من قبل في الفيلم "التوربيني" عام 2007:"الفيلم مكنش جيد ومكنش عظيم، لكن كان في اجتهاد كبير.. كانت عادة ما تخص السينما لكن الجديد هو عرضها في الدراما لتصل إلى المنازل، وهو أمر جيد للغاية".

ما قدم في "خلي بالك من زيزي" واقع ملموس

وبالإشارة لمسلسل "خلي بالك من زيزي"، رأى "عبد الشكور" إن تناول الموضوع جاء بشكل ممتاز ومتقن، مشيرا إلى أن إحدى مؤلفات العمل كانت تعاني من مشكلة "زيزي" نفسها (الحركة المفرطة)، موضحا أنه شجع مسلسلات أخرى لتناول الدراما النفسية.

ما قدم صورة من الواقع، ذلك كان رأي دكتور "صبرة" الذي أكد أن "اضطراب الشخصية الحدية" يحدث بفعل أسباب سلوكية من الآباء تجاه الأبناء أثناء مرحلتي الطفولة والمراهقة، وتصبح أعراضه صريحة من عمر 18: 21 عامًا، ومصاب به نحو 43% من المجتمع؛ أي ثلث العالم -أكثرهم من النساء-، ويرجع إلى كثرة النزاع بين الأب والأم وتخليهما عن دورهما الأساسي كرمزي الأمان والبطولة.

أسباب مرض "التوحد"

أشار دكتور "صبرة" إلى أن التوحد لا ينتج عن مواقف يتعرض لها المريض وإنما أسبابه متعددة إما أثناء الولادة، مثل الضغط على الجمجمة أو قبل الولادة كتناول الأم للعقاقير أ أو الانفعالات العصبية الشديدة خاصة في أول 3 أشهر من الحمل، وكذلك حضانات حديثي الولادة هي "كارثة كبرى" لأن زيادة نسبة الأكسجين أو نقصه يؤدي لحدوث ضمور في المخ: "فالتوحد هو إن العمر العقلي يكون غير مناسب للعمر الزمني وكل ما يكبر كل ما الفجوة بينهم تكبر.. وعند مرحلة عمرية محددة بيقف".

مسلسل "سارة".. بداية موفقة للدراما النفسية

وبالتسأول عن مسلسل "سارة"، قال الناقد الفني محمود عبد الشكور، إنه رغم وجود بعد السهرات التلفيزيونية عن الدراما النفسية قديما، إلا أن "سارة" كان نقطة فارقة ، خاصة لما تناوله من تفاصيل ودراسة للحالة بالإضافة إلى طرافة الشخصية، وهو ما جذب إليه الجمهور وحقق نسب مشاهدة عالية.

وهو ما أكده دكتور أحمد فوزي صبرة، حين قال إن هناك حالات بالفعل مشابهه لـ "سارة"، لكنه مرض نفسي قد يشفى، موضحا أن لا يمكن لمريض أن يستمر في غيبوية لمدة 20 عاما: "عودة للطفولة يعني الكلام يتحول من سن الطفولة.. هو نفسيا اتنقل مش فعليا".

هل التناول الدرامي للأمراض النفسية مفيد؟

في النهاية وجهنا سؤالا أخيرا للناقد الفني "عبد الشكور" عن رأيه في دراما الأمراض النفسية، فأكد أنها تساهم في تفهم الجمهور لطبيعة الأمراض النفسية، وما تطلبه من دعم ومساندة دون تنمر وسخرية، حتى وإن كان العمل يقدم بهدف إعلامي فقط دون التوعية، ولكن هذه التأثيرات غير المباشرة هامة للغاية.

وبالانتقال لدكتور أحمد فوزي صبرة، استشاري الصحة النفسية، بالسؤال نفسه، أيد "عبد الشكور" في رأيه، مشيرا إلى أن هذا التناول مفيد للغاية ومطلوب، ولكن يشترط وجود إشراف طبي ومتخصص نفسي، لأن العمل الفني يصل للملايين، سواء كان قارئ او غير قارئ، فهو أهم من معرض الكتاب المقام حاليا، مضيفا أنه يتمنى محاكمة من يزيف الحقائق.