نرمين جودة تكتب: داوود باشا فى أزمة هوية حديث الصباح والمساء

مسلسل "حديث الصباح والمساء" مسلسل مصري مقتبس من رواية حديث الصباح والمساء للأديب العالمي نجيب محفوظ، وهذه الرواية ذات طبيعة متفردة عن الروايات الأخرى، فهى ليست سرد لاحداث لها تتابع زمني ذات حبكة درامية؛ بل هى عبارة عن سرد لمجموعة من السير الذاتية لأفراد تجمعهم صلة قرابة أما بالدم أو بالنسب عند معالجتها لتحويلها إلى مسلسل درامي حاول السيناريست محسن زايد أن ينسج خيوط تلك الروابط الاجتماعية التى تربط الشخصيات الدرامية فيما بينها ليصل إلى حبكة درامية منضبطة تناسب طبيعة العمل الدرامي التليفزيوني وقد نجح بالفعل فى تحقيق هدفه حيث قدم معالجة لم تخل بالعمل الروائي الأصلى، بل جعلته أكثر وضوحاًّ للمتلقي.

لقد تعددت الشخصيات الدرامية وتنوعت من حيث الطبيعة النفسية والاجتماعية والثقافية، إلا أن شخصية داوود باشا ظلت تلاحق تفكيرى من حيث تركيبتها النفس اجتماعية المعقدة، فشخصية داوود باشا في مسلسل حديث الصباح والمساء والرواية كذلك شخصية تعانى من أزمة الهوية نتيجة للصراع بين نشأته في بيئة شعبية رجعية ترى المرأة تابع للرجل لا حق لها في التعليم، وأن أراد أهلها تعليمها فليس لها إلا تعلم أبسط العلوم ويكفى أن تفك الخط، فلو طمعت في استكمال تعليمها فقد حكمت على نفسها بالتعاسة والعنوسة مثلما حدث مع دنانير حفيدة أخيه عزيز، فالبنت في ذلك الوسط الاجتماعي الذى تنتمى إليه أسرة داوود باشا لابد وأن تهتم بتعلم فنون الطبخ وترتيب المنزل وتربية الأبناء وهكذا.

لقد كانت الظروف التي مر بها داوود باشا هى التي رسمت له طريقه كمن ندهت له النداهة، حيث أجبر على السير في طريق دون اختيار منه أو رغبة فيه، وظهر ذلك من خلال لغة الجسد لشخصية داوود عندما جاء لزيارة أسرته قبل سفره إلى فرنسا لدراسة الطب، تبدأ مأساته عندما خطفه رجال الوالى مع مجموعة من الصبية وهو طفل صغير ليتم إيداعه في معسكر خارج المدينة تحت حراسة عساكر الوالى لمنع الأطفال من الهرب وإجبارهم على تعلم العلوم الحديثة، فقد كان بالفعل يتم تعليمهم على أعلى مستوى ضمن مخطط الوالى لنهضة مصر وإدخال الحداثة الأوروبية على يد أبناء مصر من خلال إرسال بعثات من الطلبة المصريين إلى أوروبا، ليتعلموا العلوم الحداثية والفنون والآداب وغيرها.. عند عودته من فرنسا اكتشفنا من خلال الأحداث الدرامية أن داوود باشا لم يستطع التخلص من ثقافته الشعبوية الرجعية، وفى نفس الوقت لم يستطع التكيف مع الحياة وسط أسرته البسيطة، ولم ينجح فى الإندماج مع ثقافة سكان المناطق الشعبية وظهر ذلك جلياً فى تعامله مع أهالي المرضى من البسطاء بالمستشفى الحكومي الذي عمل بها كطبيب عقب عودته من فرنسا، لذلك كان بديهياً أن يختار زوجة من وسط يتناسب ومستواه الثقافي وحداثته الفكرية، فتزوج من سنية هانم الوراق المثقفة سليلة الحسب والنسب التى تنتمى لأسرة تقدر العلم والمثقفين، ورغم أحترامها وحبها له إلا أنه لم يستطع أن يبادلها نفس المشاعر، فالنزعة الأصولية المسيطرة عليه جعلته يعيش حالة من الصراع الداخلى بين أفكاره الحداثية ومعتقداته الدفينة الأصولية، لذلك عندما جاءته فرصة للتنفيس عن هذا الصراع بارتباطه بالجارية التى تقترب باصولها وأفكارها إلى أصول أسرته البسيطة، لم يتردد فى الزواج منها، وترك زوجته الأرستقراطية التى لم تنجح فى تغييره ليكون باشا أرستقراطى يؤمن بأفكار تلك الطبقة الأرستقراطية، لكنه وجد في الجارية جوهر ضالته فهى تستطيع أن تعامله بنفس طريقة تعامل أمه مع أبيه، وتشبع رغباته في السيطرة على الأنثى وتقبل منه أن يعاملها معاملة السيد لجاريته، تلك المعاملة التي رفضتها سنية هانم الوراق زوجته الارستقراطية.

لقد لفتت الشخصية المصابة بأزمة الهوية والتي تعاني من الصراع بين الحداثة والأصولية انتباه الكثير من المبدعين، حيث تظهر مثل هذه الشخصيات بصورة جلية فى فترات الانتقال التاريخية من التخلف والرجعية إلى الحداثةوالتنوير.

نرمين جودة تكتب: "فيلم "أغنية النصر".. الأغنية الوطنية وبعدها الاجتماعي 

نرمين جودة تكتب: "فيلم الأرض".. نضال الفلاح المصري ودفاعه عن الأرض