نرمين جودة تكتب: "فيلم "أغنية النصر".. الأغنية الوطنية وبعدها الاجتماعي

فيلم "أغنية النصر" من الأفلام الوثائقية التي وثقت لأحداث مهمة في تاريخ الأمة المصرية، وهى الفترة التي شملت العدوان الثلاثي، ونكسة ٦٧، وحرب الاستنزاف وحرب أكتوبر ونصر أكتوبر العظيم في ١٩٧٣. ما يميز هذا الفيلم عن سابقيه من الأفلام التى تناولت بطولات اكتوبر المجيد أن البطل لم يكن شخصية من أبطال الحروب مثلما هو الحال فى أغلب الأعمال السينمائية درامية كانت أو وثائقية، فالبطل هو الأغنية ، فمن خلال الأغنية استطاع الفيلم أن يسرد لنا أحداثاً تاريخية وتحليل للحالة النفسية للمجتمع المصري، ورصد للتغيرات الاجتماعية والسياسية في تلك المرحلة الزمنية الحساسة في تاريخ الوطن.

المتأمل للموقف الموسيقي والغنائي في تلك الحقبة الزمنية، سيلاحظ دونما شك حالة التعددية الغنائية، حيث تنوعت الأغاني ما بين الفردية فكان من أشهرها: عدى النهار وعاش اللى قال وسكت الكلام لعبد الحليم حافظ وليكى يا مصر لوردة وفات الكتير يا بلادنا لفادية كامل ومن عيون برج الحمام لسمير الإسكندراني، والأغنية الجماعية والتي برع بليغ حمدي وعلي إسماعيل وغيرهما في تلحينها منها: رايات النصر وخلي السلاح صاحي وباسم الله الله أكبر، ويمكن القول بأن الأغنية الجماعية هي تعبير ملحمي، ولهذا تساهم بشكل أكبر في شحذ الهمم.


كما ظهرت الفرق الغنائية التابعة للمقاومة الشعبية في مدن القنال في فترة حرب الاستنزاف مثل: فرقة ولاد الأرض وفرقة شباب البحر وفرقة شباب الإسماعيلية وفرقة الصامدين، وكل هذه الفرق اسسها كابتن الغزالى، كما اشترك فى تأسيسها مطربون امثال: فوزى الجمل وسيد كابوريا، وأشهر اغانيهم كانت: غني يا سمسية ويا دنيا سمعاني كون كابتن غزال فرقة “أولاد الأرض“ ثم فرقة “الصامدين” في الإسماعيلية، و"أولاد البحر" في بورسعيد، كانت هذه الفرق الثلاثة أشبه بثلاثة كتائب تقف في مواجهة العدو الصهيوني، ترفع معنويات أبناء العمال والفلاحين والصعايدة الذين يحملون السلاح فى مواجهة العدو، وقد كان من أهم سمات هذه الفرق الموسيقية التخفيف من استخدام المارشات العسكرية والنزوع إلى الموسيقى الشعبية، وذلك للاقتراب إلى مفردات الحس الشعبي، ومن ثم اختراق الوجدان الجمعي بسهولة، وقد تم الاستعانة بفرقة الصامدين لفوزى الجمل فى التموية صباح يوم العبور، ففى يوم السادس من أكتوبر 1973 تمت دعوتهم من قبل القوات المسلحة لتنظيم حفل سمسمية على شاطئ القناة، كان الحفل ضمن تكتيكات الحرب وإيهام العدو على الجانب الآخر بأن الأمور مستقرة ولا توجد أي نية للحرب، ثم حدث العبور بعد الحفل بوقت قصير، أما في القاهرة فسطعت شمس فرقة النهار لمحمد نوح والتي اتجهت إلى اللون الشعبي للوصول إلى كل فئات الشعب.


قامت الأغنية عقب نكسة ٦٧ بدور علاجي نفس اجتماعي للمصريين، من خلال التنفيس عن حالة الاحباط والانكسار والتحول إلى الشعور بالحماسة والأمل والرغبة في النصر، ومن ثم أخذت الأغاني الطابع الحماسي والتعبير عن رفض الهزيمة، كما ‌قامت الأغنية بتوثيق تغيرات الحالة الانفعالية للمجتمع المصري من نكسة إلى حرب استنزاف إلى نصر أكتوبر، والحقيقة لم يتوقف دور الأغنية على رفع الروح المعنوية وشحذ الهمة وإثارة الحماسة في نفوس الجنود والشعب، ولكن تم توظيفها كذلك في أغراض سياسية وعسكرية، فاستخدمت الأغنية الوطنية كشفرات مثلما هو الحال مع أغنية "خبطت قدمكن على الأرض" لفيروز وهى أغنية ضمن مسرحية أيام فخر الدين للسيدة فيروز، والتي استخدمت كإشارة لبدء الضرب في حرب أكتوبر، كما أن إذاعة الأغنية ذاتها بعد البيان العسكري كان يعنى أنه بيان حقيقي وليس بيان خداعي للعدو.


تناول الفيلم كيف تميزت ‌أغاني الحرب في تلك المرحلة الزمنية بكونها مزيج من الموسيقى العسكرية الحماسية والنمط الشعبي لأهداف شعبوية، فالغناء الشعبي هو الأكثر اندماجاً مع مفردات الحس الشعبي، بينما تميزت أغاني ما بعد نصر أكتوبر العظيم بالتعبير عن حالة الفرحة والعزة والثقة بالنفس، فكانت اغاني ذات ايقاع راقص مبهج مثل: أغاني دولا مين لسعاد حسني وعلى البر التاني لنجاة ورايحة فين يا عروسة لشادية. كذلك لم يتجاهل الفيلم النزعة الدينية لدى المواطن المصري ، حيث عكست بعض الأغاني الوطنية في فترة ما بعد النكسة حتى نصر أكتوبر المجيد ثقة المصري بربه في تحقيق النصر، وبذلك يكون الفيلم قد قدم دور الفن بصفة عامة والأغنية بصفة خاصه كقوة ناعمة، وذلك من خلال توظيف التقنيات السينمائية لتوثيق دور الأغنية في توثيق أهم فترة فى تاريخ الأمة المصرية. تلك الفترة التي تتضافرت فيها عناصر الأمة المصرية من قيادة سياسية وجيش وشعب لتحويل الانكسار إلى انتصار مجيد.


على الرغم من نجاح الفيلم في تقديم هذا الدور الهام للفن والأغنية كقوة ناعمة لا تقل أهمية عن القوة الدبلوماسية وقوة السلاح في واحدة من أهم المعارك التي خاضتها مصر لاسترداد أرضنا الغالية سيناء. إلا أن ثمة بعض المآخذ على الفيلم ذكر منها ا.د.نادر رفاعي الاسراف في الاستعانة بالصحفيين، مما أدى إلى تكرار ما قدموه من معلومات يمكن الحصول عليها بسهولة لذا جاءت بمثابة حشو لا داعي له، فى حين أنه كان يجب الاستعانة بعدد أكبر من النقاد المتخصصين حتى يقدموا تحليل نقدي للأغنية الوطنية، ومدى تأثرها بالظروف الاجتماعية والسياسية وتأثيرها في المجتمع لكي نستطيع القول بأن العمل قدم إسهام نقدي مهم في الحركة الفنية، كذلك أشار ا.د.نادر رفاعي إلى تجاهل الفيلم لكتاب نقدي هام في الأغنية الوطنية كتاب "الأغنية الوطنية البدايات.. التحولات" للدكتورة ناهد عبد الحميد، وأخيراً عدم استعانة صناع الفيلم بمتخصصين في علم اجتماع الفن؛ خاصة وأن الموضوع الأساسي للفيلم يندرج تحت هذا التخصص النقدي الهام واستضاف الفيلم مجموعة من الأكاديميين المتخصصين في مجال الموسيقى والنقد الموسيقي كان على رأسهم د.خالد الداغر رئيس دار الأوبرا المصرية وا.د. رانيا يحيى أستاذ فلسفة الفن وعميد المعهد العالي للنقد الفني د. ياسمين فراج أستاذ النقد الموسيقي بأكاديمية الفنون، كما استضاف محمد للعشى موزع موسيقي والصحفي أيمن الحكيم والناقد الفني أحمد السماحي والناقد الفني محمود عبد الشكور. فيلم أغنية النصر من انتاج القناة الوثائقية. رؤية وسيناريو محمد العسيري واخراج خالد النساج.