البراء أشرف يكتب: عن السلاحف والأرانب

تكريماً وتقديراً للكاتب والمدون الراحل البراء أشرف، يعيد إعلام.أورج كل جمعة نشر أحد مقالاته حتى نهاية عام 2015

في البدء كانت السلاحف.لكن أحداً لا يهتم لأمر سلحفاة. وحيث أن الأرانب جاءت بعد ذلك. فإن الكوكب يؤرخ للمسألة بشكل خاطئ، ويعتقد أنه في البدء كانت الأرانب.. على كل حال.. كانت هناك بداية. وكانت هناك سلاحف. وكانت هناك أرانب.. وكانت الحكاية.

تعرف القصة القديمة إذن.. دعنا نحكيها للذين درسوا في الخارج، أو للإخوة العرب المهتمين بقراءة المدونات المصرية.

في الصف الثاني أو الثالث. ربما الأول.. في صف من الصفوف الدراسية الأولى. كانت الحكاية تحكى بشكل درامي، عن سلحفاة مجنونة طلبت من أرنب أن يسابقها. وبعد مداولات واتفاقات. تم تحديد الزمان والمكان. وبدأ السباق.

الأرنب. ولأنه يعرف عن نفسه ما يجب أن يعرفه أرنب. دخل السباق دون اهتمام، للتسلية. وركز على جانبي الطريق، حيث توجد بعض زراعات الجزر.. يقف عند الأولى ويأكل. ويذكر نفسه بأن الأمر يحتاج إلى معجزة كي تصل السلحفاة قبله. فما تمشيه سلحفاة نشيطة في ساعة، يقطعه أرنب معاق في دقيقة. فليأكل إذن ويشبع. ثم يعود إلى السباق فيحظى بالحسنيين.. الفوز والجزر.

السلحفاة. ولأسباب ميكانيكية. لا تتمكن أبداً من النظر خلفها. فهي لا تدري لماذا وقف الأرنب أساساً. ولا تبصر الجزر على جانبي الطريق، حتى أنها لا تعرف لماذا يهتم أرنب لأمر “جزراية” ويترك السباق. أمام السلحفاة اختيار وحيد. مواصلة الزحف داخل صندوق ثقيل، ووضع احتمال ضئيل، بأن الأرنب ربما يكون قد تناول جزر مسمم ومات. وبالتالي فإنه يمكن الفوز بالسباق.

القصة تنتهي بأن السلحفاة تفوز، لأن الأرنب ينشغل بمسألة الجزر حتى النهاية، وحين ينتبه للسباق، يجد السلحفاة تضع خطوتها الأخيرة على خط النهاية.

بطريقة ما، أجد القصة تشير لمعنى أعمق. وأجدها ملاءمة للصف الثانوي الثالث، أو تستحق أن توضع في مناهج التنمية البشرية عديمة القيمة.

يمكن أن نفهم، أن السباق هو الحياة. طريق. ليس صعباً ليس سهلاً. بداية ونهاية. وعلى أطرافه جزر، ويسمح بالسير في جماعة. أي أنه يساعك أنت وغيرك. وبشكل أو بآخر فإن هناك تنافس بينكم حول ترتيب الوصول لخط النهاية.

والأرنب. هو أيقونة الموهبة. أبيض. بسيقان طويلة وأسنان جميلة. وجسد طري. هو بالبلدي “مزة” الحيوانات. وصاحب موهبة القفز، ورمز السرعة في انتخابات الغابة. ومدمن الجزر، رغم أنه لا يشاهد روتانا سينما. وفيلمه المفضل يحمل اسمه “أفواه وأرانب” حيث تبقى للأرنب موهبة التكاثر، فالأرانب لا تصاب بالعجز الجنسي.

والسلحفاة، أيقونة الدأب. جسد محشور داخل صندوق، ولدت كل سلحفاة بعيب خلقي غير قابل للعلاج. لم نرى سلحفاة دون صندوق إلا في أفلام الكارتون غير المنطقية. لا توجد مواهب لدى السلحفاة سوى الصبر. وهي موهبة لا تحظى بتقدير في الغابة. وهي لا تدمن شيء. وتأكل أوراق النباتات.

غير مسموح للسلاحف بالإفراط في الأكل. الصندوق يبقى بنفس الحجم. من الميلاد إلى الاستشهاد. ولا تتوافر أي معلومات عن قدرتها على التكاثر. لا يعرف أحد كيف يمكن ممارسة الجنس عبر صندوقين. لكن على ما يبدو فإن السلاحف لا تعاني من مشكلات جنسية.. حيث أن كل شيء لديها يأخذ وقت طويل وممتد.

إذن. ما الذي يمكن أن يحدث في الحياة التي هي السباق. بين موهوب وهو الأرنب. ودؤوب اسمه سلحفاة؟.

لأن “ربنا موجود”. ولأن قليل من العدالة مطلوب. فإن الجزر ينمو بشكل “شيطاني” على جانبي الطريق. هنا وهناك. ينمو الجزر وتسقط آشعة الشمس على أوراقه فتنعكس الصورة في عين الأرنب فيتوقف قليلاً للأكل. وينسى أمر السباق. وفي المقابل، فإن السلحفاة تحظى بفرص جيدة للتقدم خطوات.

وهكذا، يمكن أن تستقيم الحياة. مع أن العيش في حياة تحمل صفة “مستقيمة” أمر لا يبدو مهماً للبعض.

إذن يا أولاد. على الأرانب منكم أن يفهموا الفكرة. يتوقفوا لأكل الجزر. ويملأوا بطونهم إلا قليل، وهذه ليست دعوة لعدم الإسراف أو محاولة للتخلص من الكروش. لكنها فقط ملحوظة، أنه طالما هناك مزيد من الجزر على طول الطريق، فلماذ نتوقف لأكل الكثير منه في مكان واحد.. كل حبة جزر واحدة. ثم اقفز قفزة. وهكذا يمكنك بمزيد من التركيز أن تصل للنهاية في توقيت ملاءم.

أما السلاحف، فلها كل تقدير. تسير في منتصف الطريق، تشكر الله عن نعمه. وعلى ما ابتلاها به من عجز وبطئ. وتواصل المسير. وهو مجهود يجب أن يحظى في نهاية السباق بشهادة تقدير أو جائزة شرفية. لكن من الظلم أن يفوز لاعب غير موهوب.

على السلاحف إذن أن تثق (قليلاً) في عدالة السماء، وتنظر على أطراف الطريق، وتتوقف قليلاً للأكل. أن تتمرد على قوانين اللعبة. التمرد يكسب الموهبة. والأرانب مشغولة هي الأخرى ولن تلتفت لأمر سلحفاة، والسلاحف شعورها بالوقت أدق وأقوى من شعور الأرانب. فتأكل كل سلحفاة وتشرب ولا تسرف. وتواصل المسير، ومن الممكن فعلاُ أن تفوز بالسباق، لكنها ستصل وهي موهوبة في أمر ما. فلن يعترض أحد على منح الجائزة للاعب داخل صندوق. بل سيتم منحة شهادة تقدير إضافية باعتباره من متحدي الإعاقة.

الأكل الجانبي، يملأ بطن الأرنب فيصيبه بمرض الموهوبين الأول.. الكسل. لكنه بالنسبة للسلحفاة. فإنه يعطيها بعض القوة. دفعة للأمام. يشحنها بطاقة لحمل الصندوق الثقيل ومواصلة المسير بسرعة أعلى قليلاً. سرعة ربما لا يلحظها أحد. لكنها متراكمة. ومتواصلة. ومستمرة..

إذن. دعنا من الأرانب والسلاحف والجزر. ولنتحدث قليلاً عن البشر. حكمة القصة يا أولاد أن الدؤوب يغلب الموهوب. وأن عليك أن تعرف عن نفسك إن كنت أرنب أو سلحفاة. ثم تضع الخطة الملاءمة. الأرانب يلزمها صندوق بعض الوقت. قليل من القيود لن يضر، والسلاحف تحتاج إلى تمرد، وإلى خيال، وإلى طرح أسئلة افتراضية.. مثلاُ “هل يمكن كسر الصندوق؟” وما الذي حدث لسلحفاة فقدت صندوقها في حادث دعس من فيل شرير، هل ماتت بالفعل، أم أنها أصبحت رشيقة وقادرة على القفز. لكن بالتأكيد دون موهبة الأرنب.

على الأرانب أن يكتسبوا قليل من التواضع. وأن يعلموا أن بعض الناس تكرهها. معظم البيوت المصرية مثلاً تعاني من وجود أب لا يطيق أكل الأرانب ويمنع دخولها للبيت. دون سبب معروف. لكن في المقابل الأرنب من الوجبات المفضلة لدى النساء.. هيت لك.

وعلى الجميع أن يعيشوا في سلام. ويواصلوا المسير. وعلى الحيوانات الأخرى التي لا تشترك في السباقات المماثلة أن يعلموا إنه.. “يا بختهم”.

نقلاً عن مدونة “وأنا مالي”

اقـرأ أيـضًا:

البراء أشرف يكتب: ستة أسباب للحنين إلى “روبي”

البراء أشرف يكتب: عن الاضحاك كمسألة سخيفة

محمد عبد الرحمن يكتب : أستاذي البراء أشرف

وفاة البراء أشرف

.

تابعونا علي تويتر من هنا

تابعونا علي الفيس بوك من هنا