فيصل شمس يكتب: مفيش حاجة اسمها

فيصل شمس

في تحليل سريع للشخصية المصرية يمكنك أن تلتقط لمحات من الغرور الصبياني والجهل العلمي للبعض يتجلى في الجملة الشهيرة (مفيش حاجة اسمها ……….)

المذيعون والضيوف والأصدقاء والجميع أصبحوا يبدأون حديثهم بهذه الجملة حتى يمنعوك من مجرد التفكير في انتقاد كلامهم أو أن يكون لديك رأي آخر، (مفيش حاجة اسمها ……. ) ثم ضع بعدها أي شيء لتدل على قوتك ومعرفتك الكبيرة بشيء ما بشكل لا يقبل الجدل.

نرشح لك: عمرو منير دهب يكتب: لص الكرة الظريف.. الفصل الحادي عشر من كتاب “نُوْسِعُها ركلاً وحُبّاً”

(مفيش حاجة اسمها الشريعة الإسلامية- مذيع)

(مفيش حاجة اسمها مجانية التعليم – مذيع)

(مفيش حاجة اسمها سينما نظيفة – ممثلة)

(مفيش حاجة اسمها غشاء بكارة – شيخ)

(مفيش حاجة اسمها أوائل الخريجين – نائبة في مجلس الأمة)

(مفيش حاجة اسمها شغل في الحكومة – رجل أعمال)

(مفيش حاجة اسمها سي السيد – ممثل)

(مفيش حاجة اسمها الوحدة – ممثلة)

(مفيش حاجة اسمها محدش لاقي شغل – وزيرة)

(مفيش حاجة اسمها كده – مذيعة)

والقائمة تطول.. ولا تتوقف

هل تتصور كيف اقتنعنا جميعا بهذه الجملة وأحببناها وأصبحت “لبانة” في فم الجميع دون لحظة من التفكير في معناها المبطن بالغرور ونفي الرأي الآخر.

هل سيكون كلاما فلسفيا عميقا حين ألفت نظر الناس أن الشك والنسبية والتساؤلات هي بداية التفكير العلمي والتحضر، بل والهدوء النفسي، وهو ما يعني أن تلك الجملة الصارمة تدل على عدم وضوح الرؤية.

هل يعرف أصحاب هذه الجملة كيف أدت الاكتشافات العلمية والتي صنعها الغرب بالضرورة إلى اعتراف البشرية بعدم اليقين الذي يفتح كل يوم أبوابا من الاكتشافات التي لا تنتهي، بحيث يصبح التعالي بالمعرفة الكاملة ضربا من الخيال أو الجنون أو التخلف؟

في الحقيقة ترمز هذه الجملة إلى الخوف.

الخوف من المناقشة أو البحث، فقد أصبح الكسل العقلي طبعا مصريا أصيلا، فالناس لا تريد أن تفكر وسئمت من المناقشة، وفي هذه النقطة بالذات أعذرهم قليلا فالنقاش بين المصريين أصبح حالة عدمية، حيث يصمم كل شخص على رأيه بجحود.

لذا فقد انتقلنا من: الخلاف في الرأي لا يفسد للود قضية.

إلى: الخلاف في الرأي يفسد للود قضية.

إلى: لا مجال للخلاف في الرأي لأن رأيي هو الصحيح والنهائي وعليكم جميعا أن تتبعوه دون مناقشة.

ما الذي يحدث بحق الخوف من الجحيم؟

لم يعد هناك من جهد لاكتشاف الحقيقة، وممنوع أن تفكر في أنه قد يكون للرأي المختلف عنك فرصة للحصول على علامة صح وأنك قد أخطأت.. هذا هو المستحيل بعينه.

بل إن هناك ترويج مشحون بالعواطف والعزيمة والتصميم من أجل الاعتداد بالرأي حتى أصبح ذلك دليلا على اتباع أحدث موضات التنمية البشرية وأكثرها نشاطا.

وهو ما يذكرني بجملة تكررت في عدة أفلام سينمائية مصرية تقول (أنا مش أحسن من حد.. بس مفيش حد أحسن مني)؟؟؟؟ وهي رغم غرابتها ولا معقوليتها، لكن جميع من تبناها أخذها على محمل تمجيد الذات واحتقار الآخرين.

يقول الكاتب الأمريكي والمحاضر العالمي واين داير ” أعلى شكل من أشكال الجهل هو عندما ترفض شيئًا لا تعرف شيئًا عنه”

نحتاج إلى تعلم رياضة فكرية جديدة علينا، وهي أننا يمكن أن نخطئ وهذا دليل على القوة وليس العكس، ونزيح كل هذه الترهات الكلامية الجوفاء من أحاديثنا.

فيصل شمس