محمد صلاح البدري يكتب : "الترافيك" في غرفة العمليات

اصبح لزاما علي ان اعتذر كثيرا في الفترة الأخيرة..بل و ربما اتقمص دور المذنب الذي شعر بفعلته ..ف اتحدث بصوت خفيض ..واحني رأسي للأسفل لا لأتأمل الحذاء الذي ارتديه بالطبع.. و لكن حتي لا تقع عيني في عين محدثي وانا ابرر تلك الاخبار التي يكتبها بعض الاصدقاء -والتي لا  اساس لها من الصحة – طلبا لجذب الانتباه فقط.. و او زيادة عدد الزيارات لموقع اليكتروني ما.. او ما يسمونه “الترافيك”!!

وطبقا لقانون “الترافيك” فان خبرا مثل اختيار فلانا لتولي منصب ما لا يتم كتابته هكذا.. و انما تجد الخبر ” لن تصدق من الذي تم اختياره للمنصب.. للتعرف عليه ادخل هنا”.. ما الذي لا يمكن تصديقه؟ لا شيء فستجده اقرب المرشحين من الاساس.. انه قانون “الترافيك”

اما الاخبار المتعلقة بالأخطاء الطبية فقد اصبح الامر سخيفا و مملا .. فالخبر ذاته ينشر كل عدة ايام و لكن بأسماء مختلفة و وقائع متحولة بعض الشيء.. و لكنها نفس الاحداث تقريبا.. واصابع الاتهام ذاتها تشير الي ذلك الطبيب الذي اهمل و اخطأ و اجرم.. و كأنه يتعمد ان يؤذي مرضاه جميعا.. و لكن البعض منهم كان سعيد الحظ و شفي علي الرغم منه.. لابد و انه يتميز غيظا منهم الان.. اما البقية الباقية فقد وقعوا في شركه اللعين.. و ينالون عقابهم الان بين يديه!

المشكلة ان كثيرا من هؤلاء الاطباء قد اصبح يلومني و كأني انا صاحب الخبر.. بل و ربما انا من اوصيت بنشره في الجريدة.. البعض ينسي احيانا انني طبيب في الاساس.. و انني امتهن الكتابة علي سبيل الهواية وليس العكس..اذكر كيف كان والدي يعتذر لجيراننا حين كنت اقف في شرفة منزلنا ابصق علي المارة وانا في الخامسة من عمري..!الكل كان يعلم وقتها انه لم يأمرني بهذا …و لكنه مضطر ان يعتذر للجميع.. لم اشعر بما كان يشعر به الا الان.. لقد عاني هذا الرجل كثيرا…

الخبر المنشور هذه المرة ان مريضا قد دخل لاجراء جراحة لاستئصال ورم بالامعاء.. فوجد الاطباء ان الورم متشعب فقاموا بغلق الجرح ثانية..! الخبر يبدو اهمالا جسيما لدي العامة.. بل هو جريمة في حق هذا المريض.. و لكنه و للأسف الشديد يثير في نفوس الاطباء الشعور بالاشمئزاز من مدي الجهل الذي يتمتع به الناس.. فوقع الخبر في اذانهم هو ذاته ان احدهم كان ظمآنا فشرب!! و ما الغريب في هذا؟ و ما الغريب ايضا في ورم متشعب قد قرر الطبيب ان لا فائدة من استئصاله .. فقرر انهاء الجراحة التي لن تفيده و الاعتماد علي العلاج الكيماوي؟!

منذ شهور قليلة ايضا كان لزاما علي ان ابرر كيف ان مريض بالفشل الكلوي قد تم استئصال كليتيه تمهيدا للزرع في مركز المنصورة.. الامر طبيعي تماما حتي و ان كان يبدو للعامة غريبا..

لقد اصبح  الهجوم علي الاطباء معتادا  .. بل اننا قد نتسائل فيما بيننا ان توقف هذا الهجوم لفترة من الزمن..! هناك درجة من الظلم نعتادها حتي يصبح الاستغناء عنها صعبا.. بل غريبا!

المشكلة تكمن في اننا نصر ان نشرك غير المتخصصين في تفاصيل دقيقة ..لن يستطيعوا استيعابها الا اذا قاموا بدراسة الامر من بدايته.. و هو ما يعد مستحيلا.. و لذا فالعرض يكون دراميا و صحفيا من منطلق ” ولا تقربوا الصلاة” دون ان يكمل الاية.. فيصل الي عكس المعني!.. و لكن كل شيء يهون في سبيل “الترافيك”!!

لم يعد الهجوم علي الاطباء هواية او حتي بغضا من الجميع بقدر ما اصبح “سبوبة” لدي المواقع الاخبارية.. فالكل يعرف ان اخبار الاهمال الطبي تحقق عددا لابأس به من الزيارات للموقع..! ولهذا فبينما ينهمك صديقي الصحفي في الحديث معي حول مفهوم المهنية الصحفية.. و كيف ان العمل الصحفي ينبغي ان يكون محايدا غير منحاز.. تنشغل يده بكتابة خبر عن اهمال حدث في حق مريض في مستشفي.. لأن الطبيب لم يقم بقياس الضغط له يومان متتاليان.. مما اثر علي حالته الصحية الخطيرة.. و ترك في نفسيته جرحا لن يندمل!!

يخبرني صديقي الصحفي ان حق الرد مكفول للطبيب.. و ان اي دفاع او توضيح يرسله احد الاطباء سوف يتم نشره.. و لكنه يعلم ايضا ان تكذيب الخبر لا ينفيه مطلقا.. فقد كان يبغي زيارات للموقع.. و قد نالها.. فقط!

ان مكانا في قاع الجحيم قد تم تخصيصه لصحفيين الترافيك.. و لكنه وبالتأكيد.. افضل من المصير الذي اتمناه  لذلك الذي اخترع “الترافيك” نفسه …و الذي يجعلني احني رأسي خجلا مرات و مرات!!

 

اقـرأ أيـضًا:

وزير التعليم الجديد يحصل علي (صفر) في الـtyping

عكاشة: هيحصل بلاوي في 27 و28 و29 سبتمبر

البحث عن قرارات الرئيس في مقدمات إبراهيم عيسى

 نتائج التوقعات المرئية لتشكيل الحكومة المصرية.. مصطفى بكري 100% 

حزب أعداء “طالبة الصفر” مريم ملاك

فودافون لمدحت وحميد وأنوشكا: راحت عليكوا

.

تابعونا علي تويتر من هنا

تابعونا علي الفيس بوك من هنا