أحمد فرغلي رضوان يكتب: ويسألونك عن مطربة مصر الأولى

اندلعت مؤخرا حرب على السوشيال ميديا بين فانز عدد من المطربات المصريات، خاصة الثلاثي أنغام وشيرين وآمال ماهر، والسبب لقب “مطربة مصر الأولى.. من تكون؟”.

الجدل طبعا يطرح سؤالا حول طبيعة القياس: هل القياس حسب التاريخ الفني وعدد الأغنيات، أم حسب عدد الحفلات اللايف والحضور الجماهيري، أم حسب عدد المتابعين على السوشيال ميديا، أم على عدد مرات الاستماع على منصات الأغاني والمشاهدات على اليوتيوب؟.

نرشح لك: عمرو مصطفى: المطرب الذي لا يلحن لنفسه ليس فنانا

الحقيقة القياس صعب، ونجد اسم المطربة سيتغير حسب كل قياس، مثلا  في عدد الحفلات داخل وخارج مصر تأتي أنغام في المقدمة هذا العام، وأيضا في عدد الأغنيات التي صدرت، فهي تسبقهن في سنوات احتراف الغناء أيضا. في حين تراجعت حفلات شيرين وأمال ماهر اللايف بسبب الأزمات “الشخصية” لكل منهما.

وإذا ذهبنا للقياس حسب عدد المتابعين في مواقع التواصل الاجتماعي، تأتي شيرين عبد الوهاب في المقدمة، وهي أيضا تتفوق في عدد مرات الاستماع على مختلف المنصات، في حين يرى آخرون أن آمال ماهر لا تزال أفضل وأقوى صوت ظهر في العشرين سنة الأخيرة، وكانت في سنوات سابقة المطربة الرسمية في حفلات الدولة.

لذلك نقول إن لكل مطربة جمهورها ومريديها وأيضا اللون الغنائي الخاص بها، والأهم الظروف المحيطة بمسيرة كل مطربة، والتي ألقت بظلالها على مسيرتها. والوحيدة الأقل تضررا من تلك العوامل السلبية المحيطة في السنوات الأخيرة كانت أنغام، لذلك كانت أكثر استقرارا وإنتاجا بينما شيرين وآمال ماهر الأكثر تضررا بسبب المشكلات الشخصية وتأثيرها، مثلا أتذكر أن أمال ذات مرة قالت لي “ماليش نفس أغني”، بالطبع ممكن أن تؤدي الحالة النفسية لاختفاء الفنان وابتعاده، وهي الآن أفضل نوعا ما ويتبقى أن تعود للغناء.

أيضا شيرين الآن بدأت تعود شيئا فشيئا وتبقى عودة “الروح” لها كما كانت قبل سنوات، وهي موهبة كبيرة تستطيع الاستمرار لسنوات لو أحسنت “إدارة” موهبتها والابتعاد عن إطلاق تصريحات عشوائية تجلب لها المشاكل.

وحتى اللحظة الجدل في صعود وهبوط وتجدد من وقت لآخر حول من تستحق لقب مطربة مصر الأولى، بل ودخل على خط الجدل بين جمهور المطربات مواقع صحفية ونجوم غناء ليطلقوا اللقب على من يفضلون من بين الأسماء الثلاثة، أبرزهم أحلام وهاني شاكر عندما اختاروا أنغام.

ولكن المفاجأة أن أصواتا كثيرة من الجمهور ذهبت بعيدا جدا عن الثلاثي، وقالت إن أغلب الجمهور الآن يستمع إلى مؤديين الراب والمهرجانات وشعبيتهم هي الأكبر في الشارع المصري وعلى منصات الاستماع!

بالطبع الأسماء الثلاثة محل الجدل الجماهيري من أهم الأصوات في مصر والعالم العربي، ولكن الاستمرار والنجاح يحتاج لحسن إدارة منهن إلى جانب عوامل الاستقرار الشخصي والنفسي.

طبعا من الصعب أن يكون هناك إجماع مثلما كان في الماضي على اسم مطربة واحدة نجحت لسنوات في تصدر المشهد الغنائي في مصر والشرق الأوسط مثل أم كلثوم، التي نجحت بجدارة في صناعة مؤسسة فنية وأدارتها باقتدار، وجعلت لنفسها قيمة كبيرة في المجتمع المصري والعربي، والأهم كانت حريصة على أن تبعد حياتها الخاصة بكل ما فيها عن الإعلام، لم يشاهد الجمهور سوى أم كلثوم المطربة فقط على المسرح، ولم تطغى أخبار حياتها الخاصة على أخبارها الفنية.

ووصلت إلى أنها أصبحت ظاهرة اجتماعية مصرية وعربية ينتظر الجمهور من المحيط إلى الخليج سماع حفلاتها، ونجحت في تقديم شخصية المرأة الواعية التي يمكنها تثقيف الجماهير، من خلال أغنياتها.

أم كلثوم صنعت تلك القيمة الفنية بذكاء فطري وثقافة “السمع والتعلم” من كبار المثقفين والصحفيين الذين اقتربت منهم، لم تكن متعلمة ولا حاملة لشهادات جامعية ولكنها حرصت على التعلم من الشخصيات الذين التقتهم في حياتها، حتى أصبحت لديها القدرة على الحديث بحكمة وفهم ووعي لمجتمعها، يقولون عنها “ثقفت نفسها بكل الطرق الممكنة”، ولم تترك نفسها للعشوائية التي يقولون عنها الآن “تلقائية وعفوية”!!

توجد مواهب كثيرة في مصر ولكن الإدارة لتلك المواهب مشكلة كبيرة تواجه أغلب الفنانين، وتؤثر بشكل مباشر على الاستمرار والنجاح، إلى جانب أنهم غير محظوظين بعدم وجود شخصيات مبدعه في عالم الموسيقى مثل الماضي تتبنى موهبتهم وتساعدهم على الإبداع.