محمد فتحي يكتب: وقائع ما فعله (ميكي) بعد النكسة!

محمد فتحي

(1)

الخميس 8 يونيو 1967

هل يبطئ الحزن خطواتنا؟.. يفكر (فتحي) في الأمر وهو في طريقه للمعلم (رشوان) صاحب (فرشة) الصحف الكبيرة بجوار مدرسة الظاهر الثانوية. كان السؤال غريبًا لكنه حمل تفسيره الشخصي لبطء حركته رغم كونه واحدًا من أسعد أيام الأسبوع، حيث يذهب بعد صلاة الفجر للمعلم رشوان ويأخذ منه الصحف التي سيبيعها في (مكتبة) أسسها والده، الشيخ (عبد السميع مهدي عبد العال)، والذي يحافظ على زيّه الأزهري داخل مدرسة (الشرابية) الابتدائية، مدرسته التي بناها، ثم أصر – بعد التأميم – أن يكون مدرسًا بها لإخلاصه الشديد لرسالته في التدريس.

وكان فتحي أكبر أبنائه في الثامنة عشر من عمره آنذاك، يعشق يومي الأحد والخميس، حيث الموعد الأسبوعي لمتعته الشخصية التي عرف طريقه إليها قبل سنوات.. (سمير) و(ميكي). شيء ما في خطواته المتثاقلة اليوم يجعله يستريح للإجابة بنعم.. هو الحزن إذن. حزن مقيم لم يبرح روحه منذ عرف حقيقة البيانات التي ألقاها أحمد سعيد، حيث اتضح له أننا لم نرم إسرائيل في البحر، وأن طائراتنا لم تتوغل في العمق، ولم نحرر فلسطين من الصهاينة. كانت (نكسة) بحق، وزادها ألمًا أن (عبد الناصر) لم يتحدث بعد. لم يخرج ليفهمنا ماذا حدث. وكان الجميع على استعداد لتصديقه، لكنه – حتى هذا اليوم – لم يفعل.

يصل فتحي إلى المعلم رشوان. يطلب منه الأخبار والأهرام والجمهورية.. وبفضول من خط الشارب بعلاماته أسفل أنفه في أول اعتراف رسمي بمغادرة الطفولة، يسأله عن ميكي، ويقول في قرارة نفسه لو لم يتحدث (عبد الناصر) ربما يفعل (ميكي).. يتطلع بلهفة للغلاف منتظرًا أن يجد ميكي يحارب أو يخرج يغادر صفحات المجلة ليربت عليه، لكنه بدلًا من ذلك يجد العنوان الكبير بجوار الغلاف: (حلقة جديدة لسوبر بندق)!

(2)

سنوات متفرقة قبل ذلك!

كانت (ناديا نشأت) جميلة بحق، ومنطلقة كما لم يفعل أي من أفراد عائلتها. ناديا هي التطور الطبيعي لعائلة (جورجي زيدان) مؤسس دار الهلال، وهو نفسه قصة تستحق أن تروى. ذلك اللبناني المسيحي الذي جاء إلى مصر ليدخل الطب، لكنه ترك الكلية ليعمل في الصحافة ويكتب الأدب، فينجح في فرض أسلوبه، ثم ينشئ مؤسسة صحفية أسماها دار الهلال، واتخذ لها موقعًا فريدًا في شارع (المبتديان) حيث الفيلات والأشجار وعلى بعد أقل من ثلاثمائة متر المدرسة السنية، أول مدرسة حكومية مجانية لتعليم الفتيات في مصر.

بثقة راح جورجي زيدان يصعد لسلم المجد في الصحافة المصرية، وكانت مجلتي (المصور) و(الكواكب) من أهم الصحف المصرية آنذاك، في الوقت الذي لم يستطع المناص من نداهة الأدب، فأهدى المكتبة العربية العديد من الروايات التي تخصص فيها في (التاريخ الإسلامي)، وأصر في الوقت ذاته على ألا يحرمه الأمر من متعة الصحافة، ولا أن يحرم أبنائه منها، فجعلهم يشاركوه إدارة (دار الهلال)، ثم ها هي حفيدته (ناديا نشأت) المطلعة على المعارف المختلفة، والعاشقة للأطفال، مصرية الأب لبنانية الأم قومية الهوى، تقرر أن تصدر من الهلال مجلة أطفال متميزة، وتنشر في الصحف حاجتها لكتاب أطفال يساعدونها في الإصدار الجديد، فتتعرف على (نتيلة راشد)!

يا الله.. كان الاسم غريبًا بالفعل، حتى إن صاحبته تعرضت للتنمر في صغرها، فلم يكن أصدقائها في المدرسة يعرفون كيفية نطقه، ويستسهلون أن ينادونها: (إنتي)! الأمر الذي آذاها وأبكاها وجعلها تترك مدرستها العربية، وتلحقها أمها (حكاءة القصص البارعة) بمدرسة أجنبية كان سهلًا على جميع زميلاتها الجدد أن يقرأن اسمها وينطقونه بشكل سليم، وكان جميلًا منها أن توضح لهم أنه اسم لإحدى عمات الرسول، وهكذا اجتمعت (نتيلة) مع (ناديا نشأت) و(عفت ناصر) و(عايدة طاهر) للتحضير لمجلة أطفال (مصرية) لكنها لا تنظر بعيدًا عن (العالم) وتهتم بالقصص المصورة (الكوميكس)، وتراعي (خفة الدم).

وبالفعل اجتمعن لأشهر، وفكرن، وصممن، وناقشن، واختلفن، ثم اتفقن على اسم المجلة (سمير).. والذي جاء من (السمر) ومعناه (الذي يتحدث في أوقات السمر). وكأنهن أردن أن يكون لاسم (البطل) ارتباطًا بالتسلية وخفة الدم، وكانت (العامية) هي البطل، وكان سمير -بشعره المجعد ووجهه الممتلئ- طفلًا مصريًا أصيلًا، يهوى المقالب في صديقه (تامر) الشهير بـ(تهته)، وكان من السهل على (ناديا نشأت) أن تأتي بالرسام الفرنسي (بيرني) ليرسم غلاف العدد الأول، وتكون القصة المسلية في العدد الأول باسم (سمير الحويط وتهته العبيط)، ويصدر العدد الأول من (سمير) يوم الأحد 15 أبريل 1956.. وفي رابع أيام رمضان.. وناديا ورفيقاتها يسألن أنفسهن: هل تنجح المجلة؟

 

نرشح لك: نكسة يونيو.. كيف عالجت سينما يوسف شاهين الهزيمة؟

(3)

الخميس: 8 يونيو 1967

في طريق عودته للمكتبة، رد (فتحي) السلام على سائق خط (93).. الأتوبيس الذي يبدأ رحلته من مسجد عمرو بن العاص ويمر بشارع مهمشة في الشرابية، ثم يصل لخط النهاية في محطة (الشيخ رمضان)، وعلى الرغم من الوقت المبكر، إلا أن (الدكاكين) في تلك الفترة كانت تفتح مبكرًا وتبيع مبكرًا، وكان (زبون الصبح) كما يطلق عليه، يحتاج إليه في طريقه لعمله، لكن فتحي نفسه كان يحتاج لشئ آخر، وهكذا قرر أن يتنحى جانبًا ويعطي ظهره للشارع متجنبًا مشاهدة الناس، ليتصفح (ميكي) باحثًا عن أي أخبار عن النكسة.. ما هذا؟ “ميكي قاهر الزمن”! يقلب الصفحات في سرعة: “ياسر وحرب الكواكب”! وما أخبار حربنا نحن؟! “اللعنة وألف لعنة” يقولها فتحي مثلما يفعل القبطان (هادوك) في مغامرات تان تان التي لطالما قرأها.. يصرخ بها (جندي) مصري يعود في الصحراء سيرًا على الأقدام محاولًا التماس الطريق إلى أقرب وحدة يسلم فيها نفسه دون أن تلمحه طائرات العدو، ويلوح قائد السفينة ليبرتي بيده في الهواء صارخًا بعبارات بذيئة والهليكوبتر الإسرائيلية، وطائرات أخرى تطلق النيران على طاقمه والجنود الأمريكيين على متنها.

يتخذ فتحي طريقه عائدًا إلى المكتبة وهو يشعر أن (ميكي) قد خذله، ومع ذلك يواصل التصفح، ويعرف قائد ليبرتي أن الرصاص لن يتوقف حتى يبيدون طاقمه الذي جاء به للتجسس قبالة العريش، فاخترقت الاتصالات الإسرائيلية، وعلمت أن الإسرائيليين اخترقوا بدورهم الشفرة المصرية الأردنية، وهكذا قاموا بتغيير فحوى الرسائل المتبادلة بين الجانبين.

يقرأ (فتحي) اسم (محمد المحمدي غريب.. طنطا.. عضو شرف نادي المغامرات) فيتساءل: هل يمكن أن يكون والده ضمن (المهزومين)؟! يتذكر قائد ليبرتي نتائج تجسسه فيجد أن الرسالة التي فحواها “إن الجيش المصري في سيناء يواجه موقفا عسكريا صعبا لا يستطيع معه أن يقدم أي مساعدات لها قيمة للجبهة الأردنية، وأن الطيران المصري بدوره تعرض لضربة إسرائيلية تعوق قدرته على الوصول بأي تأثير إلى الجبهة الأردنية”، قد اعترضتها المحطات الإسرائيلية، وقامت بصياغتها على النحو التالي: “إن الموقف العسكري في سيناء جيد للغاية، وضربة الطيران الإسرائيلي ضد مصر فشلت وخسرت فيها إسرائيل ثلاثة أرباع قوتها الجوية، وهناك ثلاثمائة طائرة مصرية جاهزة للعمل”! وهكذا.. بدا الموقف للأردن أن مصر لا تحتاج مساعدة وأن هناك انتصارًا كبيرًا على الجبهة فلم تتدخل لأي مساعدة من أي نوع.

بينما وجه الرئيس الأمريكي (جونسون) تحذيرًا لإسرائيل التي وعدته بألا تكون البادئة بالهجوم، وكشف لها عما يعرفه، فأدركت إسرائيل أن هناك من يتجسس بالقرب، واكتشفت ليبرتي، فقصفتها، وقتلت 34 من طاقمها، وجرحت 54 قبل أن تتوقف وتسأل قائدها: “هل تحتاج شيئًا”؟.. يرد (فتحي) على جارهم الذي رآه واقفًا وأعرب عن قلق عليه: “شكرًا.. كنت أقرأ شيئًا فقط”. ولا يصدق قائد ليبرتي أن النجدة لم تصله خلال 16 ساعة كاملة، ولم يصدق (فتحي) أيضًا أن (ميكي) لم يقل شيئًا، وفي طريق عودته أسرع الخطى هذه المرة، ولم يشف غليله قصيدة شعر كتبها (مجدي نجيب) في ميكي بعنوان (سننطلق): “راية العرب.. عيونها لهب.. تمزق العدو في غضب”.. يقلب الصفحات فيرى بطوط في (رحلة إلى مدينة الفضة).. ويصل للمكتبة أخيرًا.

 

يلهث في شدة، وينفخ في غضب، ويفتح المجلة مرة أخرى وكأن شيئًا سيتغير. والغريب أنه فعلًا لم يكن قد لمح جزءًا كبيرًا مكتوب عليه: “واجبك”!.. قرأه في سرعة ليجدها نصائح تبدأ بـ “ونحن نقف اليوم هذا الموقف الوطني التاريخي في مواجهة العدوان على بلادنا العربية، يجب أن يثبت كل منا أنه المواطن الجدير ببلادنا العظيمة، والمطلوب من أولادنا وبناتنا اليوم مطالب كثيرة، يمكنهم أن يسهموا بها في معركتنا الكبيرة”. تهيأ (فتحي) للمطلوب واستكمل القراءة: “من الواجب أن تكون في كامل الثقة بنفسك في لحظات الخطر، حتى تتمكن من السيطرة على أعصابك وتهدئة الموجودين حولك / لاحظ في وقت الغارة أن تكون كل الأنوار حولك مطفأة / حاول أن تسرّي عن أخوتك الصغار / كون جمعية من زملائك وابدأوا بتكوين (علبة إسعاف) بها كل أدوات الإسعاف الأولية لحالات الطوارئ السريعة / إذا كنت فتاة فيمكنك الاشتراك في دراسة للإسعاف تفيدك في وقت الخطر.. وفي الأحوال العادية”.

في نفس اللحظة كانت (أم كلثوم) تستعد للذهاب إلى الإذاعة المصرية لتسجل أغنيتها الجديدة: “سقط النقاب عن الوجوه الغادرة، وحقيقة الشيطان بانت سافرة / فلنضربن بكل كف قادرة/ ولنرمين بكل روح هادرة”.

لم يستكمل (فتحي) القراءة.. حتى بعد أن وجد مغامرة سوبر بندق، لكن عينه تعلقت بقصة بعنوان (أغصان الزيتون) كتبها (سيد حجاب). وسأل نفسه: هل هناك مكان لأغصان الزيتون وقت الهزيمة؟ عاد مرة أخرى إلى (واجبك) ليستكمل ما كان لعله يجد إجابة فوجد: “املأ المنطقة التي تعيش فيها بالحماس، وأغاني الحماس الوطنية!”.

تصدح أم كلثوم في نفس الوقت من كلمات عبد الفتاح مصطفى وألحان بليغ حمدي: “إنا فدائيون/ نفنى ولا نهون إنا لمنتصرون/ لا لا تفاهم في القتال اليوم لا بترول بعد ولا قنال/ تسعون مليونا زحفنا للقتال”. يقرأ فتحي: “أرسل مع زملائك رسائل تشجيع وتأييد إلى جنودنا في الجبهة.. لنشعرهم بقلوبنا وهي تلتف حولهم”. صمت فتحي قليلًا.. ناول أحدهم احتياجاته، وحين سأله: “عايز كام يا ابني” غنّى: “يا ويل عدو الدار.. من ثورة الأحرار.. إحنا عرب شجعان ما حد فينا جبان”.

تطلع الرجل إليه بنظرة بلا معنى، ثم ترك ما اشتراه بلا كلمة واحدة وانصرف! صمت (فتحي) قليلًا شاعرًا بالخذلان، لكنه استجمع نفسه سريعًا وهتف للرجل وكأنه يلقي حجرًا على ظهره: “إن مات شهيد وشهيد.. الجنة ليهم دار.. الجنة ليهم داااار”.

(4)

أبريل 1956.. دار الهلال

بعد انطلاقة ناجحة لمجلة (سمير) كان من الواضح أن حجرًا ألقته نادية نشأت ونتيلة راشد في المياه الراكدة. قبل ذلك لم تكن هناك مجلات أطفال يمكن أن يطلق عليها مجلات أطفال مصرية ناجحة وجماهيرية، رغم شهرة بعضها، (سندباد) مثلًا كانت تصدر عن دار المعارف لكنها لم تكن بنفس (طزاجة) مجلة (سمير) وأفكارها وتنوعها، والواقع أن ناديا نشأت ونتيلة راشد وعفت ناصر وعايدة طاهر أبرمن اتفاقات مهمة مع عدد من كبار الكتاب والرسامين المصريين، والأجانب الذين كانوا يقيمون في مصر في هذا الوقت؛ أسماء مثل نجيب محفوظ ويوسف السباعي وعبد الرحمن الشرقاوي كان يمكنك أن تجدها ببساطة في مجلة سمير.

رسامون مثل بهجت واللباد وحجازي وزهدي وتاعب وبيكار، ومعهم الفرنسي الشهير (برني)، والعالمي بحق (روجيه كميل) وجدوا متنفسًا حقيقيًا لهم، وكانت (ناديا) من الذكاء بحيث تستعين بقصص عالمية أيضًا ليقرأها أطفال هذا الزمن، لكن بعد عدة أعداد كان لا بد من مراجعات سريعة للتجربة أسفرت عن العديد من القرارات، فعلى سبيل المثال: “سمير الحويط وتهته العبيط” اسم غير تربوي.. فليصر اسمها “مغامرات سمير وتهته”.. فقط. ثم ماذا يجب أن يقرأ أطفالنا؟ إنهم يحبون (ميكي).. تجارب مجلات الأطفال الأخرى السابقة في الأربعينات مثلًا نشرت (ميكي) بصبغة مصرية عجيبة، ودون إذن من (ديزني)!.. فقد رسمها بعض الرسامين المصريين، ومصّروا بعض المغامرات، ولم تنشر على شكل قصص مصورة (كومكس)، وإنما على شكل رسوم تعبيرية، أو كما يسميها المتخصصون (الستريشن).. حسنًا.. فليأت (ميكي) إلى (سمير) لتتجاور المغامرات، وتتعدد الثقافات، لا سيما ونحن سننشر “تان تان” البلجيكية الشهيرة لهيرجيه، ومسلسلات عالمية أخرى مصورة لا يقرأها أطفالنا في مصر.

هكذا فكرت ناديا نشأت، وهكذا قبلت -على مضض- نتيلة راشد، وكان الأمر من السرعة بحيث احتوى العدد الثالث من سمير، بتاريخ 29 أبريل 1956 على قصة كومكس لميكي، الذي وجد نفسه (ضيفًا) على مجلة سمير، وكان يمكن أن يكون ضيفًا خفيفًا، لولا ما حدث بعدها بعدة أشهر، وتحديدًا: “العدوان الثلاثي”.

(5)

15 يونيو 1967

جرت مياه في النهر.. وأمواج في الشارع.. خلال هذا الأسبوع.. خرج الجميع يرفضون تنحي عبد الناصر، وكان (فتحي) معهم، رغم قسوة اعتراف (ناصر) بالهزيمة، ورغم أنه سمى (زكريا محيي الدين) نائبه، رئيسًا للجمهورية. سامح (فتحي) ناصر، وميكي، واعتبر أن هذا الأخير قدم له اعتذاره عن العدد الماضي في غلاف العدد الجديد الذي هو عبارة عن وجه عبد الناصر يملًا الصفحة، ومن حوله وجوه العديد من الأطفال.

ولم يكن ميكي موجودًا في العدد سوى (اسمًا).. فلا صورة له، ولا مغامرة، ولا لوجو، ولا حتى أصدقاءه في عالم ديزني. لم يكونوا ليعبروا فعلًا عنا وعن غضبنا في تلك اللحظات. سيعودون حتمًا لكن هذا هو وقت “منير البطل الصغير” كما حكاها منير كامل ورسمها بهجت.. هذا هو وقت أن نعرف “سلاح البترول” كما كتب (محمود سالم).. يااااااه.. “أنا أعشق محمود سلام”.. يقولها فتحي متذكرًا ما كان، ويكمل تصفح العدد: “يا الله .. من محمود درويش هذا الذي تكتب عنه صافي ناز كاظم: البطل السجين”؟!. يسأل ويقرر البحث عن الإجابة في سطورها التي تتحدث عن الشاعر السجين الذي يبلغ من العمر 28 عامًا ويحمل قضية فلسطين في قلبه، ويعاقب بها، ثم ها هي رسالة من (أطفال الوطن العربي) عنوانها: “إلى والدنا الحبيب.. إلى أب العرب القائد الرائد أبو خالد”.. ويكتبون فيها إلى جمال عبد الناصر المرسوم رسمًا كرتونيًا: “يا جمال.. نحن أطفال العرب.. نعلن فرحتنا وسعادتنا لنزولك على إرادة جماهير وقادة الأمة العربية كلها، وبقائك كما أنت”.. تجري أعين فتحي على السطور فيقرأ على لسان الأطفال: “نعاهدك يا جمال أن نعرف دورنا في النضال، وسنجتهد في دراستنا، في ميادين العلوم والاختراع والفن، لنكون جيلًا من العلماء.. جيلاً باسلًا تفخر بنا.. وسنبني وسنبني وسنبني”.

بعد أن انتهى من قراءة الخطاب المنشور على صفحة كاملة، كان قرار (فتحي)، قبل أن يكمل حتى قراءة العدد.. أنه لن يستكمل دراسته في الثانوية العامة التي تعثر في سنتها الأخيرة، بل سيذهب إلى هناك.. إلى الجيش المصري.. وكان هذا قرارًا نهائيًا منه.. سيتطوع في الجيش، لكن أولًا: سيقرأ قصة (الجاسوس) التي كتبتها رجاء عبد الله، ورسمها أبو طالب.. في طريق عودته لبيته، تمنى فتحي أن يمسك بجاسوس هو الآخر مثل بطل القصة، وشعر بامتنان كبير هذه المرة تجاه (ميكي).. وغيابه.

(6)

نهايات 1956 وأعوام تالية!

بعد العدوان الثلاثي شعرت (نتيلة راشد) أن ثمة أشياء عديدة يمكن تقديمها.. تحدثت مع (ناديا نشأت) عن هذا الخط الذي يجب أن يتراجع في ظل تلك الأحداث. هذا البطل الأجنبي الذي يتسلل إلى مجلة سمير وصار بطلًا أساسيًا معه بشكل أو بآخر في وقت نتحدث فيه عن مواجهة الاستعمار، ثم هذا التوجه الذي يجب أن نغرسه في أطفالنا. كانت نتيلة راشد خريجة كلية الآداب وقد درست علم النفس والفلسفة لكنها تخصصت في الكتابة للأطفال، وقررت أن تكمل حياتها في (سمير).. هو مشروعها الذي لا يمكن أن تتخلى عنه أبدًا، ورسالتها التي ستكملها مهما حدث. وجد كلام (نتيلة) صدى عند (ناديا)، لا سيما وهي تؤكد لها أننا يجب أن نقاوم بطريقتنا مثلما يقاوم الجميع. لكن ( ناديا) كانت عنيدة، وتحلم بنقل كل ما رأته في العالم لذلك الطفل المصري الذي يحارب الاستعمار، وكانت رؤيتها أن (التنوع) الذي تعيشه مصر يجب أن ينعكس على ثقافة الطفل المصري، وانحازت لرأيها (عفت ناصر) التي كانت تعشق (ميكي) وتترجم بعض أعماله، واستمر النقاش لتنجح (نتيلة) أحيانًا في إضافة أبواب جديدة للمجلة، وزيادة المساحة المخصصة للفنانين والكتاب المصريين والتي تربط الأطفال بواقعهم وتحاول أن تغرس فيهم منظومة قيم تتناسب مع هذه الفترة التاريخية، بينما كانت الفكرة التي لمعت في ذهن (ناديا) هو: لماذا لا نقدم مجلة أخرى للأطفال؟.. لماذا لا نستعين بـ(ميكي) نفسه ليفعل ما تقوله نتيلة، وفي نفس الوقت يقدم (التسلية) و(المتعة) ونستفيد من شهرته العالمية.. وبعد عدة مراسلات مع (ديزني) عرفت ناديا أنها من الممكن أن تحصل على حقوق عالم ديزني في مصر. وكان الأمر مغريًا بحق، مغريًا للدرجة التي جعلتها تضع الأمر موضع التنفيذ، وتشرع في (منافسة نفسها) لتقدم مجلة (ميكي).. لكن من سيقدم ميكي؟ وهل سيقبل القارئ المصري بمجلة كاملة أجنبية في هذه الفترة؟.. من صار له رصيدًا كبيرًا يمكن الاعتماد عليه في تقديم (ميكي) للقارئ المصري؟.. وكانت الإجابة بسيطة.. (سمير) نفسه سيفعل، وبشكل واضح.. وهكذا.. وفي 17 أبريل 1958 بدأت (ناديا نشأت) في تنفيذ خطتها، لتقدم عددًا خاصًا بعنوان (سمير يقدم ميكي).

وتوجد ميكي على الغلاف بالطبع.. مع لوجو (سمير) وبدون أي ظهور لأي شخصية من شخصيات سمير، ويلفت النظر وجود مربع تم التأكيد فيه على أن العدد “باتفاق خاص مع مؤسسة والت ديزني العالمية”، وفي الغلاف الداخلي (بطن الغلاف كما يسميه البعض) كانت هناك شخصيات متعددة من عالم ديزني، وأسفل الصفحة رسالة تقول: “أعزائي.. يسرني أن أقدم لكم زميل جديد وأصدقائه في عدد خاص، ورجائي أن تقلب صفحة 7 لأعرفكم على هذا الزميل.. ولكم حبي” والتوقيع: سمير.. وفي صفحة 7 كان سمير موجودًا بالفعل ليقدم هذا الزميل واصفًا (ميكي) بـ (أخي وزميلي) وناصحًا القراء بأن يضغوه في “مكان مغلق حتى لا يتسرب منه ويخرج، وأفضل شيء أن تضعوا العدد كله في مصيدة”.

كان العدد يواكب احتفالات عيد الفطر، وبدا الاحتفاء مبالغًا فيه حيث توارى سمير كثيرًا عن الأنظار في هذا العدد، ولم يقدم سوى “دونالد دك” العم الطيب، و”هايواتا” الذي عرفه بأنه طفل من الهنود الحر، و”بلوتو” و”جوفي”.. وبعد قصة مصورة كتبت نتيلة راشد قصة العدد “من دروس الحيوانات”.. كتبتها باسمها المحبب إليها والذي عرفت به طيلة حياتها: “ماما لبنى”، والذي اعترضت عليه الفنانة (لبنى عبد العزيز) ظنًا منها بأنها تقتبس منها الاسم وتستغل نجاح برنامجها الشهير للأطفال في الإذاعة المصرية، لكنها تراجعت تمامًا وكفت عن الكلام عن الأمر لما عرفت أن “ماما لبنى” كاتبة أطفال محترفة، وأن سبب التسمية هو أن ابنتها بالفعل اسمها “لبنى”، وكانت ماما لبنى من الذكاء بحيث تصلح خطأ تربوي بسيط في نفس العدد الذي حذر من حفظ (ميكي) بعيدًا عن القطط، وكأن المجلة ستعادي القطط، أو أن ما سيترسخ في أذهان الأطفال هو أن القطط ستأكل شخصيتهم المفضلة، لتقدم قصة بطلها قط في نفس العدد، والكل يتعلم منه!

وطوال العام صدرت أربعة أعداد أخرى بنفس الطريقة، كانت بمثابة الترويج للمجلة الجديدة التي ولدت بالفعل في الأول من يناير عام 1959 باسمها الذي استقل عن سمير، لتصبح لدينا أخيرًا مجلة (ميكي )، بكل عالمها الذي كان لـ(ناديا نشأت) الفضل في تمصيره ، فهي التي حولت دونالد إلى بطوط .. وجوفي إلى بندق .. وميني إلى ميمي .. وهي التي وضعت الأساس المتين لهذه المجلة.

وتولت ( عفت ناصر ) مسئولية مجلة (ميكي) آنذاك، بإشراف ناديا بالطبع، والتي ظلت على عهدها تنشر قصصًا عالمية في (سمير)، وتحاول التمصير قدر الإمكان، وتسند لـ(نتيلة راشد) إدارتها التنفيذية، وتستعين بكل الأسماء التي يمكن أن تتخيلها من كتاب ورسامين مصريين وعالميين لتقدم ( خلطة ) مصرية أصيلة، لكن اللافت في العام 1959 هو شيئين؛ الأول: زيارة ناديا لـ(ديزني لاند) التي تمنت أن تكون موجودة في مصر. وقبلها بأسابيع: تعيين (صحفي) جديد يعمل في (الديسك) كصحفي مراجع بمجلة المصور، وكان هذا ( المراجع) كنزًا مختبئًا في دهاليز الدور الثاني بدار الهلال، واسمه محمود .. محمود سالم.

(7)

قبل 89 عامًا من العام 1959.. وما تلاها!

كان الأمر مهمًا لدرجة أن وزير المعارف رفاعة بك رافع الطهطاوي هو من تصدى له. مجلة للأطفال بعيدًا عن المناهج الدراسية الجافة التي يتعامل معها الطلاب بحيث تكون كروضة لهم يمرحون بين صفحاتها، وفي العام 1870 صدرت مجلة ( روضة المدارس) لتوزع على الطلاب في المدارس، وتحرر بلغة عربية فصيحة، ولم تكن ( المكتبات ) بالشكل المتعارف عليه الآن، ولا المعارف متاحة بقدر يجعل الأطفال يعرفون ما يحدث حولهم بسهولة، ولا الأعلام الذين يجب أن يتعرفوا عليهم من بلدهم، وهكذا.

وفي الحادي والعشرين من أكتوبر عام 1897، أصدرت جمعية التأليف العلمية مجلة (السمير الصغير)، لتقدم للأطفال وقتها تراجم عن حياة بعض المشاهير مثل علي باشا مبارك وإسحق نيوتن ولويس باستير، وحتى لا يتحول الأمر إلى مادة علمية جديدة تشبه المواد التي يدرسونها، قدمت المجلة قصصًا توجيهية وأخلاقية تحاول أن تجعل قراءها يعتمدون على أنفسهم، وتذكرهم بعظمة أجدادهم الفراعنة، وحضارتهم العظيمة، وتوالت الإصدارات بعدما عرفت صحافة الأطفال طريقها إلى مصر والمصريين، وفي كل تجربة كان هناك تطوير جديد يحدث، ففي العام 1924 مثلًا صدرت مجلة (النونو) وكانت أول صحيفة أطفال تستخدم الألوان في صفحاتها، وأصدر حسين شفيق المصري مجلة الأطفال المصورة قبل نهاية هذا العقد، وكان من الوارد أن يتحمس أحدهم لاستثمار نجاحه في هذا المجال، لينشئ مجلة أطفاله الخاصة، مثل محمد صادق عبد الرحمن الذي كان يقدم برنامجًا إذاعيًا باسم (بابا صادق) فيصدر مجلة تحمل نفس الاسم عام 1934، وكان من اللافت أن صحافة الأطفال، رغم نجاحها في البداية، إلا أن عمرها قصير بعض الشئ، الأمر الذي يجعل بعضهم من الممكن أن يصدر إصدارًا لا يستمر أكثر من عام، وربما عدة أعداد، وعلى الرغم من ذلك، تجده (يستثمر) مرة أخرى في نفس المجال .. صحافة الأطفال !! .. حدث ذلك مثلًا مع ( أحمد عطية ) الذي أصدر مجلة (الأطفال)، وبعدها بأقل من عام أصدر (ولدي)، وكان لرائدات الحركة النسوية في مصر دور كذلك في هذه المجلات، فنجد درية شفيق تلحق مجلتها بملحق خاص للأطفال باسم (الكتكوت) وكان ذلك في العام 1946. ليأتي الإذاعي الكبير محمد محمود شعبان (بابا شارو) ويستثمر هو الآخر في النجاح الكبير في برنامجه (الذي كانت تشارك فيه طفلة اسمها “نتيلة”) ويصدر مجلته للأطفال، لكنها، كغيرها لا تستمر كثيرًا، ولا يلفت النظر برسوم قوية ومحتوى متميز سوى مجلة ( سندباد ) التي صدرت عام 1951 عن (دائرة المعارف) برئاسة محمد سعيد العريان، إلا أن (الحركة المباركة) التي سيصير اسمها (ثورة يوليو) .. تغير الموازين .. وتدخل لتفرض نفسها بقوة في مرحلة تاريخية جديدة، ويتراجع الطفل قليلًا في الأولويات عند صناع القرار الذين كان همهم الأول هو تثبيت أركانهم في الحكم وحل مشاكلهم الداخلية التي أثمرت عن إبعاد قائدهم (محمد نجيب)، ليصير الرئيس هو البكباشي جمال عبد الناصر، ويكون أول صدور لافت لمجلة هي مجلة سمير في العام 1956 عن دار الهلال.

(8)

1959 وما تلاها..

لا يحب محمود سالم الأسانسير الخشبي الشهير في دار الهلال .. يراه ضيقًا، وبطيئًا، ويستطيع اللحاق به بقفزات متسارعة على سلالم دار الهلال الواسعة. في هذا اليوم يدخل إلى مكتبه في الدور الثاني، وتحديدًا في مجلة المصور، ويجد موضوعًا مطلوب منه أن يقوم بتحريره عن زيارة إلى ( ديزني لاند). ينظر للموضوع ويقرأه فيراه جافًا، قاتمًا، مجرد سرد معلومات وليس زيارة حقيقية تجعل القارئ يشعر وكأنه ذهب بالفعل لهذه الزيارة. ينظر محمود سالم لاسم المحرر فيجده ( ناديا نشأت ) !!! .. حفيدة صاحب دار الهلال، ومؤسسة مجلة سمير، ثم مجلة ميكي، تكتب هذه المعلومات الجافة التي لا تناسب حتمًا طفل يقرأ الموضوع، “العيال حتزهق”.. قال لنفسه وهو يتطلع في حيرة للموضوع ويقرأه مرة ثانية، ولوهلة كان سيترك الأمر كما هو، وربما يتدخل بتحرير بسيط في بعض الجمل، لكنه بعد أول سطرين زفر بحنق، وتجاهل الأمر تمامًا، ثم جاء بـ( ورق دشت) ليكتب عليه الموضوع من جديد، ومن البداية، وبمدخل مختلف تمامًا يناسب ( مجلة أطفال)، فجعل الأمر ليس مجرد زيارة، بل مغامرة لطفلة تذهب لديزني لاند بصحبة والديها، وفجأة، تتوه البنت، وتنطلق في المدينة للبحث عنهما، فتشاهد وتقابل وتحكي وتجري وتلعب وتدخل في مغامرة حتى تلتقي بهم في النهاية وتعود إليهم.

(ضفّر) الرجل المعلومات بمغامرة لطيفة وقلل من قتامة المعلومات بحكي ممتع، وأرسل الموضوع لـ(الجمع)، وفي اليوم التالي وجد استدعاء من (ناديا نشأت) التي هي حتمًا – من وجهة نظره – ستستغني عنه لأنه غير موضوعها، ولكن ما حدث كان غريبًا، وكان منحنى تاريخيا في حياته، وربما حياتنا، فقد شكرته ( ناديا نشأت) على كتابته الجميلة، وسألته عن نفسه وعن أحلامه، ثم رفعت مرتبه من 35 جنيهًا إلى 50 جنيهًا شهريًا، بالإضافة إلى برنامج إضافي مفتوح تطلب منه فيه ما تريده، ويتجاوز راتبه ما يتقاضاه مرتين أو أكثر . وكان من ضمن ذلك قرارها التاريخي بنشر مغامرات (تان تان) في مجلة (سمير) على أن يترجمها الدكتور وليم الميري، ويقوم محمود سالم بتحريرها بنفسه بعد ذلك، وكان الأمر ممتعًا للغاية، لا سيما مع نجاح (تان تان) ومغامراته في (سمير) ، والعبارات التي صارت (ماركة مسجلة) لشخصياته، والتي صاغ منها (محمود سالم) الهتاف الغاضب الشهير للقبطان هادوك (اللعنة وألف لعنة) بدلًا من كلامه البذئ الشهير، لكن يبدو أن (ناديا نشأت) نفسها ستستعين بالعبارة نفسها حين تعرف بالقرار .. قرار تأميم الصحافة المصرية، ولربما هتفت في أعماقها بالفعل: ” اللعنة .. وألف لعنة”!!

(9)

سبتمبر 1970 ..

كان (فتحي) يعاني من رفض والده لالتحاقه بالجيش .. (فتحي) الذي كان متعثرًا في الثانوية العامة، ويحلم بارتداء (الميري)، ويريد أن يكون له دور في (الحرب)، تصادم مع رغبة والده في أن يكمل دراسته في الثانوية العامة حتى لو كان متعثرًا، فسينجح في يوم ما !! أما (فتحي) نفسه فلم يعد يذهب إلى المدرسة إلا في حصص الأنشطة المختلفة .. أحب ( الكشافة ) وكتابة (زجل) يقوله في الإذاعة المدرسية: “مدرسة الظاهر مدرستي .. أتعلم فيها الهندسةِ” ليصبح نشيدًا رسميًا للمدرسة، لكنه يتوارى خلف الأناشيد الأخرى الحماسية، والأغاني الوطنية. يكتب الأبنودي (عدى النهار) ويغنيها عبد الحليم حافظ، والذي يقرر أن يبدأ حفلاته الحية كلها بأغنية “أحلف بسماها وبترابها” حتى يتحقق النصر، ويعود (الحق) لأصحابه.

أما (فتحي) فتلفت فتترسخ في قناعاته وهو الذي وصل للحادية والعشرين من عمره، أننا أصحاب حق كما يقرأ دائمًا في مجلتي (سمير) و(ميكي). كما يثق تمامًا أن كونهما ( مجلات أطفال) أمر غير صحيح بالمرة، فبخلاف أنه لا يزال يقرأهما، ويتابعهما بنهم، وتخدمه في ذلك المكتبة التي يبيع فيها الصحف إلى جانب الأدوات المكتبية، (فتحي) لديه قناعة بأن شعار (من 8 إلى 88) المكتوب على (سمير) حقيقي، صحيح أنه بات يميل مع الوقت لـ (سمير) على حساب (ميكي) التي سخر منه أصدقاءه بسببها معتبرين أنها “بتاعة العيال”، لكنه ظل يقرأها ويتابعها في نهم، خاصة بعد ذلك اليوم في سبتمبر 1970، حيث فوجئ بالصرخات تتوالى في شارع (مهمشة)، ثم تجري الناس في كل مكان وكأنه (يوم القيامة) .. شعر ( فتحي ) بخوف شديد .. أغلق ( المكتبة ) لما امتلًا الشارع عن آخره .. سأل عن سبب بكاء “رجالة بشنبات” فقالوا له جملة من كلمتين: “عبد الناصر مات”.

(10)

قبل النكسة بسبع سنوات !!

فجأة صدر قانون (تأميم الصحافة) !! . هكذا .. فجأة، وبلا أي مقدمات أو تمهيد، اللهم إلا لو اعتبرت خطاب عبد الناصر في عيد الثورة سنة 1959 تمهيدًا مناسبًا تغاضى كثيرون عن فهمه، أو غضوا الطرف عن معناه. في هذا اليوم الذي لا تنساه أسماء كبيرة في تاريخ المهنة، هاجم رئيس الجمهورية الصحافة المصرية، واتهمها بعدم إلقاء الضوء على قضايا المواطنين الكادحين، وتقديم صورة بعيدة كل البعد عن المجتمع الاشتراكي، وكان عبد الناصر واضحًا ومباشرًا وصارمًا وغاضبًا في آن واحد وهو يؤكد أن المجتمع الذي يريد أن يبنيه ليس مجتمع نادى الجزيرة أو النادي الأهلى والعاطلين بالوراثة وأبناء الطبقة الارستقراطية التي نشأت أثناء الحكم التركي والاحتلال البريطاني، ليؤكد أن الثورة تستهدف سكان البلد الحقيقيين الكادحين فى كفر البطيخ مثلًا، الذين يحملون الأرز على ظهورهم من أجل لقمة العيش، منتقدًا طبيعة الأخبار التي كانت تنشر، ومؤكدًا : “بلدنا مهياش أبدا فلانة اتجوزت وفلانة اطلقت”.

وسافر عبد الناصر لباكستان، وتمت مطاردة “السفاح ” الذي شغل الصحافة في تلك الفترة، فكان الموضوعان من الأهمية بحيث يتجاورا في الصفحة الأولى لأي صحيفة، لكن الإخراج الفني لجريدة الأخبار، في عددها الصادر في العاشر من أبريل عام 1960، جعل العنوانين يقرآن هكذا : “مصرع السفاح عبد الناصر في باكستان”!!!

وكانت النميمة في الوسط الصحفي تفيد بأن التوأم (مصطفى وعلي أمين) سيدفعان الثمن، لكن الواقع أن المهنة كلها دفعت الثمن، ففي الرابع والعشرين من مايو، بعد ما يقرب من شهر ونصف، صدر قانون تنظيم الصحافة، لتؤول ملكيتها إلى الدولة، وهكذا لم تعد أخبار اليوم ملكًا لمصطفى وعلي أمين، ولا الأهرام ملكًا لـ(آل تقلا)، ولا روزاليوسف ملكًا لـ (إحسان عبد القدوس)، وبالتالي لم تعد (دار الهلال) أيضًا ملكًا لـ(آل زيدان ) .. وهكذا تحولت (ناديا نشأت) نفسها من صاحبة دار الهلال وحفيدة مؤسسها، إلى صحفية في المؤسسة، يمكن أن تعادر موقعها في أي تغييرات صحفية تجريها الدولة في أي وقت، ولم يكن الأمر هينًا بالنسبة لنادية، لا سيما وهي ترى ( الكبار ) يبايعون ويرحبون بتأميمهم !! .. فتحي غانم مثلًا في روزاليوسف كتب عن “حق الدولة في توجيه الرأى العام”، كما دعا (إحسان عبد القدوس) إلى ضرورة تنظيم الصحافة، وعبر عن فرحته بالقرار، وأشار إلى مقالات سابقة طالب فيها بأن تكون الصحافة أداة من أدوات الاتحاد القومي، وأن تنظم داخله، مؤكدًا أنه طالب من قبل بنقل ملكيته لروز اليوسف إلى ملكية عامة يشارك فيها كل محرريها وموظفيها وعمالها !! أما ( التوأم) فكانا في وضع لا يحسدان عليه على الإطلاق، ولذلك يمكن فهم – أو تفهم – ما كتباه ، حيث كتب مصطفى أمين في أخبار اليوم يقول : “كنا نؤيد الثورة ونحن أصحاب أخبار اليوم، ونحن نؤيد الدولة ونحن أصحاب أخبار اليوم سابقًا، وسواء كنا نملك أو لا نملك، فنحن جزء من الشعب الذي أصبح يملك أخبار اليوم، ولا يهمنا في معركة الوطن أن نكون في الصف الأول أو الأخير”!!

وكتب علي أمين في عاموده الشهير مهاجمًا انفلات بعض الكتاب، وتصورهم أن الحرية تسمح لهم بأن يدوسوا على مقدسات المجتمع، واستطرد في مقاله : “نحن أقمنا الفانوس لحساب الشعب لا لحسابنا الشخصى أو لحساب أولادنا والفانوس سيستمر يضئ ونحن لا نحترق وإنما سنضيئ لك هذا الفانوس”. بعد التأميم أصبح من حق الدولة تعيين رؤساء المؤسسات الصحفية، ورؤساء التحرير . لم يكن هناك (مشكلة) ما مع الهلال وناديا نشأت التي صمتت تمامًا، فظلت في موقعها في مجلتي (سمير) و(ميكي) وإن بدأت التفكير في قرارة نفسها في (الهجرة)، لكن ما صبرها على الأمر عدة سنوات تالية كان أن تولى (علي أمين) شخصيًا رئاسة مجلس إدارة دار الهلال، وبالتالي مجلة (الهلال) الثقافية الشهيرة التي أحدث ثورة في عددها الأول، والذي باع أكثر من 100 ألف نسخة، وقد أعطاها من روحه، وجدد في شبابها، وقبلها قبلة الحياة، وحقق العدد الأول الذي يتولى فيه مسئولية مجلة الهلال مبيعات قياسية، وكان موضوعه الأبرز الذي كتبه بنفسه عن مجلة سمير، وعن السيدات الأربعة اللاتي نافسن أنفسهن فقدمن ميكي أيضًا ليحتكرا سوق (مجلات الأطفال) في العالم العربي، ويصبح علي أمين من كتاب (سمير) ليكتب مقاله (فكرة) في أربع أو خمس أعداد متتالية، رحب فيها بقارئ ( سمير )، وكتب عن طفولته والجريدة التي كان يحررها هو وشقيقه بالقلم الرصاص في طفولتهما، ثم دعا الأطفال ليكونوا مساعدين له في رئاسة التحرير، ويحدثهم عن (العمل الصحفي)، ثم يسألهم في العدد التالي هل قدموا استقالتهم من هذا العمل المرهق معه أم لا؟ ثم يطلب (لمن سيكمل العمل معه) أن يتعلم (مساعدة الغير ) ، وفي نهاية مقاله الذي حكى فيه عن تجربته في الكتابة للأطفال والتي وصفها بأنه لم تذيقه النوم، أثنى علي أمين على (سمير) التي كتب فيها، ثم اعترف أنه لا يستطيع الكتابة في (ميكي) !!

كانت تلك أفضل أيام ناديا نشأت في دار الهلال، وكأنما بعثتها عبقرية علي أمين للحياة من جديد، ولكي تقاوم شعورًا متصاعدًا بالرغبة في الهجرة حاولت التجديد في مجلة سمير، وفي هذا اليوم الذي لا ينساه (محمود سالم) استدعته (ناديا نشأت) لتسأله: ألا نستطيع أن نجعل تان تان (مصريًا)؟ وكان الرد عمليًا بمغامرات (عصام) .. الصحفي المصري الذي يخوض مغامرات يكتبها محمود سالم ويرسمها روجيه كميل، وتنشر على حلقات مسلسلة مثل تان تان.

وبالفعل حققت المغامرات نجاحًا مبهرًا سواء في قصة (طريق السموم ) أو في (ذو الوجهين)، لكن عرضًا لا يستطيع كميل رفضه يأتيه من المجلة العالمية الشهيرة (سبيرو)، فيذهب، وخلال سنوات قليلة تتغير الأوضاع تمامًا في دار الهلال، حيث تتركها (ناديا)، ومن قبلها يغادرها (علي أمين )، ويهاجر ليبتعد تمامًا عن مصر بعد قضية التجسس التي اتهم فيها توأمه مصطفى أمين، وظلت ناديا تتنقل بين الدول العربية والأوروبية، وتتابع أحدث إصداراتها في مجال أدب وقصص ومجلات الأطفال، لكنها تعود بعد ذلك لتبدأ تجربة جديدة مع (دار المعارف) التي أصبح يديرها مثقفًا كبيرًا يعرف قيمتها جيدًا هو الدكتور سيد أبو النجا، والذي استدعاها لتشرف على قسم الأطفال، وتنشئ قسمًا أجنبيًا لهم.

وتعود (ناديا) محملة بكل الحماس لبداية تجربة جديدة تستدعي من أجلها ( محمود سالم) من جديد، وتسلمه ملخصًا لقصة إنجليزية بعنوان (لغز الكوخ المحترق) للكاتبة (آنيت بلايتون)، وهي قصة ضمن سلسلة إنجليزية شهيرة بعنوان Five Find-Outers، لتولد السلسلة المصرية (المغامرون الخمسة)، بأبطالها تختخ ولوزة ونوسة وعاطف ومحب، وتحقق مبيعات كبيرة وصلت لمائة ألف نسخة، إلى جانب تعاقدات عظيمة أبرمتها ناديا في دار المعارف، والتي صارت منافسًا قويًا في سوق ( قصص الأطفال )، وتنشر إعلاناتها داخل مجلة ميكي وسمير .

في تلك الأثناء أصبحت رئيسة تحرير ( سمير) هي (ماما لبنى)، وظلت (عفت ناصر) رئيس تحرير (ميكي)، وزاد البعد القومي في ( سمير) التي ابتكرت أبوابًا دينية مثل (أحباب الله)، واستكتبت كبار الكتاب في هذه المرحلة. واستعانت كذلك بالرسامين المصريين الكبار لتصبح (مصرية خالصة) باستثناءات قليلة للغاية، بل إن عبد الناصر يقرأها، ويستقبل (ماما لبنى) بصحبة أحد القراء من الأطفال والذي كان يريد إجراء عملية (اللوز) في مصر بدلًا من السفر للخارج، ليقرر عبد الناصر علاجه مجانًا والرعاية به واستقباله مع رئيس التحرير، وقد كان سمير (مخلصًا) لوطنه، وظهر ذلك في وقت النكسة، والدور الذي لعبه في (وعي) و(تثقيف) أطفال مصر في هذه المرحلة الحساسة من تاريخنا.

(11)

الربع الأخير من العام 1970 ..

لأيام ظل ( فتحي ) مكتئبًا حزنًا على عبد الناصر .. حتى حين نوى أن يودع ( أبو خالد ) الذي عاهده مع قراء ميكي قبل سنوات بأن يناضل على طريقته، لم يبتعد عن ميدان رمسيس الذي امتلأ عن آخره، فعاد من جديد، وصعد لجارتهم التي تمتلك جهاز تليفزيون لم يكن يمتلكه، ليلقي النظرة الأخيرة على جمال عبد الناصر . وفي الوقت الذي تساءل فيه الجميع عن (السادات) الذي سيخلفه، وما إذا كان مناسبًا أم لا ؟؟ كان فتحي يسأل: ماذا سيفعل (ميكي)؟؟ .. والواقع أن ميكي خذله بشكل شخصي، فلم يظهر على الإطلاق في هذا العدد الذي صدر في الثامن من أكتوبر عام 1970، وكان الغلاف رسمًا حيًا لبورتريه جمال عبد الناصر.

يقلب ( فتحي ) بحثًا عن ميكي فلا يجده في العدد بأكمله، وحتى الموفد بدلًا منه، نجم الشباك، بطوط، صاحب المغامرة الوحيدة لأبطال ديزني في هذا العدد، لم يتحدث عن الأمر، لكن باقي العدد، والشهادة لله يا فتحي، كان ( مرثية ) جميلة لعبد الناصر، بينما، ولمرة نادرة ينبغي تسجيلها في التاريخ، كانت هناك قصة سردية بعنوان ( النص نص ) .. خمنوا من كتبها ومن رسمها في قلب ميكي ؟؟ .. كتبها يوسف إدريس، ورسمها بهجت.

وكان فتحي على استعداد لأخذ موقف من (ميكي) الذي لم يظهر تأثرًا من أي نوع لهذا المصاب الجلل في مصر، لكن يبدو أن (ميكي) لن يقدر على “زعله”، ففي العدد الذي صدر في ذكرى الأربعين لوفاة جمال عبد الناصر، وتحديدًا في الخامس من نوفمبر عام 1970، حيث ظهر ميكي على الغلاف، ولأول مرة في تاريخه في مصر ، يبكي .. يبكي على عبد الناصر !!

يبتسم فتحي .. يخرج من العام 1970 وقد اتخذ قراره بأن ( يتطوع ) في الجيش حتى لو لم ينجح في ( الثانوية ) العامة هذا العام، وحتى لو رفض والده ، سيتطوع ( بالإعدادية) وليكن ما يكون.

(12)

نوفمبر 1992 !!!

(البوسطجي) ينادي على الأستاذ محمد فتحي عبد السميع ولا أحد يرد . تخرج (سامية) من بلكونة الدور الأول في مساكن إيواء الشرابية لتؤكد أن البوسطجي يقصد (ميدو)، والبوسطجي يؤكد أنه لن يسلم الخطاب لغيره “عشان الحلاوة”. يظهر (الصول فتحي ) من البلكونة في هذا اليوم الذي تصادف أن يكون أجازة بعد الانتهاء من (مأموريته)، ويخبر البوسطجي أنه الوالد، وسيتسلم الخطاب، ويتطلع للظرف في دهشة، وقد زينته رسوم لشخصيات مجلة سمير، وفي الخلفية .. المرسل : ماما لبنى !!! .. يعود ( ميدو) من المدرسة ليجد الظرف مغلقًا بعد أن صمم الأب على ألا يفتحه أحد. يفتحه ( محمد )/ ( ميدو) أمام الجميع ليجد (كارنيهًا) فيه صورته ومكتوب فيه: مراسل سمير الصحفي الناشئ .. رقم العضوية 3138 .. برجاء تسهيل مهمة مراسلنا في كل مكان.

كانت مفاجأة لـ(محمد) الذي لم يكن يتخيل أن (الكوبون) الذي أرسله بغير علم والده سيصل، وسيتم الرد عليه، وكان (مراسل سمير الصحفي الناشئ) بابًا شهيرًا سيعرف فيما بعد أن (ماما لبنى) رئيسة التحرير التاريخية التي تولت إدارة المجلة منذ العام 1966، والتي تركتها لما اختلفت مع (السادات) شخصيًا حين غضبت منه لما حدثته عن (الأطفال) فاعتبر أن هناك أولويات أهم الآن لتنتقده فيزيحها عن مكانها، قبل أن تعود بعد (تدهور) المجلة بأوامر من يوسف السباعي وزير الثقافة.

ماما لبنى التي حكى له عنها والده قارئ المجلة القديم، والذي يحرص على شرائها له هي و(ميكي) أسبوعيًا .. ماما لبنى هي ( الموقعة) على الكارنيه، وهي التي ستقابله في (اجتماع) مع غيره من المراسلين الصحفيين الناشئين. في تلك الفترة لم يكن (محمد) يعرف غير أنه يحب القراءة والكتابة، لكن هذه الاجتماعات، وما يدور فيها من نقاشات مع أستاذه (محسن الزيات)، وأقرانه من كل حدب وصوت كما يقولون، هي التي شكلته، وجعلته يقرر أن يعمل في مجال الصحافة والإعلام في يوم ما.. في يوم ما.

(13)

5 يونيه 2022

يحاول (جدو فتحي) إقناع حفيده ( معز ) بأن يقرأ مجلة سمير، فيقول له الطفل المنتقل حديثًا للصف الخامس الابتدائي: “دي بتاعة أطفال .. خليني ألعب أحسن”. وعلى الرغم من محاولاته لإقناعه أنها من ( 8 : 88 )، إلا أن محاولاته تبوء بالفشل، حتى ابنه الذي صار أستاذًا جامعيًا وحصل على الدكتوراة في إدارة المؤسسات الإعلامية يحاول إقناع ابنه بقراءة (ميكي) فيؤكد الطفل أن (منصة) ديزني ستفتح اشتراكاتها قريبًا في مصر والشرق الأوسط، فلماذا يقرأ إذا كان يستطيع أن يشاهد؟!! شئ ما في قلب محمد يشعر بالمرارة، حيث قرأ عن سياسة ديزني الجديدة لتطبيع (المختلفين) في أعمالهم القادمة، ولا يستغرب أن يكون أبطالهم الذين تربى على قصصهم مثليين مع الجيل الجديد الذي ينتمي إليه ابنه، والذي لا يجد شيئًا ( مصريًا) تدعمه الدولة.

لم تتوقف ميكي عن الصدور أبدًا منذ صدور عددها الأول سوى في فترة ثورة الخامس والعشرين من يناير، ولم تعد ملكًا لدار الهلال كما كان، وإنما اشترت حقوقها مؤسسة أخرى هي (نهضة مصر). لم يستطع جيل فتحي ومحمد التآلف مع الأمر حتى الآن، ويفضلان النسخ القديمة الخاصة بدار الهلال، بالتحرير خفيف الظل، بالفصحى التي حلت محل العامية عام 1983، لكن لكل جيل قائمة تفضيلاته. يتحدث محمد بأسى عن (وضع) ملف الأطفال في مصر، وعن (سمير) التي تتحدى الصعاب للاستمرار في الوقت الذي تعاني فيه دار الهلال من كل المشكلات، للدرجة التي تجعل الدولة تقرر إنهاء تجربة ( مجلة الكواكب). تركت ماما لبنى رئاسة تحرير سمير عام 2002 ، وبعدها تم إلغاء باب (مراسل سمير الصحفي الناشئ) بالكامل، وبعد رحيل ماما لبنى في العام 2012، احتفى بها محرك البحث العالمي google .

يبحث محمد وغيره من الأباء عن ( مشروع ) للأطفال .. قناة تليفزيونية، ومجلة، ولعبة، ومشاركة حقيقية وفاعلة، ويكتب، ويصدم، ويسرق البعض أفكاره باحثين عن مجد شخصي يلمعون به أنفسهم، ويكتشف أنه كتب في أغلب مجلات الأطفال التي كان يقرأها طفلًا، وأن أحدًا، رغم كل ذلك، لا يهتم بهذا (الملف) .. ينظر للنتيجة .. يطالع تاريخ اليوم .. ينظر لمكتبة مليئة بكتب الأطفال والمجلات القديمة، ويشعر أن ثمة شئ يجب أن يفعله، حتى لو كانت كتابة السطور السابقة، على أمل أن تصل لمن يستطيع التحرك قبل فوات الأوان.

شكر خاص:

– الأستاذ هاني الطرابيلي .. المهتم في مجال القصص المصورة ومدير موقع عرب كوميكس على معاونته الصادقة، وحضوره الدائم، وجهده المميز.

المصادر:

مقابلات شخصية مع

فتحي عبد السميع مهدي (والد الكاتب).. أعوام متفرقة.

نتيلة راشد (ماما لبنى) .. أعوام متفرقة.

عبد التواب يوسف .. أعوام متفرقة.

محسن الزيات .. أعوام متفرقة.

صحافة الأطفال في العالم العربي .. شعيب الغباشي .. عالم الكتب.

محمد حسنين هيكل .. الانفجار 1967 .. دار الشروق.

عمر طاهر .. صنايعية مصر .. دار الكرمة.

مجلة الهلال .. يناير 1962 .. دار الهلال.

حوار مع نتيلة راشد .. جريدة القاهرة 2002

محمود سالم .. مقال في جريدة الأهرام بتاريخ 18 أبريل 2007

إشراق أحمد .. قطوف من مسيرة ماما لبنى ومجلة سمير .. موضوع بموقع مصراوي.