محمد عبد الرحمن يكتب: أستاذي البراء أشرف

ما الذي يدفع صحفي شارف على الثلاثين للعمل تحت إدارة صحفي تجاوز العشرين بقليل في موقع كان اسمه “عشرينات”، قبل حوالي 10 سنوات؟

أنا الصحفي، ومن أدار الفريق كان البراء أشرف، أما السنة تحديدا فلا أستطيع تذكرها، كنت أتباهى دائما بذاكرتي الحديدية فيما يخص التواريخ والوجوه والأرقام، فقط أعاني من ضعف في الذاكرة الصوتية، لا أميز أصوات الناس على الهاتف، لا أميز مقدمات الأغنيات وكل ما يحتاج لاستخدام الأذن فقط.

الآن وربما بعد خمس سنوات من الأحداث الجسام التي مررنا بها، لم أعد أتذكر الكثير مما جرى في زمن ما قبل السوشيال ميديا، يجب أن نشكر الفيس بوك لأنه يساعدنا كل فترة عبر فقرة الذكريات على تذكر أحداث وصور ولقطات بعينها وبالساعة والتاريخ، قبل ذلك اختلطت الأمور بالنسبة لي، يبدو أن “الميموري كارد” لم يعد يحتمل، بات وسواس “ألزهايمر” يطاردني بشدة ويصيبني أحيانا باكتئاب حاد، يزول فور أن أتذكر معلومة قديمة بسرعة، أو أستدعي اسما لوجه أحفظ ملامحه دون مجهود.

بناء على ما سبق، لا أتذكر كيف تعرفت تحديدا على البراء أشرف، لكنني متأكد أن موهبته أسرتني من اللحظات الأولى، لذلك لم أفكر أبدا في السؤال الذي بدأت به المقال، أنا كجرنالجي أتبع الأصول أرى أن فارق السن ليس أزمة على الإطلاق في هذه المهنة طالما أن من يرأسني لديه من الموهبة والخبرة والاستعداد ما يجعلني مستمتعا بالعمل معه والتعلم منه.

كان البراء أشرف في تلك المرحلة المبكرة من العمل الصحفي الإلكتروني أستاذا في هذا المجال، لو أن أرشيف “عشرينات” متاح لاكتشف من يدعون البراعة في المحتوى الإلكتروني حاليا أن ما يفعلونه سبقهم إليه البراء منذ 10 سنوات تقريبا.

لكن البراء لم يكن يسابق رفاق جيله فقط، كان يسابق نفسه، كان يتحدى ذاته ومواهبه المتعددة، ويثبث لتلك المواهب أن لديه منها المزيد، تعلمت عن بعد من البراء أشرف كم هو ممل أن تستمر في مجال معين عامين وثلاثة طالما لديك الموهبة كي تجرب في مجال آخر وتعطي بنفس الجودة والإتقان، كان كاتبا ومدونا ومخرجا ومنتجا ومتحدثا ومحاضرا لا يُبارى في هذه المجالات كلها، ولولا أن إذن الرحيل جاءه مبكراً لقدّم المزيد في مجالات لا تخطر على بال حتى من تعاملوا معه عن قرب.

كنت أتابع البراء كمعجب بخطواته الواسعة أكثر من متابعتي له كصديق وزميل، كنت أكتب عنه تقارير كلما أتيحت الفرصة كنجم يستحق أن تتابع الصحافة أخباره، حتى عندما اختلف معه الكثيرون في الآونة الأخيرة بسبب أمور مرتبطة بالعمل والخطط التي أفسدها المناخ العام، لم يعكر صفو صورته شيء، لم يترك وراءه إلا كل هذا الحب.

لو أن أحدا يتابعني بدقة لربما أدرك أن هذا هو أول مقال رثاء أكتبه في صديق؛ فاشل جدا أنا في كلمات الوداع، أعاني عند الكتابة عن مشهور راحل إذا كنت أحبه، فكيف بصديق أو حبيب، ومن شاركونا تاريخنا القصير. حتى الآن لم أكتب عن رحيل والدي (يونيو 2008)، دهسني خبر وفاة هاني درويش (يوليو 2013) عن عمر ناهز 39 عاما، ولم أكتب عنه حرفا، حتى من لا أعرفهم مباشرة كمحمد يسري سلامة وباسم صبري. الراحلون قبل الأربعين يتزايدون، لكن الأعمار دوما بيد الله، ويبدو أننا تجرأنا كثيرا عندما كررنا السؤال الساذج “لماذا لا يموت ولاد الـ….؟”، بينما كان الأفضل أن نسأل “لماذا لا نعيش مثل ولاد الـ…؟”.

كان يجب عن أكسر القاعدة وأرثي البراء، معدل فقدان الأصدقاء من أبناء الجيل يتزايد، والصمت لمواجهة الحزن لم يعد كافيا، ولا الكتابة أيضا ستجدي لكنها -على الأقل- قد تبقى لبناته، ليقرأن عن والدهن ما هو أقل بكثير مما يستحق.

يا حبيبي يا براء، أنا مش فاكر آخر مرة اتقابلنا إمتى، بس فاكر دايما إني كنت بفرح لما أشوفك، ياريت نفس الإحساس يكون واصل لك، وزي ما اتعلمت منك الإبداع في الشغلانة، وازاي أثق في دماغي وأحترم الصغير قبل الكبير، هتعلم منك مأجلش أي حلم صغير، أما تحقيق الأحلام الكبيرة فهسبها على الله.

اقرأ أيضًا:

 إعلام.أورج ينشر سلسلة مقالات للكاتب الراحل البراء أشرف 

 يسري فودة ناعيًا البراء أشرف: شكرًا 

 صفحة على الفيس بوك في رثاء البراء أشرف 

.

تابعونا علي تويتر من هنا

تابعونا علي الفيس بوك من هنا