فيصل شمس يكتب: ماذا تعرف عن المخرج العالمي صلاح ساهين؟

فيصل شمس
المخرج العالمي صلاح ساهين
صلاح مخرج في التليفزيون المصري، يذهب إلى عمله في هذا المبنى العظيم “ماسبيرو” يوم الثلاثاء فقط من كل أسبوع، فقد استطاع إقناع إدارة القناة التي يعمل بها بطبيعته كفنان التي تتناقض مع فكرة الحضور اليومي الممل، وبالتالي تم جمع كل البرامج التي يقوم بإخراجها في يوم واحد، ليدخل صديقنا العبقري المبني ولا يخرج منه إلا بعد حوالي 10 ساعات فقط هي حصيلة عمله الأسبوعي، كما أنه لا يحتاج إلى المونتاج فقد أقنع الإدارة أيضا بأنه خبير في برامج الهواء، ونظرا لضغط العمل فإنه كثيرا ما يترك البرنامج شغال ويذهب لاحتساء الشاي الذي يعشقه في طرقات المبنى أو يتبادل الثرثرة مع اللي معدّي من هنا أو هناك.

وبرامجه تلك عبارة عن مذيع وضيف يجلسان ليتحدثا لمدة ساعتين أو ثلاثة في حوارات لا يشاهدها أحد اللهم إلا أصدقاء وأقارب الضيف والمذيع، ونظرا لقلة إمكانيات التليفزيون فلا يوجد غير ٢ كاميرا فقط لهذه الحوارات الممتعة.

نرشح لك: أفلام مقاولات من إنتاج نتفليكس


ومعاذ الله أن يكون صديقنا صلاح يعمل في قنوات تليفزيونية خارج ماسبيرو،، لذلك احتار الجميع فيما يفعله طوال 6 أيام أخرى في الأسبوع، ولماذا يصر ويتفنن في البحث عن وسائل وحجج وأعذار لعدم الذهاب للعمل.

طبعا أنتم لا تعرفون صلاح، لكنه بالفعل عبقري إذ تتحقق له جميع مفاتيح النعيم بكل هدوء، عمل بسيط جدا ليوم واحد فقط في الأسبوع، دخل مادي جيد جدا، سمعة (أنا مخرج في التليفزيون ).

لكن صديقنا المخرج العظيم قد يذهب للمبنى في أيام غير الثلاثاء، أولها في مواعيد القبض والتي تغضبه إن كانت في غير يومه المعتاد وثانيها حين يسمع أنهم قد يقتطعون منه ولو جنيه مصري واحد فيتحمس و”يتشقلب” و”يتمطمط” ويصرخ وينذر ويتوعد ويهدد لينقذ هذا الجنيه.

طبعا الذنب ليس ذنبه فقط، فحصاد سنوات من التضخم في القنوات التليفزيونية والتوظيف العشوائي مترافقا مع الإهمال والبيروقراطية والتجارب الفاشلة والعقم الإداري والفني دمروا أي إمكانية لإصلاح المبنى، لكن صديقنا تمعن في “الاستهبال”، وأصبح عالة على البلد لأنه لا يقدم أي جديد، كما أنه يرفض أي جديد.

التليفزيون المصري مليء بالكفاءات والمواهب، لكنه يمتلئ بشكل أكبر بأمثال صلاح، وفيما تنهار فكرة التليفزيون المجاني في العالم تدريجيا أمام قوة الإنترنت ومنصات المشاهدة (البث الرقمي) لازال العاملون في هذا المبنى يصرون على وجود حلول يمكن أن تعيد ل”ماسبيرو” عظمته، غير واعين بأن تلك “العظمة” ارتبطت بظروف سياسية واجتماعية مختلفة وقد انتهت فعليا، وأيضا ارتبطت بحماس من يعملون داخله.

المخرج العالمي صلاح ساهين

مبنى مكون من ثلاثين ألف موظف (بأقل التقديرات) يمكن أن يشغله خمسة آلاف فقط، معداته قديمة، متخم بالروتين والبيروقراطية، إنتاجه ضعيف، خالي من الأفكار، الكثير من العاملين فيه لا يحبون التطوير ويريدون الحال كما هو، ويسعون دائما لعمل أقل وفلوس أكثر، ……. كيف يمكن أن يتطور؟؟ مع الوضع في الاعتبار سرعة وضخامة ما يحدث من تطور خارجه.

الإحصائيات تشير بوضوح أن الناس تنصرف عن مشاهدة التليفزيون المجاني المتخم بالإعلانات المزعجة أو التليفزيون الذي يفتقر لأي جاذبية لأنه لا يقدم شيئا في مقابل اندفاع غير مسبوق للإنترنت، في الواقع شركات الإنترنت والموبايلات هي سور الحماية الوحيد الباقي للعديد من قنوات التليفزيون الخاصة، فلولا غلاء تكلفة باقات الإنترنت وتكلفة تشغيل الفيديو على الموبايلات لما ظل الناس يشاهدون هذه القنوات، وفي المستقبل سوف تتغير المعادلة بالتأكيد ونشاهد هذا الانهيار المنتظر.

لاحظ أن العديد من البرامج التليفزيونية الشهيرة، يكتفى الكثيرون بمشاهدة مقاطع منها على الإنترنت.

لاحظ كذلك أن القنوات الخاصة نفسها تظل تواجه الكثير من المعوقات والمشاكل الاقتصادية منذ فترة، وطوال السنين الماضية يتم إغلاق أو إعادة هيكلة الكثير منها لمحاولة تجنب الخسائر، فالشركات التي تدفع الملايين لبث حملات إعلانية على هذه القنوات محدودة ولا يضاف لها جديد ومع الوقت سيقل عددها حينما تدرك أن إعلانات الإنترنت تصل بشكل أسرع وأوسع وبتكلفة أقل بكثير.

إذن ورم متضخم من قنوات التليفزيون الحكومي المنسية، وقنوات خاصة تصارع صراع عبثي للبقاء، ومنصات بث رقمي مزدهرة ومستقبلها مفتوح.

في هذه الساحة، كيف نراهن على عظمة التليفزيون المصري المنقرضة، وهو لا يملك شيئا؟

هل يمكن أن يتخلى المخرج العالمي صلاح ساهين عن كنبته اللذيذة في صالة بيته ويخرج علينا بحماس للعمل كل يوم ويبحث عن مجموعة من الأفكار العظيمة لتطوير برامجه وبذل جهد وتعب وسهر لجذب الجمهور؟.. لا أعتقد.

نرشح لك: أبرزهم الشعراوي.. كتاب لـ فيصل شمس عن المظلومين تاريخيا بسبب المغالطات