إبراهيم عيسى يكتب: في حضرة السيدة الجميلة

إبراهيم عيسى

نقلا عن المجلد التذكاري «فاتن حمامة.. مذكرات وذكريات» الصادر عن مركز الهلال للتراث، التابع لمؤسسة دار الهلال.

فاتن.. ما أجملك وأروعك وأفتنك أيتها النجمة المقدسة على جدران معابد الوله المرسومة في منحوتات الحضارة المصرية إلهة للفن السابع، بينما كنا نلقى إلى النيل بآلاف من العرائس نرضيه بها ونهدئ من روع فيضانه كان يبعث لنا هو، فاتن حمامة عروسته الفاتنة؛ ليهدينا تلك الصبية اليانعة المعجونة بطين لازب من طمي جنة مصرية تأتي من ريف ممزوج بالمدنية وبتعليم نصفه في المدارس ونصفه الأعلى من الثقافة البيتية المنزلية، ومن عائلة هي المثل المثالي للعائلة المتوسطة التي تربي ولا تقسو، تضبط حين تنفتح وتزرع قيما فتحصد نبلا.

نرشح لك: إبراهيم عيسى: اللي يرفض يأخد اللقاح لازم يروح لطبيب نفسي

نشأت فاتن حمامة في أجواء استديوهات صناعة سينما تحنو عليها وهي تحبو وتمسك يدها النجوم والكواكب والأجرام والنيازك، وهي تمشي على صراط البساط. نمت موهبتها الفذة وسطعت شمسها الحارة منذ الصبح الأول، فيلما بعد فیلم وعملا بعد عمل، تتورد الوردة وتتفتح الزهرة وتصير بستانا لا يخوض فيه ويتنزه إلا المطهرون بالفن والإبداع، بالحب والوداعة، بالرقة والشجاعة.

بستان فاتن حمامة عذابه عذب ممنوع فيه إلا زهرة وحيدة، عباد الشمس حين يتعبد عبادته الخالصة في فن هذه الشمس الواحدة، هذه السيدة التي جعلت في سيرة أفلامها العطرة من التمثيل صلاة، ومن الغواية جلالا، ومن المرأة «إيزيسيا» ومن شاشتها حلماً، ومن تذكرة السينما قربانا، هي التي صعدت بالممثلة إلى المرتبة العليا السنية، ومن الفنانة إلى الأميرة، ومن النجمة إلى القديسة، كل شيء فيها استثنائي حتى عاديتها، كل شيء فيها أسطوري حتى طبيعتها، هي ألف امرأة مما مثلت وتمثلت وعاشت وتعايشت ومنحت ووهبت مع كل حرف نطقت، وإيماءة أومأت، وابتسامة ابتسمت، وضحكة تفضلت بها.

صنعت لنا عالماً من جنتها نعيشه فيها معها، بھا، لها، هي التي قررت في ضجر أنيق أن ترفع تاج الملكة الذي يثقل رأسها حين لم تعد مهتمة أن تمنح العالم بعضا من اهتمامها ولا تطلب من العالم أن يرهقها باهتمامه، بعد أن تركت وديعتها في كل قلب، بحة صوتها وطرفة عينيها ورطاب شفتيها وألق عينيها وكبرياء أنفها تدثر قلبك في ليالي الشتاء الطويلة وتركض معك على شاطئ البحر تسابق الموج والنسيم وأنت تهتف لها عندها: «اذکرینی».