الصوفية (8).. القطب الثائر.. قضى على البغاء وأسلمت على يديه ليلى مراد

محمد مصطفى عزوز

نحن لن نتحدث اليوم عن قطبا أو شيخا عاديا، لكننا سنتحدث عن شيخا وقطبا ومصلحا وثائرا ومناضلا من طراز فريد، سنتحدث عن رجل اختير من أفضل وأعظم ألف شخصية مصرية في القرن العشرين وأيضا اختاره الأزهر الشريف من أعظم مئة شيخ في تاريخ الأزهر الشريف، كان حديث العامة ولقبه محبوه بالشيخ الثائر ويلقبه كاتب المقال بالقطب الثائر إنه السيد القطب الشيخ الشريف محمود أبو العيون.

كان تاريخ مولده دليلا على مسيرة حياته فقد ولد عام 1882 وهو العام الذي احتلت فيه بريطانيا مصر وعاش حياته يناضل من أجل بلاده ومات في سبيل استقلالها شهيدا شاهدا على الظلمة والخونة، لم يكن الشيخ محمود أبو العيون شيخا بالمفهوم الصوفي فقط ولكن شيخا في مفهوم العوام أيضا بكل ما تحمله الكلمة من تكليف وتشريف فقد تتلمذ وتدرج بالأزهر الشريف وأتجه للعمل العام وبدأ في كتابة مقالاته المناضلة ضد الاحتلال وبلغت شهرته الآفاق ولعل من المجهول لدى العامة أنه عند نفي سعد زغلول الذي نادى بالمظاهرات وخروج الشعب في ثورة 1919، كان الشيخ محمود أبو العيون وهو الذي استقبل القس سرجيوس ليخطب خطبته التاريخية من على منبر الأزهر الشريف، أعتقل الشيخ محمود أبو العيون عشرات المرات وكان عند اعتقاله تخرج له مظاهرات ضخمة من الطلبة والمصريين وتتركز تلك المظاهرات عند منزله بحلمية الزيتون.

نرشح لك: الصوفية (7).. السيد إبراهيم أبو العيون الكبير.. القطب المربي والمُعلم التقي


ولم يتوقف الأمر على ذلك بل كان الشيخ محمود أبو العيون مصلحا اجتماعيا فقد تبنى قضية هامة وهي القضاء على البغاء، والبغاء (يعني الدعارة في العصر الحديث) كان يتيحه القانون في مصر في ذلك الوقت وكانت للبغايا رخصة، وقد استغل الاحتلال البغاء ليجعله متنفسا للجنود المغتربين، جعل الشيخ محمود أبو العيون تلك القضية نصب عينية وبدأ ينشر المقالات ويقيم الندوات ضد البغاء وكيف أن دولة مسلمة متدينة مثل مصر يتاح فيها البغاء وكان أعظم وأكثر من حارب البغاء لدرجة أنه كان يكتب مقالات بجرائد الأهرام واللواء والمؤيد بعنوان مذابح الأعراض، ولعل مصر ونسائها يدينون بالفضل لهذا الشيخ بإلغاء البغاء في مصر عام 1949 نتيجة للحملة التي شنها ضد الانجليز والملك، وكان قد بدأ عام 1950 حملة أخرى لمحاربة العري على الشواطئ العامة لكن العمر لم يمهله.

نرشح لك: الصوفية (6).. الأسرة العيونية.. امتداد الجهاد ومنهل العلم وبئر البركة


ولم يتوقف الأمر عند هذا فعندما شعر أن المظاهرات وتأليب الرأي العام لا يكفي وحده أتجه للكفاح المسلح فكون هو ومجموعة من المخلصين جماعة اليد السوداء وكان لجماعة اليد السوداء عمليات كثيرة ضد العساكر البريطانيين، ومن الجميل في الشيخ محمود أبو العيون أنه رغم كونه إصلاحيا متحفظا كان منفتحا إلى أبعد الحدود فقد كان يجالس الفنانين والفنانات وكان معظمهم في ذلك الوقت يلجأ للشيخ في أمور دينهم، ولم يقف الأمر عند ذلك  فقد كانت تربطه علاقات قوية بهم لدرجة أن الفنانة ليلى مراد عندما أرادت تعتنق الإسلام ذهبت للشيخ محمود أبو العيون فقد كان صديقا مقربا منها  ليعلمها أمور الدين الإسلامي واسلمت على يديه.

ومعركة الشيخ الأخيرة كانت ضد الملك فقد كتب مقالات ضده وكتب عن انحرافاته الجنسية والأخلاقية وكيف يكون هذا أميرا للمؤمنين كما يلقب نفسه وفي صباح أحد الأيام من عام 1951 وهو يستقل المترو سقط الشيخ محمود أبو العيون أمام المترو ليلقى الله، وقد دارت الشكوك وقتها أن وراء قتله يدا خفيه وكانت الشبهات تحوم حول الملك وقيل أن الأسرة العيونية دعوا عليه لما فعله بالشيخ محمود فنزع الله منه عرشه.. مات الشيخ محمود أبو العيون ولكن بقي نضاله في كل عرض حماه ورمله أرض حرة وشعبا أثر فيه ولن ينساه طيب الله أيامكم.. وإلى لقاء.

نرشح لك: الصوفية (5).. التصوف رسالة عمل أم منهج تواكل؟