"يا مستعجل رجوعي".. رسالة إلى محمد ثروت

أسماء شكري

يظل الحنين إلى الماضي أقوى من الحاضر، ويظل إحساسنا تجاه أحبائنا موجودا حتى وإن غابوا عنا لسنوات، خاصة من عشنا معهم ذكرياتنا لفترات طويلة؛ هذا ما شعرت به لأول وهلة عندما شاهدت أغنية المطرب محمد ثروت “يا مستعجل فراقي”؛ التي عاد بها للجمهور بعد غياب سنوات طويلة.

وأنا أشاهد ثروت من جديد شعرت أنني أقابل شخصا عزيزا سافر لسنوات طويلة وانقطعت أخباره، حاولت كثيرا التركيز في كلمات وألحان الأغنية وأدائه –الرائع بالطبع – ولكن في كل مرة أجدني أسرح في ذكرياتي مع محمد ثروت التي تعود لسنوات طفولتي، ومع كل مقطع من الأغنية الجديدة أجدني أسمع بدلا منه صوته العذب يرن في أذناي بمقاطع من أغانيه الشهيرة؛ الوطنية تحديدا.

نرشح لك: شاهد.. كليب “يا مستعجل فراقي” لـ محمد ثروت


“50 مليون دقة في دقة دقة قلب المصريين”، هذا المقطع الذي حفظته وأنا في السادسة تقريبا ومحمد ثروت يغنيه بصحبة كورال أطفال، لاحظوا وقتها كان تعداد مصر 50 مليونا فقط! وسرحت بخيالي وأنا استدعي مقطعا من أغنيته “بلدي” مع هاني شاكر التي قدماها في مطلع شبابهما: “إن كان عالقلب مفيش غيرك وإن كان عالحب مليش غيرك.. ده جناحي مرفرف في سماكي والقلب اتربى على خيرك”، كنت أنطقها وأنا طفلة “اتربع” على خيرك! تذكرتهما وهما يغنيانها داخل مركب في النيل ولقطة علقت بذاكرتي وهما يلمسان المياه بيديهما.

أحاول أن أعود للأغنية الجديدة وأترك ذكرياتي مع محمد ثروت جانبا، فبالتأكيد الأغنية رائعة ولا أريد إفساد فرصة استمتاعي بها، لاحظت أن كل العناصر الكلاسيكية متوفرة في الأغنية، فهي مصورة في منزل أثري قديم واسع بأعمدة تراثية بديعة، محمد ثروت يعزف على البيانو ويرتدي بدلة وظهر وحده بدون الاستعانة بفتاة كموديل، رأيته محافظا على وقاره وهدوئه المعتادين، طابع الأغنية حزين وكلماتها فيها شجن وأسى يليق بصوته العذب، ولكن ما وجدته مختلفا تلك المرة: الهيبة!

لأول مرة أستمع وأشاهد محمد ثروت وأشعر بكل تلك الهيبة، ولكني وجدت سريعا التفسير؛ فلم يعد ثروت هذا الشاب الحديث السن الذي يتحرك بعفوية كما كنت أشاهده في الماضي في أغاني خفيفة مثل: “هياها هي هي” أو “حبيبة بابا رشا” أو “يا طيور النورس”؛ مضت سنوات طويلة على تلك الفترة، وشعرت وأنا أشاهده الآن بأنني أشاهد فنانا عظيما مخضرما متمكنا وممسكا بمفاتيح الأداء بكل براعة، ويحسب جيدا خطواته وحركاته بل ونظراته داخل الكليب.

لسنوات طوال ظل محمد ثروت أيقونة الأغاني في المناسبات والاحتفالات الوطنية والدينية تحديدا، كان مطربا أساسيا في احتفالات أكتوبر والليلة المحمدية، وليس من المبالغة القول بأنه أكثر مطرب متمكن ومبدع في الأغاني الدينية والتواشيح، ولعل هذا كان سببا في اختفائه كل تلك السنوات؛ كون اللون الغنائي الذي تميز فيه اختفى تدريجيا أو لم يعد يُقدم بنفس الجودة، فابتعد ثروت وكفّ حتى عن الظهور الإعلامي.

عودة محمد ثروت بهذه الأغنية أعتبرها هدية ثمينة أحضرها لي شخص سافر وغاب عني طويلا، وأحيي ابنه أحمد ثروت الذي أخرج الفيديو كليب وشجّع والده على خوض التجربة؛ وأرجو أن يسمحا لي بأن أقتبس عنوان الأغنية لأقول: “يا مستعجل رجوعي”؛ فأنا التي أصبحت “أستعجل” رجوع محمد ثروت إلينا بأغانٍ جديدة وأرجوه ألا يغيب عنا مرة أخرى.

نرشح لك: محمد ثروت عن محمد عبد الوهاب: لم أتخيل أن يلحن لي