هل كانت الخلافة العثمانية راشدة أم سببا في تأخر العرب؟

محمود بسيوني (نقلا عن الميثاق)

فشل النظام التركي في الالتحاق بالاتحاد الأوروبي أجاب على حيرة تركيا ‏التاريخية بين الشرق والغرب، الغرب رفضها فلماذا لا نعود إلى الشرق، ووضع أحمد داوود أغلو خطة العودة إلى الشرق ويطبقها أردوغان ‏باستعادة الإمبراطورية العثمانية القديمة معتمدا على تنظيم الإخوان ‏المسلمين الإرهابي في الدول العربية والذين يعملون كطابور خامس ‏للمشروع العثماني في كل الدول العربية، لم يخفِ أردوغان حقيقتهم ‏حينما وصفهم بالعناصر المحلية الداعمة أو بحديثه عن الأصول العثمانية ‏لقادة حكومة الوفاق الليبية أو الدعم الذي حصل عليه من تونس تحت حكم ‏الغنوشي.‏

نرشح لك: سوق الحرير.. ملحمة درامية للشام الذهبية



يتحدث أردوغان عن خلافة راشدة كانت تحكم العالم العربي أو الإسلامي ‏وتحميه ومن أجلها أنتجت شركات الإنتاج الدرامي التابعة للمخابرات ‏التركية الأعمال الدرامية التي تبشر بتلك الخلافة بداية من حريم السلطان ‏وصولا إلى قيامة أرطغرل.. فهل كانت تقوم بتلك المهمة حقا؟! ‏
في كتاب ابن إياس “بدائع الزهور في وقائع الدهور” الكثير من المشاهد ‏عن القتل والترويع الذي قام به الجيش العثماني في القاهرة، مشاهد تدفع ‏إلى الشعور بالألم، خاصة عند مقارنتها بدخول جيش آخر غير مسلم مثل ‏جيش نابليون ويحكي ابن إياس أن جيش السلطان العثماني عند رحيله أخذ ‏معه المئات من أمهر الحرفيين في مختلف الحرف: “ومسك رجال الدرك ‏الناس على أبواب القاهرة من رئيس ووضيع ووضعوهم في الحبال”.

ويقول في مكان آخر مفصلا في مهن هؤلاء الناس: “وأرباب الصنائع من ‏كل فن. من السيوفية والسباكين والحدادين.. والنجارين والمرخمين ‏والمبلطين والخراطين والمهندسين.. إلخ” ثم يعلق وبطلت من القاهرة ‏نحو خمسين صنعة وحمل سليم معه، بطريق البر، على ألف جمل أحمالا ‏من الذهب والفضة والتحف والسلاح والصيني والنحاس المكفت والرخام ‏الفاخر، ومن كل شيء أحسنه، وكذلك غنم وزراؤه من الأموال الجزيلة، ‏وكذلك عساكره فإنهم غنموا من النهب ما لا يحصى. ‏

وحتى رخام القلعة البديع لم ينجو من النهب: “ونزل رخام القلعة ووضع ‏في صناديق وحمل إلى المراكب، وهو الرخام الذي أمر ابن عثمان بفكه”‎.‎
هل كان سليم الأول يفتح مصر ويضمها إلى الخلافة العثمانية، أم ينهب ما ‏حافظ عليه المماليك من مظاهر الحضارة‎.‎

بالمناسبة العالم لم يكن يعترف بوجود الخلافة العثمانية ذلك ما أكده ‏المؤرخ جورج طرابيشي في كتابه “هرطقات” يقول: (إن سلاطين بني ‏عثمان لم يحملوا قط لقب خليفة، وكان فقهاء مصر والشام يراسلونهم باسم ‏ ‏”سلاطين الروم‎”.

وأول إشارة في وثيقة رسمية إلى “خلافة” العثمانيين وردت في اتفاقية ‏ “كوشوك كايناركا” التي كرست في عام 1774 انتصار جيوش كاترين ‏الثانية، قياصرة روسيا، على الأتراك. فقد ميزت المعاهدة بين السلطة ‏‏”الزمنية” والسلطة “الروحية” للسلطان العثماني، وأقرت له بصفته ‏‏”الروحية” بحق الرعاية على تتار القرم المسلمين‎.‎

أما أول من لقب نفسه رسميا باسم خليفة المسلمين بين سلاطين بني ‏عثمان، وفق قراءة طرابيشي، فكان عبد الحميد الثاني (1876-1909)، ‏والذي كلف دبلوماسيا أرمنيًا الأصل من رعايا السلطنة يدعى أغناطيوس ‏مراد جحا بصياغة رواية تؤكد أن كل سلاطين بني عثمان بدءا من سليم ‏الأول حملوا لقب “خليفة” وترويجها في العالم الإسلامي عبر شراء ذمم ‏بعض الفقهاء والصحفيين ومشايخ الطرق‎.‎

عملاء المخابرات التركية مثل معتز مطر ومحمد ناصر وصابر مشهور ‏قالوا إن الخلافة العثمانية كانت تحمى بلاد المسلمين من الاحتلال الأجنبي ‏يرد على هذا الهراء الدكتور فوزي منصور في كتابه “خروج العرب من ‏التاريخ” أن السياسات العثمانية عزلت العرب عن الانخراط في الاقتصاد ‏العالمي مضيفا و”على هذا النحو يتضح زيف القول الشائع في بعض ‏الدوائر، إن الإمبراطورية العثمانية حمت البلدان العربية، شقيقتها في ‏الإسلام، من انقضاض الإمبريالية الأوروبية عليها”. فهي لم تحم أيا من هذه ‏البلدان من أي غزو عقدت دولة أوروبية العزم عليه.

بل هيأت ‏الإمبراطورية العثمانية ظروفا أكثر مواتاة لهجوم أشد غدرا، هو هجوم ‏الاستعمار الاقتصادي الذي جرى تحت الحماية والامتيازات التي كانت ‏تُمنح في ظل سيادة عثمانية اسمية وأخيرا، عندما كان بلد مثل مصر ‏يحاول الانفصال وإقامة اقتصاده الحديث المستقل، كانت الإمبراطورية ‏العثمانية تشترك بنشاط في اتحاد من الدول الأوروبية هدفه إعادة مصر ‏إلى حظيرة التبعية الاقتصادية والتخلف‎.‎

مصر كانت وستظل شوكة في حلق مشروع المرتزقة الأتراك في الهيمنة ‏والسرقة والنهب في بلاد العرب حصل ذلك قديما مع محمد على ويتكرر مع ‏تفويض القبائل الليبية للرئيس عبد الفتاح السيسي بالتدخل ووقف الاحتلال ‏التركي لليبيا.‏