هل يمثل محتوى الطعام مصدر دخل جيد للإعلام؟

 نقلًا عن منتدى المحررين المصريين

ايهاب الزلاقى

على الرغم من نجاح قنوات التليفزيون التى تقدم وصفات وأساليب الطبخ والطعام على المستوى الدولى وحتى المستوى المحلى، إلا أن الإعلام التقليدى سواء المطبوع أو الإلكترونى فى المنطقة العربية لم يهتم حتى الآن بالدرجة الكافية بالإمكانيات المتاحة التى يقدمها هذا النوع من المحتوى القادر على جذب الجمهور والمعلنين أيضا.

منذ شهور، وقع أكثر من 100 ألف شخص على عريضة الكترونية احتجاجا على خطة مؤسسة BBC التى تقضى بحذف قسم وصفات الأكلات من موقعها على الإنترنت كجزء من خطوات خفض 15 مليون جنيه استرلينى من نفقات المؤسسة سنويا. وتحت وطأة الرفض الجماهيرى تراجعت المؤسسة البريطانية عن خطتها الأولى قائلة إنها ستحول تغطية الوصفات إلى موقع آخر ضمن مؤسسة “بى بى سى ورلد وايد”. ومع ذلك، أكد رد فعل الجمهور السريع ما تعرفه العديد من المؤسسات الإعلامية المعاصرة وهى أن المحتوى المرتبط بالطبخ والأكلات يجذب بالفعل جمهورا كبيرا.

أما مواقع مثل Buzfeed فقد أستعرضت العديد من الأرقام والإحصائيات خلال الفترة الأخيرة لتظهر بوضوح أن فيديوهات الطعام والتغطية الخاصة التى تقدمها عبر موقع “تيستى” هى إحدى أهم عناصر جذب الجمهور وزيادة الزيارات، وأن الزيادة المتتالية فى اهتمامات الجمهور بهذا القطاع يمثل عنصر جذب وإغراء للمزيد من المعلنين.

بينما تقول الإحصاءات الحديثة، أن ثالث أنواع المحتوى البصرى شيوعا على شبكة الإنترنت هى مقاطع فيديو الوصفات وإعداد الطعام، والتى تأتى بعد المقاطع الغنائية والمحتوى الإباحى، وقد اكتسبت هذه المقاطع شهرة هائلة بين المستخدمين خاصة وأنه الآن تأتى بأسلوب مكثف وسريع لا يهم حتى بعرض تفاصيل المقادر أو طريقة الإعداد كما تفعل منصة Tasty التى تمتلكها شركة BuzzFeed، وتقول الإحصائيات أن هناك 23 بليون مشاهدة لفيديوهات الطعام على الإنترنت عام 2015، وأن 70% من مشاركات هذا الرقم كانت لمستخدمين تتراوح أعمارهم بين 18-34 عاما ما يعنى أنها أكثر جذبا للمستخدمين الشباب.

المدهش أن الاهتمام بالطعام والوصفات والطبخ ليس مسألة جديدة بل إنها أحد العناصر المستقرة فى الإعلام التقليدى، كما أن كتب الطعام تتميز بالجماهيرية والرواج، ومع ذلك فقد أشعلت وسائل التواصل الاجتماعى والهواتف الذكية اهتماما جديدا كبيرا بهذا القطاع، حيث أدركت الكثير من شركات الإعلام وتقديم المحتوى أنها تستطيع الاستفادة من العناصر المرئية للوصفات من خلال مقاطع فيديو طهى لا تتجاوز مدتها 30 ثانية، وتم تصميمها لإحداث التأثير عبر الشبكات الاجتماعية لتقديم بعد جديد ومختلف للطعام.

شركة نيويورك تايمز أطلقت موقعها المتخصص فى الطعام عام 2014، والذى يستضيف حاليا أكثر من 17 ألف وصفة مختلفة للطعام، ويجذب من 7-8 ملايين مستخدم شهريا، كما نجح فى جذب أكثر من 650 ألف مشترك فى نشرته البريدية، ولديه أكثر من 1.4 مليون متابع على شبكة يوتيوب، ويقول سام سيفتون المحرر المؤسس للموقع إن نجاح قطاع الطهى والطعام فى المؤسسة العريقة يقدم مثالا لافتا حول إعادة تصور صحافة التايمز وتحويلها إلى تجربة رقمية ناجحة.

الأكثر من ذلك أن الصحيفة أعلنت أنها ستبدأ بيع مجموعة من الوجبات المعتمدة على الوصفات التى تقدمها بالتعاون مع شركة لتوفير الوجبات، كما أنه أثناء تصفح الموقع أو التطبيق الالكترونى سيتمكن الناس من شراء المكونات للوصفات التى يرونها والتى سيتم تسليمها إلى منازلهم فى غضون يوم أو يومين كما تقول الشركة.

أما موقع “أول ريسبس” Allrecipes.com فهو يسمح للمستخدمين بتحميل وصفاتهم الخاصة للطعام، وقد اشترت مؤسسة “ميريدس كوروبوريشن” الموقع عام 2012 بمبلغ 175 مليون دولار، وهى الشركة التى تمتلك أيضا مجلة متخصصة فى الغذاء الصحى، وتقول المؤسسة أن النمو الإعلانى بالمجموعة خلال السنوات الأخيرة كان يقوده موقع وصفات الطعام بشكل أساسى.

موقع الوصفات أعاد تطوير الشكل والمضمون بعد ملاحظة التغييرات السريعة فى أنماط استهلاك المحتوى مع صعود أجهزة الهواتف المحمولة والشبكات الاجتماعية، وكما تقول مسؤولة الموقع: “المحتوى المتعلق بالطعام ليس جديدا على الويب، ولكنه يشهد نموا سريعا فى الآونة الأخيرة”، وفى أحدث الإحصاءات استقبل الموقع العام الماضى فى شهر ديسمبر 50 مليون زائر وهو أعلى معدل زيارة وصل إليه، والأهم أن هذا الرقم يمثل نسبة 23% عن نفس الفترة من العام الذى سبقه، وهى الأرقام التى توضح رغبة الجمهور فى استهلاك مثل هذا المحتوى. فى عام 2014 أعادت الشركة تصميم الموقع بأكمله، وهى أول إعادة تصميم كاملة منذ ظهور الموقع على الشبكة قبل عقدين كاملين، بعد مراقبة النمو الكبير لعدد الزيارات.

المثير أن المطبوعات المتخصصة فى الطهى والأكلات لم تخرج من السوق رغم الصعود الهائل للوسائط الرقمية ومقاطع الفيديو الغنية، حيث تشير الإحصائيات إلى ارتفاع مبيعات كتب الطهى من 15.4 مليون كتاب عام 2013 إلى 15.5 مليون كتاب عام 2015، كما قام موقع “أول ريسبس” بإطلاق مجلة مطبوعة عام 2013 وهى الخطوة التى جاءت عكس التيار، وتقول مسؤولة الشركة إن هذا القرار لم يكن غريبا لأن شرارة اهتمام الجمهور تبدأ من محركات البحث أو الشبكات الاجتماعية ثم تظهر بعد ذلك رغبة البعض فى التعمق بالموضوع”، ومنذ إطلاق المجلة تضاعف توزيعها حتى وصلت إلى 1.3 مليون نسخة للعدد الواحد.

وحتى مشاهير الطهاة التحقوا بالثورة الجديدة، حيث انتقل أمثال “جيمى أوليفر” و”ديليا سميث” و”نيجيلا لوسون” إلى ما وراء كتب الطهى وبرامج التليفزيون لبناء مواقعهم الشخصية لتقديم الوصفات الشهيرة، وازدهرت هذه المواقع بالإضافة إلى عدد لا يحصى من الصحف والمجلات التى تقدم الوصفات بالإضافة إلى الأخبار والترفيه كخدمات أساسية للجمهور.

ويقول أحدث تقرير أصدرته شركة Tubular Labs  للابحاث، أن مقاطع الفيديو المرتبطة بالطعام تمت مشاهدتها 41 مليار مرة خلال عام 2018 بزيادة مقدارها 170% عن العام السابق وهى نسبة الزيادة السنوية تقريبا خلال الأعوام الأخيرة، وأن تصنيف الطعام على يوتيوب يأتى فى المركز الرابع تقريبا بعد كل من الألعاب، الموضة، والفيديوهات التعليمية، ويشير التقرير أن 71% من جمهور الطعام على يوتيوب فى المرحلة العمرية بين 18 إلى 34 عاما، وأن نسبة 36% من جمهور فيديوهات الطعام يتركز فى الولايات المتحدة، وأن النسبة الكاسحة لمشاهدة المقاطع الخاصة بالطهى تحدث عبر منصات يوتيوب وفيس بوك.

ويقول التقرير الذى أصدرته الشركة أن هناك ما يزيد عن 50 ألف فيديو مرتبط بالطعام تم رفعها على المنصة خلال العام الماضى. وأنه فى عام 2015 حقق فيديو يظهر شقيقتين تصنعان البيتزا من عناصر غير معروفة، وهو الفيديو الذى حقق مشاهدات بلغت 31 مليون مشاهدة ليكون أعلى فيديو تمت مشاهدته على يوتيوب فى ذلك العام.

وتقول اسمى ويليامز نائب رئيس التسويق فى موقع Allrecipes.com أكثر مواقع الوصفات الغذائية شعبية على مستوى الإنترنت والذى انطلق عام 1997: “شهد المحتوى المتربط بالطعام نموا هائلا على خلفية التحول إلى المشاركة عبر الوسائط الاجتماعية.. ويبحث 50% من جيل الألفية عن محتوى الطعام فى مزودات الأخبار اليومية.. والسبب الرئيسى إنهم يشعرون بالملل، وفى هذه الحالة فإن المحتوى الجاهز للتسلية هو إعداد الطعام”.

ووسط المنافسة الكبيرة بين منتجى المحتوى على جذب جمهور المستخدمين وبالتالى المعلنين، حققت BuzzFeed أكبر نجاح فى هذا الإطار. مثلا بدأت الشركة دخول هذا المجال بإطلاق مقطع فيديو على شبكة فيس بوك توضح كيفية صناعة البسكويت بالشيكولاتة، ومع انتهاء هذا العرض كشفت الشركة أنه حقق 8 ملايين مشاهدة، لتبدأ الرحلة الأوسع بإطلاق قناة Tasty وهى قناة فيديو عبر الإنترنت مع موقع لنشر الفيديوهات والوصفات والذى يحقق نجاحا هائلا مع المستخدمين، ويكفى القول إنها حققت مشاهدات 1.1 بليون مشاهدة على فيس بوك، و121 مليون مشاهدة على يوتيوب الشهر الماضى وفقا لأرقام Tubular Labs.

هذا الاتجاه استرعى أيضا انتباه مقدمى المحتوى الرقمى، حيث أطلقت شركة Vice فى 2014 موقع Munchies المتخصص فى الطعام والوصفات، بالإضافة إلى قناة فيديو رقمية. بل إن شركة “بلاى بوى” التى أعادت توجيه علامتها التجارية نحو قضايا أسلوب الحياة فقد دخلت الملعب هى الأخرى بتقديم محتوى خاص بالطعام والوصفات. أما شركة Tastemade وهى شبكة متخصصة فى الطعام والوصفات فقد أعلنت أنها ستقدم 100 عرض حى للطبخ من خلال خاصية البث الحى على فيس بوك، ووقعت اتفاقا مع شبكة بث إسبانية لتقديم فيديوهات بالأسبانية موجهة للشباب اللاتينى الصغير الذى يعيش فى الولايات المتحدة.

هذه الأرقام والإحصائيات تقول أن الجمهور بشكل عام على استعداد لاستهلاك المزيد من محتوى الطعام والطهى، وأن هذه الرغبة تأتى بالمزيد من الزيارات للمواقع ونسب المشاهدة، وبالتالى فهى تمثل عنصر جذب كبير للمعلنين من مختلف الاتجاهات، الأمر الذى يمكن أن يمثل مصدرا جديدا للدخل لوسائل الإعلام التى تعانى تحت وطأة الضغوط الاقتصادية خاصة على المستوى المحلى.

لمزيد من المتابعة على منتدى المحررين المصريين