ياسمين سعد تكتب: أول سنة كتابة في معرض جديد في جديد

حلمت كثيرا بهذه اللحظة، رأيتها تتحقق أمامي مرات ومرات، أتذكر تحديدا هذه المرة، عندما كنت أرتدي فستانا له ذيل طويل، لكي يميزني عن كل من في المعرض، فأنا الآن وأخيرا أصبحت كاتبة، سأروي قصة للجميع، سأتحدث وسيمعونني، وأنا أتحرك وسط معرض الكتاب، فأنا أحفظ مداخله ومخارجه جيدا، سأتحرك من هذه الزاوية إلى هذه الزاوية، وسيتناقش معي الجميع في هذا الكرنفال الجميل، فجميعنا بجانب بعضنا البعض، إنه ليس مجرد معرضا بالمعنى المألوف، فهو مهرجان ينقصه السجادة الحمراء، بطله الناس، الذين يطوفون سويا في مكان لا يعطره سوى رائحة الكتب. ياسمين سعد

قدر الله تعالي أن تتحقق هذه اللحظة، وأن أصبح كاتبة لأول مرة في معرض الكتاب الجديد بالتجمع، حيث اختفت رائحة الكتب، وتبدلت بروائح المنظفات الجميلة، وانتهى طوف الناس في هذا الكرنفال الكبير، وأصبحوا يقفون طوابير مصفوفة لدخول أحد القاعات، التي لا أعلم من بداخلها، ولا لماذا أدخلها ولا أدخل هذه القاعة مثلا أو تلك أو تلك، فلا بد أن أقف بطابور جديد، وطابور جديد، وطابور أخير حتى القاعة الرابعة.

عندما تخيلت لحظة حفل توقيعي، تخيلت أنني أقف وأمامي الجميع، فأستطيع رؤية كل شيء، كل الناس، لا يوجد حدود على مرمى البصر، ولكن عندما وقفت في حفل توقيعي بالمعرض الجديد وجدتني أقف وسط أرفف كبيرة مرقمة، في مشهد ذكرني بأرقام روبوتات، هل أنت B20؟ هل أنا في C1؟ فالناس يتلعثمون ويتخطبون، لا يسألوا عن هذه الدار، عن هذا الكتاب، بل عن الرقم، “بدور على رقم 10، بدور على رقم 20″، وبعض الأشخاص لم يصلوا إلى رقمهم المنشود.

أرفف كثيرة كالبنيان المرصوص، مربعات ومربعات، تذكرني بالليجو المبعثر، أو بمكاتب العمل التي يجلس بها الموظف طوال اليوم، منتظرا أن ينتهي دوامه ليلحق بما وراءه من شغف تركه عندما جلس على هذا المكتب من أجل لقمة العيش، هذا بالضبط ما ذكرني به المنظر، وما ذكرتني به وجوه الناشرين أو الكتاب، فالمكان محدود جدا، ازدحام كبير، ليس لتدافع الناس، بل لضيق المكان، أو ربما التصميم الذي أوحى للناس، أو لي شخصيا بالضيق.

عندما كنا نتعب أنا وعائلتي الصغيرة من المشي في المعرض القديم كنا نرتاح على إحدى “الدكك”، أو حتى على الأرصفة، ولكن اختلف الوضع الآن في المعرض الجديد، فيوجد نافورة جميلة، وسيارات طعام تشبه سيارات الطعام الأمريكية، كافيتريات مهندمة وFood court لأشهر المطاعم، يمكننا أن نأكل بها، وكأننا انتقلنا في لحظة إلى نقلة حضارية، سنين وسنين إلى الأمام، أصبحت لا أبحث عن الكتاب فقط، بل هي نزهة فاخرة، وكنت أحب في المعرض القديم البحث فقط عن الكتاب، كنت أحب البساطة.

بعدما كنا ننتهي من المشي الطويل في المعرض القديم، نخطو بضع خطوات في جو مشمس، أو على الأقل حرارته معقولة، لنستقل مترو الأنفاق، أو نركب عربة تصل بنا إلى أقرب مترو أنفاق، ولكن الآن نتمشى شارع طويل بارد بسبب برودة الجو في التجمع، حتى نصل إلى الأتوبيس المنظم الذي سيأخذني في رحلة ساعة أو ساعة ونصف لكي أصل لمترو الأنفاق، ثم أذهب إلى منزلي، في رحلة تستغرق بأكملها حوالي ساعتان ونصف أو ثلاث ساعات، مصحوبة بدور برد لا يرحل سوى بعد بضعة أيام.

بماذا يختلف المعرض الجديد عن المعرض القديم؟ ولماذا من المفترض أن أفرح بانتقال معرض من مكان قريب من منزلي إلى مكان أبعد؟ ولماذا يهاجم الناس من يقول هذا الرأي، أليس هذا منطقيا؟

كل ما اختلف هو الشكل الخارجي فقط، الكتب هي الكتب، دور النشر هي دور النشر، وهذا الشكل كلّفنا وقت مهدر في بعد المسافة، وحنين جميل لرائحة الكتب، فلا يوجد روح في معرض الكتاب الجديد، فهو ليس كرنفالا، إنه منطقة تكنولوجية مليئة بالمحدثات، وقد تعلمنا ألا نحكم على كتاب من عنوانه، فالعبرة بما كتب في الداخل، وبماذا ستشعر عندما تقرأ، هذا هو المبتغى.

كتبت رواية “تذكرة على متن تيتانيك” قصة ترجع بنا 106 عام إلى الوراء، فربما أنا شخصيا أحب الحنين لكل ما هو قديم، فمبارك نجاح معرض الكتاب في مكانه الجديد، سأذهب إليه بالطبع كل عام والجميع سيذهب، ولكنني أحب المعرض القديم وسأظل أحن إليه دائما، أحب رائحة الكتب القديمة التي تخرج منه، والهوى ليس لنا عليه نهي ولا أمر.

نرشح لك.. محمد عبد الرحمن يكتب: بدون مقدمة عن معرض الكتاب 2020

شاهد : الإعلاميون والمشاهير خارج البلاتوهات في برنامج مش عادي

ياسمين سعد