أحمد حسين: سلسلة "كان معكم".. ممكن أعمل معاك "حيوار"؟ 2

تغير المصريون كثيراً بعد ثورة 25 يناير خاصة فيما يتعلق بحرية الرأي والتعبير، وزالت “كمامة” مبارك التي أسكتت الأفواه طوال عقود، وتعطش الجمهور بعد الثورة للحديث مع الإعلام مسموعاً كان أو مرئياً أو مقروءاً، لكن كان الكثيرون يفضلون الكاميرا ويحرصون للظهور أمامها أينما وجدت، الأمر الذي عكس الآية فبدلاً من أن يبحث المراسل عن المواطن لمعرفة رأيه، أصبح المواطن هو من يبحث عن الكاميرا ويتحين الفرص والأحداث التي يعلم يقيناً أنها ستحظى بمتابعة إعلامية.
هذا الأمر وإن كان “صحياً” وقتها لحالة الحراك السياسي والشعبي التي صاحبت الثورة وما بعدها، إلا أنه كان مرهقاً على المراسل، في بعض الأوقات تحول الأمر إلى كابوس إذا ما طلب من المراسل استطلاع رأي الجمهور عن أحد الموضوعات، وكان بالقطع “جحيماً” إذا ما كان على الهواء مباشرة لأنه لا أحد مهما بلغت خبرته ومهارته يستطيع السيطرة على ما سيقوله الناس إذا ما أرادوا الخروج عن النص، وأفرز “هوس” الظهور أمام الكاميرا بعض الأنماط والشخصيات التي تعامل معظم المراسلين معها.
النوع الأول هم “المحترفون” الذين لا يشق لهم غبار في الظهور أمام الكاميرا، تجدهم في كل مكان وكل حدث، أحياناً كنا نتساءل كيف يعلمون بوقوع الأحداث خصوصاً المفاجئة منها؟ كيف يستطيعون دخول المؤتمرات المقامة في فنادق “الخمس نجوم” وهم غير مدعوون إليها؟ لكنهم على أية حال كانوا يظهرون وراء كل الكاميرات وأحياناً في معظم اللقطات أيضاً، في أحد أيام العمل على تغطية “مليونيات” ما بعد الثورة وأثناء استراحة قصيرة سمعت اثنين من المواطنين يتباريان في عدد القنوات التي تحدثا إليها!، وتحول هوس الظهور لدى بعض “المحترفين” إلى عدم وجود مشكلة أخلاقية في أن يظهر داخل إحدى التظاهرات ويتفق مع مطالبها، ثم ينتقل سريعاً إلى مكان آخر وتظاهرة أخرى بمطالب مختلفة، ويتفق معها أيضاً!
النوع الثاني من المواطنين هو “الغامض” الذي يشعر أنه يمتلك الأسرار الخفية والوثائق السرية، غالباً ما يقترب من المراسل بهدوء وسط الجموع مرتدياً نظارة شمسية هامساً له بلهجة جادة “أنا عندي معلومات خطيرة جداً وبالمستندات، لو طلعت على التلفزيون هتبقى سبق صحفي محصلش وأنا أخترتك أنت علشان أكشف المعلومات دي، “الأمر الذي كان في معظم الأحيان لا يتعدى مشكلة شخصية أو فقط مجرد الرغبة في الظهور بأي طريقة!
ثالث الأنواع هو “المناضل المتشحتف” عادة هو صاحب بنية ضخمة وصوت جهوري، يستخدم أساليب “الشحتفة” والحسبنة، وينسج قصصاً لقهر الدين وغلبة الرجال، هذا النوع يهاجم المراسل فوراً إذا ما رفض الحديث معه ويتهمه بالتضليل وتغليب رأي على آخر، وغالباً ما يلجأ بعض المراسلين إلى تفادي الصدام معه وإعطاءه فرصة الحديث دون تشغيل الكاميرا فعلياً.
النوع الرابع هم “الباك جراوند” حاملو اللوحات الورقية أو الصور المرسومة بالـ “الفوتوشوب” يظهرون دائماً خلف المراسل إذا ما وقف أمام الكاميرا أو خلف من يتحدث، إما لمجرد الظهور كـ “مجاميع” أو للاستماع إلى ما يقال ونقده والاختلاف معه، أو البدء في وصلة هتافات لا تنتهي إلا مع رحيل الكاميرا.
آخر الأنواع “اللزج” وهو شخص يواجهك بابتسامة عريضة وأدب جم سائلاً المراسل: “ممكن أعمل معاك حيوار؟” دون أن يعرف ما الذي تريد أن تسأل عنه أو تعرف رأي الجمهور فيه، هو فقط يريد الحديث ومستعد للإجابة على أي شيء، وهذا النوع لزج لأنه يلازمك في كل تحركاتك مرة يقف خلف المصور ومرة أخرى بجوار المراسل وربما يأتي إليك مرة أخرى أو مرتين قائلاً “برضه مش هتعمل معايا حيوار؟”.
مع الوقت وتعدد مرات العمل مع الجمهور يتعرف المراسل على هذه الأنماط ويبتكر طرقاً لتفاديهم والسيطرة عليهم، أنا أفضل دائماً السعي خلف الأشخاص الذين لا يبحثون عن الكاميرا، أو الذين لا يريدون الحديث وأبدأ في إقناعهم بذلك، فغالباً هم الصادقون الذين يعبرون عن آراءهم بصورة بسيطة ومباشرة، لكن .. مهما تعددت الشخصيات فعلى المراسل دائماً التعامل معهم وضبط أعصابه والسيطرة عليها حتى لا ينقلب عليه الجمهور، فكم من ثورة غضب لمراسل أفضت إلى حصوله على “علقة ساخنة” أو طرده وإبعاده من موقع الحدث، في النهاية الرأي من الجمهور وإلى الجمهور وما نحن إلا وسيط لن يجلب لنفسه المتاعب من أجل مجرد “حيوار”.

اقـرأ أيضاً:

أحمد حسين: سلسلة “كان معكم”.. أسطورة جاءنا البيان التالي 1

حرب كلامية بين “تمرد” و “بداية”

‎عمرو سلامة عن باسم يوسف: كلنا عاجزون عن مساعدته

 عزمي مجاهد لمنسق حركة “بداية”: أنتم شواذ و مخنثين

 

 تابعونا عبر تويتر من هنا

تابعونا عبر الفيس بوك من هنا