محمد غنيمة يكتب: معرض الكتاب.. بين المثيرين للجدل والمثيرين للغثيان!!

أجد نفسي مرغمًا لكتابة هذا المقال، بعدما رأيت بعيني سيولًا من عناوين الكتب التي تدفقت علينا من كل حدب وصوب، فهناك من يطالب بأن لا تظلموا…، وآخر ولاد ….، وغيرهم الكثير حيث يأبى القلم بتعريفهم على أنهم كتب ومؤلفات تحمل تجارب ودراسات كتاب ومؤلفين؛ عانوا لسنوات لإخراج علمهم وتكبدوا عناء التجربة ورحلة الكتابة لإفادة الناس لا لشدهم إلى الحضيض. هذا ما يجعلني ويحملني على ذكر أن المصطلحات الثقافية تتغير حسب زمن استعمالها، فعندما كان الجيل الذهبي المصري يصف أن هذا الكتاب “مثير للجدل” كان المقصود على اختلاف الطبقات الثقافية، أن هذا الكتاب يقدم شيئًا مختلفًا يختلفون فيه أو يتفقون على محتواه؛ لكنهم في الأساس لا ينكرون حجة المحتوى القابل للنقد والتحليل.. أما الآن ونحن أمام هذا الكم من الهرطقات المنشورة التي لا أصدق أن تنعت بالكتاب.

منذ فترة وأنا أحاول التقصي وجمع معلومات عن ظاهرة انتشار هذه الفئة الرديئة اللي “متتسماش” كتب في وجه نظري البسيطة، والراسخ فيها بأن الكتاب إذ لم يقدم شيئًا جديدًا في عالم المعرفة البشرية فهو لا يستحق أن يطلق عليه كذلك، وأثناء البحث وجدت أن هذا الأمر يرجع إلى عاملين رئيسين وهما مع الأسف طرفي عملية النشر، الناشر نفسه والكاتب.

نرشح لك: سيد محمود يكتب: معرض الكتاب والتحدي الكبير

فالأول لا ينشر العمل اقتناعًا بمحتواه وإنما ينشره من أجل حصوله على قيمة الطباعة “المبالغ فيها طبعًا” من المؤلف “إذا جاز التعبير”، وبالتالي فالنشر له مكسب مادي على كل الأصعدة سواء من عملية النشر نفسها التي يتقاضى عليها أجرًا ليتحول من ناشر يبحث على تعميق الوعي لدى الأفراد إلى تاجر أو نصاب “إذا جاز التعبير” على بعضهم، وأخرى من ناحية البيع المضمون للفئات التي تتراوح أعمارهم ما بين 15 إلى 20 سنة وهي الفئة الأهم حاليًا.
ولا أتخيل هذه الكمية من الكتب الرخيصة التي تستطيع بمجرد أن ترى أغلفتها وأن تعتريك حالة من الغثيان، يتم الإعلان عنها في اليوبيل الذهبي لأهم حدث ثقافي في منطقة الشرق الأوسط، وأتوقف هنا عند السؤال أين دور الرقابة في التصدي لهؤلاء الذين يسعون لتعميق روح السذاجة والتطرف لدى هذه الفئات من المجتمع؟، الذي ولله الحمد ما زال يرى أن الكتاب هدفه في الأساس الوعي والثقافة، كيف يتم تصدير هذه الرذائل إلى المجتمع تحت بند “كتاب”؟.

ولتذكير الناس على أهمية الكتاب، عندما ظهر كتاب في الشعر الجاهلي للدكتور طه حسين عام 1926 ثارت ضجة كبيرة حول الكتاب ومحتواه حيث استخدم عميد الأدب العربي أسلوب الشك في الكتابة وتحول الأمر إلى معركة أدبية علمية دينية، كما أن طه حسين نفسه عُرض أمام نيابة مصر -ولا اتفق مع هذا طبعًا- ولكن أين الدور الرقابي الذي جعل من أرباع الموهوبين يقومون بعمل هذه النوعية من الكتب؟، لتجد صدى غير طبيعي لدى المجتمع وتجد شيئًا مثل ما نتكلم عنه يباع أكثر من مئة ألف نسخة، ثم نقوم بمهاجمة الشباب بانحدار المستوى الثقافي، لابد أن نرجع إلى أساس الأشياء، ويعلم الناشرون بأن الكتاب خُلق ليغير ويطور في الوعي العام.. لا ينحدر به إلى الدرك الأسفل من الغثيان.

حروب الرحماء وحلم إبراهيم عيسى