محمد وليد بركات يكتب: التجربة الدنماركية في التعليم.. الحلقة ( 3 )

المدرسة تعلم “احترام الآخر”.. ورحلات لمعايشة تجارب الدول الأخرى.. و170 مليون كرونا لبناء مدرسة واحدة

في الحلقتين السابقتين من التحقيق تعرفنا على نظام التعليم في الدنمارك، ونبذة عن التعليم غير الرسمي بأشكاله، وتطوره التاريخي، ثم على الروابط التي تجمع المدارس غير الرسمية في الدنمارك، ودورها في المنظومة، وكيف توفر التمويل، وفي هذه الحلقة نستأنف زياراتنا الميدانية للمدارس غير الرسمية.

في زيارات للمدارس، استقبلنا مادس فيليبسن Mads Philipsen، مدرس العولمة والتغير السياسي، في مدرسة “كروجرب”Krogerup ، والذي أشار إلى أنها جزء من منظومة المدارس الشعبية في الدنمارك، يلتحق بها الطلاب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و 23 سنة، يمثل الفتيات 80% منهم، ويقضي الطالب مدة الدراسة في المدرسة بين أقرانه، المنتمين لمختلف الأحزاب السياسية، فيتعلم تقبل الآخر واحترامه والتعايش معه، مضيفا أن المدرسة تخاطب المسلمين في الدنمارك للانضمام إليها، ويُعزي تراجع مشاركتهم فيها إلى السماح بشرب المشروبات الكحولية في عطلة نهاية الأسبوع بالمدرسة.

وأوضح “فيليبسن” أن الطالب يقضي فصلين دراسيين، وتصل مصروفات الفصل إلى 40 ألف كرونا، بينما تدفع الحكومة النصف الآخر من المصروفات. ويختار الطالب بين دراسة الديمقراطية، والعلوم السياسية، والصحافة، وصناعة الأفلام، والآداب، والاستدامة والحفاظ على الموارد، ويحصل الطلاب على حصتين يوميا، ثلاثة أيام أسبوعيا، مشيرا إلى أن الدراسة تتضمن رحلة لبعض الطلاب خارج الدنمارك خلال الثلث الثاني من الدراسة للتعرف على تجربة هذه الدولة في مجال ما، كتجربة النشطاء السياسيين في المكسيك في التغيير الاجتماعي.

نرشح لك: محمد وليد بركات يكتب: التجربة الدنماركية في التعليم.. الحلقة (1)

ولفت إلى أن التدريس يكون بالدنماركية أساسا، وتوجد بعض المواد بالإنجليزية، ويوجد في المدرسة طلاب من جنسيات مختلفة، وتوجد منح للطلاب الأجانب، وفي المساء يجلس الجميع في الفناء معا للغناء، باستخدام “دليل الأغنيات الجيدة” المعتمد لدى المدرسة.

وأشار “فيليبسن” إلى أن الدراسة تتم بشكل ديمقراطي، فالمدرس لا يفرض رأيه على التلاميذ، وإنما يعرض رأيه كواحد منهم، ويسمح لهم بفرصة للتعبير عن آرائهم، ويستمر النقاش الحر بين الجميع، ويذكرهم بحق الجميع في التعبير عن آرائهم، ويتيح الفرصة لمن ليست لديهم الجرأة ليعبروا عن آرائهم، وتظل المناقشات مستمرة فهي ليست عملية منتهية، فمثلا قد تناقش قضية مثل “جعل دورات المياه مشتركة بين الجنسين”، ونجد اختلاف في الآراء حول القضية، (نلاحظ هنا اختلاف السياق الثقافي بين مصر والدنمارك).

وفيما يتعلق بأجور المعلمين، أوضح أن راتب المعلم في الدنمارك يتراوح ما بين 27-33 ألف كرونا سنويا (يصل إلى 33 ألفا بعد سبع سنوات خبرة)، لافتا إلى أن راتب المعلم في المدارس الشعبية أقل قليلا من زميله المدارس الحكومية، ولكن الأول يسكن في منزل تملكه المدرسة ولا يدفع أجرة للسكن.

ثم اصطحبنا الطالبة أوبال جينسن Opal Jensen والطالب ألبرت بجيرري Albert Bjerre في جولة بالمدرسة، شاهدنا خلالها بعض قاعات الدراسة، وأماكن الجلوس والمعيشة، وكذلك ملهى المدرسة.

ورشة عمل في المدرسة

وفي مدرسة “روسكيلد”Roskilde ، قابلنا “جاسبر أولاند”، وهو المسئول عن تجهيزات إقامة المدرسة التي لاتزال تحت التأسيس، وهي مدرسة مرتبطة بمهرجان موسيقي ينعقد سنويا منذ عام 1971، ويحضره آلاف الشباب من كل أنحاء العالم، ويتطوع فيه نحو 30 ألف شاب، حيث اتخذ القائمون على المدرسة من المهرجان منصة لجذب الناس إليها.

وأوضح “أولاند” أن المدرسة تستهدف فئة الشباب من سن 18 إلى 24 سنة، وتقدم تعليما غير رسمي، وستستمر دراسة الطالب فيها من أربعة إلى ستة أشهر، وتوفر الإقامة الكاملة للطلاب، ولا توجد متطلبات أكاديمية معينة للالتحاق بها، وليس بها امتحانات.

وأضاف أن الجمعية العمومية التي أسست المدرسة تتكون من 150 فردا، انتخبت مجلس إدارة من تسعة أشخاص، وتم جمع 170 مليون كرونا من سبع جهات تمويل، بعد مفاوضات استغرقت خمس سنوات، وتكلف بناء المدرسة 45 مليون كرونا تقريبا، ومثلهم لسكن الطلبة، ومثلهم لتكاليف إدارة المدرسة وضمان دفع رواتب المدرسين لعشر سنوات قادمة، ومبلغ آخر لديكور المدرسة.

صورة للمدرسة تحت التأسيس

وأوضح “أولاند” أن المقررات في المدرسة ستعتمد على دمج العقل والجسد، بمعنى مزج ما هو معرفي بما هو مهاري، عبر ثلاثة مجالات أساسية، هي: الموسيقى (الشعر والتلحين)، والفنون (الحرف، وبناء المدن)، والتغيير الاجتماعي (الإدارة الثقافية، والقيادة، والاتصال السياسي، وصناعة الأفلام، والصحافة)، على ألا تكون الفصول بالشكل التقليدي وإنما على شكل ورشة أو مسرح أو غرفة أخبار حسب التخصص، مشيرا إلى أن غرفة الاخبار وحدها تكلفت نصف مليون كرونا، وأضاف أنه سيكون لكل مقرر دراسي مستوى أول في ثمانية أسابيع، ومستوى ثاني في 14 أسبوعا، وثمن المقرر الواحد 55 كرونا.

وأضاف أن المدرسة مقيد بها حاليا 65 طالبا، وترحب بالطلاب من كل أنحاء العالم، علما بأن الدراسة ستكون بالدنماركية، ويضم السكن الطلابي 140 سريرا، وهي تستهدف 80 طالبا لتبدأ الدراسة هذا العام.

وأشار “أولاند” إلى مفكرين تأثرت بهم فلسفة التعليم غير الرسمي في الدنمارك، وهم: الفيلسوف والعالم الألماني هامبولد Humboldt، الذي رأى أن “المعرفة وسيلة وليست هدفا في حد ذاته”، وهالكوك Hal Koch الذي نادي بعد الحرب العالمية الثانية بأن يُدار التعليم بشكل ديمقراطي لا بشكل قومي مركزي.

الوفد المصري في زيارة لمدرسة “روسكيلد” تحت التأسيس

وفي الحلقة الرابعة من التحقيق نزور وزارة التعليم، ونتعرف عن قرب على تجربة التعليم المهني، ودور الوزارة في تطوير مهارات العمال، ونزور اتحاد الصناعات، ونتعرف على أهميته في تحسين مستوى العمال، وضبط إيقاع العمل.

 

محمد وليد بركات يكتب: التجربة الدنماركية في التعليم.. الحلقة ( 2 )

شاهد: أبرز الأحداث التي شغلت الوسط الثقافي خلال عام 2018