محمد ناصر علي.. الشاعر الذي باع نفسه للإخوان

رباب طلعت

أسباب كثيرة، تدفع البعض لسلك طرق شائكة، وضالة، مثل الارتماء في أحضان الجماعة المحظورة، والظهور على شاشتها كأحد وجوهها الإعلامية أو السياسية، في أحد منابرها التلفزيونية، يصرخ ويضلل ويعارض ويلفق الأكاذيب ويطلق الشائعات، ويفعل ما يحلو للممولين، الذي ينفقون أموالهم ببذخ للوصول لأكبر شريحة من المصريين، لاستمالتهم لصفهم، بحثًا عن شرعية جماعتهم ورئيسهم “الباطلة” التي أسقطها الملايين من أبناء الشعب في ثورة 30 يونيو، ومن تلك الأسباب البحث عن الشهرة، أو المال، أو نجاحٍ لم يستطع تحقيقه في وطنه، ما دفعه للعمل ضده، وتشويه صورته، مقابل أيًا منها.

تلك الأسباب كلها، توفرت في بعض “الفاشلين” ممن قرروا شراء نجاح زائف، في تركيا، أو أنصاف الناجحين من الإعلاميين الذين رأوا منها “فرصة” لذخر مال وفير بـ”العملة الصعبة” وغيرهم، ممن لم يكن لهم اسمًا أو صفة في مصر، ولكن ليس منهم محمد ناصر علي، الوجه الأبرز على قناة “مكملين”، والذي كان قبلها شاعرًا وفنانًا وإعلاميًا وأحد موظفي وزارة الثقافة المصرية، الذي يدفعنا للتساؤل باستنكارٍ: “ليه راح معاهم؟”، وفيما يلي يرصد “إعلام دوت أورج” محاولة لفهم تحولات محمد ناصر علي من فنان موهوب لـ إعلامي “مُلفق”.

نرشح لك: نهايات مأساوية.. أنور إسماعيل مات في ظروف غامضة

نجاحات فنية صغيرة

15 عامًا هي مقدار السنوات التي قضاها “ناصر” تقريبًا كأحد أبناء العمل الفني، حيث إنه بدأ منذ عام 1993، بالانضمام إلى فرقة “أوتار مصرية” مع المطرب والملحن وجيه عزيز والفنان هشام نزيه، كما كان له تجربة في كتابة السيناريو، بكتابة فيلم “كليفتي” عام 2003 للمخرج محمد خان، والذي شارك معه كفنان في فيلمي “بنات وسط البلد” الذي قدم خلاله شخصية “مُحدث النعمة”، وفيلم ”في شقة مصر الجديدة”، ثم أعاد تجربة الكتابة بعد بـ10 أعوام بسيناريو “هرج ومرج” عام 2013 للمخرجة نادين خان.

تجربة الكتابة لم تكن جديدة على “ناصر” ابن محافظة بني سويف، حيث إنه في الأساس شاعر، وأيضًا فنان فهو خريج كلية الفنون الجميلة، قسم نحت، وكتب العديد من الأغنيات الناجحة من بينها “مش نظرة وابتسامة” للفنانة سيمون، و”لو مقدرتش تضحك ما تدمعش” رائعة وجيه عزيز التي تغنى بها بصوته الفنان أحمد زكي في فيلم “هيستيريا”.

المُثقف محمد ناصر

في حواره مع محمود عزب، مقدم “عزب شو” المُذاع على قناة “النايل كوميدي”، سأله “عزب” عن سبب تقديمه لدور “مُدعي الثقافة” في فيلم “بنات وسط البلد” مع أنه “مُثقف حقيقي”، وليس مثل أولئك المدعيين، فأجابه أنه وافق على الدور لأنه يتعجب من سلوكهم الغريب، فهم يحيكون الروايات والادعاءات والقصص ويتلونها على الناس كأنها حقائق! وفي تلك الحلقة أشار “عزب” كثيرًا لثقافة ضيفه، حتى إنه أكد في بدايتها أنه من الشخصيات التي وضعها على قائمة “لازم استضيفهم” في بداية برنامجه لتعدد مواهبه وثقافته!

تلك الحلقة لم تكن الدليل الوحيد على ثقافة “ناصر” بل هو بالفعل كان يندرج ضمن قائمة العاملين في وزارة الثقافة، فقد تولى إدارة قصر ثقافة أكتوبر عام 2005 بعقد، أي بدون تعيين دائم في الوزارة، كما تولى إدارة المكتب الفني لصندوق التنمية الثقافية لأربع سنوات انتهت عام 2013، حيث غادر الوزارة محتجًا على تعيينه في درجة أقل من التي يستحقها.

إعلامي لأول مرة

ظهور محمد ناصر علي على شاشات التحريض، ليست تجربته الإعلامية الأولى فقد شارك لفترات طويلة في إعداد البرامج والتمثيل في بعضها مثل: “حسين على الناصية” مع الفنان الراحل حسين الإمام، وظهر كمقدم برامج للمرة الأولى عبر قناة “أو تي في” من خلال برنامج “يبقى إنت أكيد في مصر”، عام 2008، ثم انتقل لقناة “المحور” وقدم برنامج “شيزوفرينيا”، ثم برنامج “من هنا ورايح” الذي توقف إثر خلاف مع مالكها حسن راتب بسبب حلقة كان ضيفها الكاتب “أشرف عبد الشافي” صاحب كتاب “البغاء الصحفي”.

تحولات وتناقضات

في 2013، وبعد ثورة 30 يونيو، ثم تسلم الرئيس عبد الفتاح السيسي لمهام منصبه كرئيسٍ للجمهورية، بدأ الظهور الأول لـ”ناصر” على المنابر الإخوانية، التي انتقل فيها من واحدة للأخرى حيث قدم “عين العقل” على قناة “الشعب”، وانتقل به إلى قناة “الشرق”، بعدها قدم “من مصر” على قناة “مصر الآن” التي ظهر فيها في مسلسل “سمير بونديرة”، أيضًا، وأخيرًا وصل إلى قناة “مكملين”، ليقدم برنامجه الأشهر والمستمر إلى الآن “مصر النهاردة”.

تلك الرحلة الطويلة لـ”ناصر” و”الغريبة” أيضًا، كشفت عن العديد من التحولات في شخصيته، وأفكاره، حيث ظهر بزي “الإرهابي” المُحرض على قتل ضباط الشرطة، في الفيديو الذي كان سبب شهرته، عام 2015، كما ارتدى أقنعة المُلفق، والمعارض وصاحب المبادئ، والمعارض الذي لا يخاف من أحد، وكلها أقنعة كاذبة تتعارض مع متناقضات شخصيته التي ظهرت في تلك الفترة ونحاول رصدها فيما يلي:

1- بالعودة لشخصية محمد ناصر علي قبل انضمامه لمنصات الإخوان الإعلامية، يمكن ملاحظة مدى “انفتاح” شخصيته، فهو “زي أي واحد مصري” يستطيع إلقاء النكات بسخرية و”خفة دم”، وذلك يظهر خلال حلقات برنامجه “يبقى إنت أكيد في مصر” الذي ينتقد فيه ظواهر “غريبة”، و”طريفة” من المجتمع، وبعدها “شيزوفرينيا”، إلا أنه مؤخرًا أصبح ذو نبرة حادة، وملامح “ناشفة” لا تتغير ولا تتحول أمام الكاميرا هو فقط مجرد مؤدي يوصل رسالة “مدفوع فيها”!

2- في نفس حلقة لقائه مع “عزب شو” تجاوب مع سؤاله لو تم اختياره كبطل لفيلم، من سيختار ممثلة قال إنه سيسعد بالتجربة أمام نيللي كريم أو غادة عادل “أي حاجة لطيفة كده” على حد تعبيره، ولم يحرم أو يجرم وقتها المجال الفني، وأجور العاملين فيه والتي لم تختلف كثيرًا عن الآن، لكنه حاليًا مذيع في قناة معارضة لذا أصبح يهاجم الصناعة بأكملها، ويصب اللعنات عليها، وعلى العاملين بها، والهجوم الضاري عليها.

3- من ضمن التحولات التي طرأت على أفكاره، هو دفاعه المستميت عن شرعية المعزول محمد مرسي، بالرغم أنه كان من أنصار حمدين صباحي، في الانتخابات الرئاسية التي جمعتهما، وفي الجولة الثانية اختاره لأنه فقط أمام الفريق أحمد شفيق، أي أنه اختاره كأقل الضررين، ولكنه قبل ثورة 30 يونيو ضده، ومعارض لأفكاره وتصرفاته بالرغم من اختياره له ككثير من الشباب الذين وجدوا فيه وجماعته أملاً كاذبًا لحماية أهداف الثورة كما ادعت الجماعة، قبل خداعهم.

4- في الفيديو الشهير له والذي قال فيه “أنا كافر بالآله بتاعت أحمد الطيب وعلي جمعة ومحمد حسان والملك عبدالله بن عبد العزيز، كافر بآلهة الأزهر، كافر بالإله بتاعهم، وبكعبتهم اللي اسمها الأزهر”، عارض أحمد الطيب واعتبره أحد المنافقين، والذي يكفر بما يؤمن “الطيب” به، وذلك بخلاف ما جاء بعدها بعامٍ تقريبًا في فيديو تعليقه على احتفال الرئيس عبد الفتاح السيسي بالمولد النبوي الشريف لعام 2018، حيث مجد في “الطيب” مبررًا بذلك أن عليه الكثير من المآخذ لكن “الرجل يدافع عن الدين للرمق الأخير أمام الرئيس! ووزير الأوقاف”!

ليس ذلك فقط، بل بالعودة لحلقات برنامجه “شيزوفرينيا” لعام 2010، نجد أنه استعان بمداخلة للداعية الإسلامي خالد الجندي، أحد رموز الأزهر في الإعلام! وقدم رأيه بتبجيل واحترام.

5- تعرض “ناصر” لعدة مواقف محرجة ردًا على ادعاءاته ضد الدولة المصرية وتشويهها، ومواقفها السياسية تجاه قضية حساسة مثل فلسطين، وكان أبرزها في حلقة تناوله لتسريبات “نيويورك تايمز” المزورة، حول تورط بعض الفنانين المصريين مع ضابط مخابرات مزعوم، بإقناع الشعب المصري بقرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نقل سفارة بلاده من تل أبيب إلى القدس، حيث استقبل مداخلة هاتفية من سفير فلسطين السابق بالقاهرة، والذي كذب جملة تلك التسريبات، قائلًا إنه حتى لو سمعها بأذنه سيكذبها في وجود التكنولوجيا الحديثة التي تستطيع اختلاق مثل تلك الأكاذيب، مشددًا على معرفة العالم كله موقف مصر الصريح والواضح في مساندة القضية الفلسطينية منذ بدايتها وإلى الآن، ما أربك المذيع على الهواء، وأفقده القدرة على الرد.

6- تحولات شخصية محمد ناصر علي، لم تظهر فقط في أفكاره السياسية، أو المتعلقة بالشخصيات المسؤولة للدولة لدعمها للرئيس عبد الفتاح السيسي، بل لأي شخص معارض للجماعة، ومؤازر للدولة، بشكلٍ غير إنساني، وبلا رادع ديني أو خلقي، وقد ظهر ذلك في حلقات عدة أبرزها نبرة “شماتته” في وفاة العالم الجليل أحمد زويل، حيث هاجمه وبشدة قائلًا: “كنت عارف وأنت قاعد جمب السيسي وبتسانده وبتتقاتل على ملايين عشان جامعتك إن أخرتك متر في متر”، كأنه كان يبحث بتلك الجامعة عن مجد شخصي! لم تكن تلك الواقعة الأولى باستهانته بحرمة الوفاة، حيث تحدث عن الفنان الراحل أحمد راتب بأنه كان يعمل 24 ساعة دون رحمة، مشيرًا إلى أن ذلك نوعًا من الجشع الذي يصيب الفنانين، وقد ذكر موقفًا قديمًا جمعه به أثناء إعداده لأحد البرامج الفنية.

شاهد: نهايات مأسوية.. أنور إسماعيل مات في ظروف غامضة..