في ذكرى رحيل زهرة العلا.. تعرف على دور حنان ترك في حياتها ولحظة فراقها 

أمنية الغنام

يوافق اليوم ١٨ ديسمبر الذكرى الخامسة لرحيل زهرة السينما المصرية، ذات الملامح الأوروبية التي يفوح منها العبير المصري الأصيل، الفنانة “زهرة العلا”.

يمكن القول عن تلك الزهرة إنها استطاعت تحقيق المعادلة الأمثل كفنانة عكست جميع أدوارها حالة من احترام النفس والفن معاً، كزوجة قدست الحياة الزوجية طوال ٤٥ سنة فترة زواجها من المخرج الكبير الراحل حسن الصيفي، وكأم كانت أهم أولوياتها رعاية ابنتيها..أمل ومنال ومتابعتهما، وكإنسانة كان لها نصيب كبير من الحب والتقدير ممن حولها.

إعلام دوت أورج” توجه لمنزل الإبنة الصغرى المخرجة منال الصيفي، ذلك المنزل الذي شهد حياة والدتها طوال السنوات الأخيرة من حياتها.. وقد دار هذا الحوار بيننا:

1- كانت أما للجميع فبيتنا لم يكن بيتا فنيا بالمعنى الكامل، صحيح كان يزوره الكثير من الفنانين، نظرا لعملها هي ووالدي في المجال الفني إلا أنها كانت حريصة للغاية على أن تطهو لنا الطعام بنفسها، وأن تقوم على كامل شئونه، حتى أنها لم تكن تسمح لأحد غيرها بشراء الخضار واللحوم، كذلك كانت تتابع كل ما يخص والدي بنفسها. كانت جدتي تقيم معنا لتشعر بالاطمئنان علينا في حال سفرها أو غيابها عنا وعن المنزل لظروف التصوير واستمر هذا الوضع حتى بعدما كبرنا وتزوجنا وأنجبنا الأحفاد، لم نشعر يوماً بأنها بعيدة أو غائبة حتى أنني لم أشعر يوماً أنها ممثلة أصلاً مع كثرة انشغالها فهي ربة منزل و”بيتوتية” لأقصى الحدود.

2- عملت مع والدي في العديد من الأفلام وكانا يحرصان مع أول دخول لهما للمنزل أن يتركا خلفهما كل ما يخص العمل، وفي أثناء التصوير تتعامل معه كممثلة تتلقى التوجيه من المخرج. تعشق الفن وتناقش ملاحظاتها عن العمل، وهو في المقابل لم يخلط بين زهرة العلا الممثلة وبين الزوجة وأم أولاده.

3- كانا يعشقان الاستماع سوياً لأغاني الفنانة وردة خاصة “في يوم وليلة”، “اسمعوني”.. ولم تخلو سيارة زهرة العلا من أشرطة وردة فقد كانت صديقة لهما وزارتنا في المنزل مع الفنان الراحل بليغ حمدي وأخذت تدندن ببعض الأغاني في أحد ليالي الصيف وكانت سهرة لطيفة أذكرها جيدا برغم صغر سني وقتها وإصرار والدتي على الذهاب مبكراً للنوم. للأسف لم تسجل هذه السهرة لأنه لم يكن من طبع والديّ أن يهتما بذلك أو حتى الحرص على التقاط الصور أو الظهور أو حتى قضاء السهرات التي كانت منتشرة في الوسط الفني.

نرشح لك: لماذا ابتعد حسن كامي عن التمثيل؟

4- إنشغال والدتي بحياتها الأسرية خاصة بعد مجيء الحفيد الأول “مودي” لم يكن يسمح لها بإجراء الاتصالات التليفونية للزملاء والأصدقاء إلا أن الفنانة شادية كانت حريصة على الاتصال بوالدتي للاطمئنان عليها كذلك كانت الفنانة هند رستم والفنانة نجلاء فتحي يفعلان ذلك. كانت والدتي تحزن مع رحيل أيا ممن عملت معهم وكان حزنها كبيراً برحيل الفنانة تحية كاريوكا والفنان صلاح ذو الفقار الذي تزوجها لمدة عام قبل زواجها بوالدي.

5- لا أحب فيلم دعاء الكروان، لأنها تُقتل فيه، وعندما كنت أشاهده وأنا صغيرة كنت أبكي بشدة وكان زملائي في المدرسة يسخرون مني قائلين “يا بنت الباشمهندس” إشارة لدور أمي “هنادي وعلاقتها بالباشمهندس أحمد مظهر في الفيلم”، كان هذا يغضبني كثيراً خاصة وأنا أعشق والدي جداً وكنت مستنكرة فكيف يمكن أن يحدث ذلك؟! فعلاً كان عندي مشكلة نفسية مع هذا الفيلم خاصة أنه كثيرا ما كان يصادف عرضه توقيت سفرها لكنها كانت دائماً تطمئني قائلة “أنا معاكي يا منال وعايشة ولم أمت ده تمثيل مش حقيقي”.

6- حبها وتقديرها للفن جعلاها تتقن اختيار أعمالها، وليس التمثيل لمجرد التمثيل بل تهتم بالقراءة المتأنية للسيناريو والتفكير بهدوء قبل اتخاذ قرار الموافقة، ولأن الطابع الأسري يغلب على تفكيرها كانت تتردد كثيراً في قبول الأعمال المسرحية وهي في الأساس خريجة المعهد العالي للفنون المسرحية وبداياتها كانت في المسرح لكن ظروف عمل المسرح والعودة في الساعات المتأخرة من الليل أو مع الساعات الأولى للصباح جعلها ترفض وكانت تقول “أنا عندي بيتي وأولادي”.

7- كان يشغلها أن يظل لاسمها خصوصيته وبريقه وكانت عبارتها الشهيرة لنا “حافظوا على اسمي”، لذلك كانت شديدة في تربيتها لنا عن والدي رغم حنيتها، وأقرب دور لها عكس شخصيتها دورها في مسلسل “الزوجة أول من يعلم”، حتى أننا كنا نداعبها بأنها لم تحتاج لبذل أي مجهود في المسلسل لأنها ظهرت فيه بشخصيتها في الحياة. كما أنها لم تكن تقتنع بفكرة تخزين ما ليس له حاجة، أو الاقتناء من أجل الاقتناء، كما أنها كانت معطاءة ولا ترد من يلجأ إليها.

8- أمي لم تكن صديقة لي وكنت أميل أكثر لوالدي، ولم أكن أتخيل أنني سأربي أولادي بنفس طريقتها لكن الذي حدث العكس فقد ورثت عنها شدتها وجديتها في تربيتي لأولادي.

9- أذكر عندما حضرت العرض الخاص لفيلمي “الحياة منتهى اللذة” أنها كانت سعيدة جداً وفي نفس الوقت غايةً في التأثر لأن الفيلم كان يدور حول الأب وكان والدي قد رحل قبلها بشهور قليلة في نفس السنة فكان بمثابة استرجاع لذكرياتها معه.

10- كان يلفت نظرها أداء الفنانة صابرين في مسلسل أم كلثوم كما كانت تحب تمثيل منى زكي وأحمد السقا ومحمد هنيدي، فقد كان زميلي في المعهد وكان يأتي لزيارتنا.. وكثيراً ما مدحت في أداء حنان ترك وزاد حبها لحنان بعدما علمت أنني طلبت منها أثناء سفرها للسعودية بعمل “سبيل” لوالدي وبالفعل نفذت حنان ما طلبته. وبالمناسبة حنان ترك وقفت على تغسيل والدتي.

11- قبل أن تقوم بأداء فريضة الحج كانت تشعر بالاكتفاء من التمثيل وساورها الإحساس بعدم الرغبة في الاستمرار خاصة أنها كانت طوال حياتها إنسانة ملتزمة ومتدينة وتنزعج عند تركنا في رمضان لتضطر لتناول الإفطار في مكان عملها، وزادت هذه القناعة عندها بعد الحج فقررت الاعتزال بالرغم من اشتراكها في عمل أو عملين بعد عودتها منه، لأن الذي حدث هو إصابتها بجلطة وجاء قرارها بالابتعاد.

12- بعد الاعتزال عاشت والدتي حياة أسرية كاملة، تستيقظ مبكرًا، وتقرأ القرآن كثيرًا. تقوم بتوصيل الأبناء للمدرسة، وتشاهد التليفزيون خاصة الأفلام الأجنبية القديمة أو الجديدة حيث كانت تجذبها محتوى تلك الأفلام والرومانسي منها تحديدًا أما الرعب منها فكانت تشاهدها مع ابنتي.

نرشح لك: السبب الحقيقي لاعتزال شادية

13- زارت بلاد عديدة لكنها عشقت تونس واليونان لأنها كانت تحب الأماكن الطبيعية الخضراء، وأحبت كندا لأنها سافرت إليها بصحبة والدي.

14- كنت أنزعج عندما كان يتم معاملتي كإبنة زهرة العلا أو حسن الصيفي وليس لشخصي أنا، لكن بمرور الوقت وخاصة بعد رحيلهما أفتخر كثيرًا بانتمائي لهما ولسيرتهما الطيبة فلا يقابلني فني أو عامل ممن عاصروهم إلا ويحكي لي عنهما شيئًا.

15- كان يشغلها تدهور الحالة الفنية في مصر، وأكثر ما كان يزعجها عدم احترام المواعيد والالتزام أثناء التصوير، فالتأخير أو الغياب مسموح به في الحالات القهرية والخارجة عن الإرادة فقط؛ فهي نشأت وسط جيل يقدس الفن ويعتبره رسالة بل كانت أحيانا تضطر لبيع ذهب وبكميات للصرف على إنتاج فيلم معين، وأذكر أنني ذات يوم لم أجد سيارتي للذهاب بها للمعهد وفوجئت بأنه قد تم بيعها لدفع رواتب العاملين.

16- نفسي أعمل مسلسل عنها أركز فيه على حياتها الشخصية لأنها  كانت حياة مليئة بالمآسي وكانت إنسانة مكافحة عارضت والدتها في دخولها عالم التمثيل كذلك أزواج أخواتها وكان منهم عمدة كفر الحمام في طنطا، وقاطعوها لفترة طويلة بينما كان والدها مع فكرة عملها بالفن وكان يدعمها، ومن شدة حبها للفن أسست فرقة تمثيل وهي ما زالت بالمدرسة وقدمت العديد من العروض التي حازت الإعجاب والثناء. وأتمنى إذا خرج مشروع المسلسل للنور أن تؤدي شخصيتها الفنانة غادة عادل لأنها تجمع بين جمال روحها وتلقائيتها وعفويتها مع ملامحها القريبة الشبه بها.

17- عمرو الصيفي هو أخ غير شقيق لنا ومع ذلك لم نشعر يوما بالفرق فهو نشأ بيننا وكانت والدتي تعامله معامة الإبن حتى أن الجميع كان يعتقد أنه فعلاً ابنها، وأذكر وقت وفاة والدته أنه لم يرغب في إقامة  العزاء في قاعة جامع كبير حتى لا يسبب بلبلة ويعتقد أن من توفت هي زهرة العلا… عمرو يهتم بأرشفة كل ما له علاقة بوالدتي وكل ما نشر أو كتب عنها وتجميع صورها من أكثر من مكان أو جهة فهو بالنسبة لنا نعم الأخ.

18- في أواخر أيامها كانت تعاني من صعوبة في الحركة، وكانت غرفتها بالنسبة لنا المقر الذي ننام ونقوم ونأكل ونشرب فيه. كنا حريصين على الاجتماع حولها ولم نتركها أبداً، وأذكر وقت ثورة يناير كانت غير راضية عما يحدث وتشعر بالقلق والخوف على مصر وتتساءل كيف للمصريين أن يخربوا فيها!!

19- أوصتني قبل رحيلها بثلاثة أيام ألا أُغضب أختي أمل أو ابنتي الكبرى “نانو” لإني كنت عنيفة معها بعض الشيء. وفي يوم رحيلها شعرت بإحساس غريب -فقد ماتت من كنا نكرمك من أجلها- فقد أكرمتنا وأحسنت تربيتنا.

20- “أمي وحشاني جداً”، من بعدها أشعر بالعتمة والظلام، وكنت من أنانيتي أتمنى وجودها مهما كان حالها ومرضها بدلاً من فقدانها ورحيلها عنا. اعتدنا في إحياء ذكراها الذهاب أنا وأختي أمل وأخي عمرو إلى قبرها وقراءة القرآن ترحماً عليها.

نيللي كريم.. الفنانة التي اكتشفتها “ذات”

شاهد: في الذكرى الأولى لوفاتها.. أرقام وتواريخ في حياة #شادية