أحمد فرغلي رضوان يكتب: ليلة الاثنى عشر عامًا.. وهزيمة الديكتاتورية

كما توقع الكثيرين اقتنص فيلم “ليلة الاثنى عشر عامًا” a twelve years night جائزة الهرم الذهبي، وهو يستحقها بالفعل الفارق كبير بينه وبين أفلام المسابقة الأخرى خاصة في الإخراج والسيناريو والتصوير، منذ فترة طويلة لم أجد مثل رد فعل الجمهور الذي حدث بعد إنتهاء عرض الفيلم سواء في دار الأوبرا أو في سينما “كريم”، إذ وقف الجمهور يصفق طويلًا في المرتين وهو نجاح لا يُضاهيه أهم جوائز العالم، أن يجد صُناع فيلمًا ما تلك التحية من الجمهور عقب نهاية الفيلم.

يبدو لك الأمر عقب مشاهدة الفيلم “المهم” “ليلة الاثنى عشر عامًا” أن جميع ديكتاتوريات العالم متشابهة!، في نهجها الفكري ولكن الاختلاف يكون حول كيفية إسكات أصوات المعارضة الديمقراطية، الفيلم يأخذنا إلى أوروجواي وقصة “حقيقية” خلال فترة السبعينيات التي حدثت فيها تحولات سياسية كبرى، انقلابات وثورات شعبية في دول أمريكا اللاتينية أو كما يقولون “القارة المُلتهبة” ما بين انقلاب وانقلاب.. انقلاب!.

ثلاثة من المعتقلين السياسيين في أوروجواي هم خوسيه “بيبي” موخيكا، وماوريسيو روزنكوف، وفرنانديز هويدوبرو، ثلاثة من أهم الشخصيات في أوروجواي في السنوات الأخيرة، أحدهم ” بيبى موخيكا” صار رئيسًا منتخبًا لأوروجواي من “2010_2015 “، الثلاثة يتم اعتقالهم ذات ليلة عام 1973 بقسوة من قبل الجيش واحتجازهم في أحد السجون والتي تبدو كقلعة ولكن الليلة تكون الأخيرة التي يشاهد فيها هؤلاء الثلاثة ضوء الشمس!؛ خطة التعذيب تقتضي فقدهم لجميع حواسهم خلال فترة اعتقالهم “1973-1985” حتى الكلام يتم منعهم منه!، وبالتالي فقدان الوعي بالزمن بمرور الوقت، حيث أنه لم يكن يستطيعون قتلهم، فكان البديل هو دفعهم للجنون! التعذيب وسنوات السجن صوّرها المخرج ألفارو بريخنر، ببراعة وبشكل مبتكر سينمائيًا، ورغم قتامة الصورة في بداية الأحداث تتسع بعد ذلك كادراته لنشاهد ما يحدث حولهم ونجد أيضًا السخرية حاضرة بين المساجين الثلاثة وحراسهم في أكثر من مشهد به في نفس الوقت قسوة وحماقة!؛ فأحد هؤلاء الثلاث هو الشاعر والكاتب الشهير فيما بعد “ماوريسيو روزنكوف”، يسمع أحد ضباط السجن لا يعرف كيف يصل مشاعره للفتاة التي يحبها فيطلب منه أن يساعده بكتابة خطاب لها ويستطيع بخطاباته أن يساعد ضابط السجن على الفوز بقلب الفتاة ويطلب مكافأة له أوراق وقلم “يشم رائحة الأوراق التي حرم منها” عندما تكون بين يديه!، ربما يكون المثير للدهشة هو علاقة روزنكووف بالأدب ومحاولته الدائمة لمواصلة الكتابة، من دون الوصول إلى الورق والقلم، في تمثيل للكتابة باعتبارها عملًا عظيمًا للمقاومة، “يوجد في تاريخ العالم أجمع ما يعرف بأدب المقاومة”، وهنا نشير إلى السيناريو الذي أعاد بناء قصة “معروفة” من قصص المقاومة بشكل ممتع سينمائيًا.

ظل المعتقلين الثلاثة متمسكين بالأمل رغم قسوة الاعتقال، وتنقلهم بين سجن وآخر معصوبي العينين كل فترة ولكنهم نجحوا في أن يحافظوا على بقاء “عقلهم” واعي كما هو فيما يشبه “المعجزة”، وابتكروا في ظل الصمت المفروض عليهم لغة باستخدام “الطرق” على جُدارن السجن للحديث فيما بينهم! فكان التفكير هو مساحتهم التي يصعب اختراقها.

هو فيلم مؤلم جدًا ولكنه مثير للاهتمام منذ الدقيقة الأولى وحتى النهاية، يحكي عن فترة الحكم العسكري في سبعينيات القرن الماضي في أوروجواي حيث كانت الديكتاتورية تفرض قبضتها الحديدية بلا رحمة.

باختصار.. فيلم a twelve years night يتناول الديكتاتورية العسكرية من وجهة نظر ثلاثة رجال، مع لحظات عاطفية ممتازة وروح دعابة ومؤامرة ذات خلفية مشهورة أصبح ضحاياها الثلاثة من أهم شخصيات أوروجواي السياسية والفكرية!.

نجح الممثلون بشكل كبير وبذلوا جهدًا كبيرًا مع المخرج وفقدوا 12 كيلو من وزنهم أثناء التصوير لتبدو صورتهم حقيقية كمعتقلين 12 سنة.

هو فيلم يحاول استكشاف النفس البشرية تحت ضغوط الاعتقال والتعذيب وتذكرت للحظات وأنا أشاهده فيلم “البريء”.

نرشح لك: أحمد فرغلي رضوان يكتب: ليل خارجي.. وحكايات ممتعة عن المدينة

شاهد| في الذكرى الأولى لوفاتها.. أرقام وتواريخ في حياة شادية