رضا الشويخي يكتب: 10 دروس إعلامية مستفادة من مقتل جمال خاشقجي

الدرس الأول.. الإعلام الجديد أداة قوية للضغط:

تغريدة على موقع التواصل الاجتماعي تويتر في ثاني أيام أكتوبر 2018، نشرتها خديجة خطيبة الصحفي السعودي البارز جمال خاشقجي تعلن أنه دخل قنصلية بلاده لإنجاز معاملات ولم يخرج، ومن هنا بدأت الحكاية وصار الحديث الأبرز “التريندات” أين جمال خاشقجي؟

الدرس الثاني.. احذر تضارب البيانات:

في العديد من الأزمات التي تمر بالدول، تصبح البيانات الصحفية سواء رسمية أو عبر صفحات المسئولين وسيلة لكشف آلية إدارة الأزمة، فتضارب البيانات بين الجهات الرسمية السعودية كان يوحي بأن ثمة كارثة قد حدثت ربما لم يُتفق عليها من قبل كل هذه الأطراف، بدا ذلك جليّا في تصريح الخارجية السعودية مؤخرًا بعدم علمها مكان الجثة أو أسباب الوفاة، وسبقها تصريح رسمي أن جمال خاشقجي توفي نتيجة مشاجرة مع أشخاص داخل القنصلية.

نرشح لك: رضا الشويخي يكتب: 10 رسائل للرئيس السيسي من روسيا

لم يكن الجانب التركي بمنأى عن تلك التضاربات في تصريحات لتذكرنا بالمثل القديم: جنازة ليشبعوا فيها لطما!
وهنا يبرز للطرفين الحكمة القديمة: إذا كنت كذوبًا فكن ذكورا. وأضيف هنا أن كل ما تقوله أو تكتبه سيبقى موثقًا بالأدلة والقرائن، والتاريخ لا ينسى!

الدرس الثالث: في الأزمة.. لا تتجاهل الإعلام وإلا!

التناول الإعلامي للأزمة كان ضخما إن جاز لنا أن نطلق هذه الصفة، ومقابلات المسؤولين السعوديين مع وسائل إعلام مختلفة كان شيئا جديدا ليعرض وجهة النظر السعودية على الأقل؛ فخلال مقابلة أجراها مع وكالة الأنباء الأميركية بلومبرج، قال ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، إنه ليس لدى السعودية ما تخفيه، في مسألة اختفاء جمال خاشقجي مؤكدًا أنه سيسمح للسلطات التركية بالدخول إلى مبنى القنصلية.

وخلال مقابلة وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، أوضح الجبير العديد من النقاط المهمة حول عدم علم وليّ العهد السعودي بالتفاصيل، ومتابعة المملكة لما يحدث، وغيرها من الرسائل.

أضف إلى ذلك البيانات الصادرة عن وكالة الأنباء السعودية «واس» تشرح أبعاد القضية، وأمر الملك سلمان بمتابعة التفاصيل، ومحاكمة المتورطين، والعديد من الإقصاءات في أماكن مهمة بالمملكة.

الدرس الرابع: لم يعد بالإمكان توجيه الإعلام دائما:

أثار اختفاء خاشقجي شهية العالم ليتحدث ويتحدث؛ ما دفع العديد من المسؤولين الرسميين لتبني متابعة القضية، ما يبرز أن الإعلام ما زال أداة لتوجيه الرأي العام.

عبر دونالد ترامب، رئيس الولايات المتحدة الأميركية عن قلقه حول أزمة اختفاء الكاتب السعودي. ودعت الخارجية الأميركية على لسان كبير دبلوماسييها، مايك بومبيو، الحكومة السعودية لإجراء تحقيق نزيه وشفاف في هذه القضية.

نرشح لك: محمد الباز يكتب: تركة الإعلام المنفلتة

أيضًا الرئيس التركي قال إنه لا يمكن للمسؤولين السعوديين القول إن “خاشقجي غادر القنصلية”، بل يجب عليهم إثبات ذلك، موضحًا أنه يتابع القضية شخصيًا. ووجهت تركيا طلباً رسمياً إلى المملكة العربية السعودية لتفتيش قنصليتها في إسطنبول.

وكذلك الخارجية المصرية كان لها بيانًا واضحا، أنها ترفض تسييس القضية، لم يقف الأمر عند ذلك بل تجاوزه إلى دول كثيرة طالبت بالتحقيقات النزيهة في القضية

الأمر استغله مسؤولون إسرائيليون أيضًا لنشر تفاصيل مختلفة، وحتى اليوم الثلاثاء 23 أكتوبر تحدث الرئيس التركي أردوغان، دون أن يذكر أي شيء جديد في القضية رغم ادعاءات متكررة أنه سيذكر المزيد والمزيد حول القضية .

الدرس الخامس: الإعلام والسياسة وجهان لعملة واحدة:

اتصالات كثيرة بين مسئولين سياسيين كانت الأبرز في القضية، تاركة خلفها العديد من التساؤلات التي تدور في عقول البعض، ومنها ما أعلنته وزارة الخارجية الأميركية أن وزير الخارجية، مايك بومبيو، اتصل بولي العهد السعودي مكرراً الطلب الأميركي للحصول على معلومات بشأن اختفاء خاشقجي. كما جرت مكالمة هاتفية بين مستشار الأمن القومي الأميركي، جون بولتون، ومحمد بن سلمان من أجل السبب نفسه.

قال الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إن أنقرة قلقة بشأن اختفاء جمال خاشقجي مشككًا في الرد السعودي الرسمي، الذي أكد على أن القنصلية ليس لديها صورًا له تبين خروجه من مبنى القنصلية، وأن كاميرات المراقبة لا تسجل الصور. في تشكيك للرواية الصادرة عن القنصل السعودي بتركيا محمد العتيبي، ومتسائلًا: كيف لقنصلية دولة ألا يوجد بها نظام مراقبة؟

ولعلنا ندرك أن العلاقات السعودية وتركيا بينهما مثل ما صنع الحداد، وهذا جانب له دور في التصريحات التي تزيد الطين بلة من آن لآخر، ولم يترك ترامب الفرصة دون استفادة للولايات المتحدة الأمركية، ومنها خروج القس الأمريكي المحتجز في تركيا على خلفية مزاعم انتماءه لجماعة «عبد الله جولن» أحد أبرز المعارضين للنظام الحالي.

الدرس السادس: الإعلام أيضا مسرح للتحدي!

في 13 أكتوبر 2018 صرح الرئيس الأمريكي بفرض عقوبات على السعودية حال ثبوت تورطها في الحادث، بينما نشرت وكالة الأنباء السعودية نقلا عن مسؤول سعودي قوله إن بلادد ترفض الضغوط السياسية وترديد ما وصفها بالاتهامات الزائفة. وأضاف المسؤول أن الرياض تؤكد رفضها التام لأي تهديدات بفرض عقوبات اقتصادية متوعدا بأنه إذا تلقت المملكة أي إجراء فإنها سوف ترد عليه بإجراء أكبر، مشيرا إلى دور الاقتصادي السعودي “المؤثر والحيوي” في الاقتصاد العالمي في إشارة إلى كون السعودية أكبر منتج ومصدر للنفط في العالم.

الدرس السابع: الإعلام يسجل أنفاسك، فتخلص بذكاء!

في الوقت الذي ورّط ترامب نفسه بتصريح عقاب المملكة إذا ثبت القتل، عاد الرئيس الأمريكي ليقول إنه استنتج من الحديث الذي دار بينه وبين العاهل السعودي، أن “قتلة مارقين” قد يكونوا مسؤولين عن مقتل جمال خاشقجي وأمر ترامب، وزير خارجيته، مايك بومبيو، بالتوجه إلى السعودية للقاء الملك سلمان، وبحث القضية.

نرشح لك: أحمد فرغلي رضوان يكتب: A star is born .. الحب لا يتحمل الشهرة!

يعتقد البعض أن أمرًا كهذا يقبله الإعلام، غير أن الإعلام الغربي كان له رأي آخر في طليعتها صحيفة الواشنطن بوست والتي عبرت بمقال كتب بالعربية -رغم أنها صحيفة إنجليزية- تشير فيه إلى أنها ترفض ما ذهب إليه ترامب.

كل ما نسب لمصادر تركية وسمي «تسريبات» لم يكن بعيدًا عن الرصد والمتابعة وهذا ما كان يدحض بعضه بعضًا ففي مرة تأتي مزاعم التقطيع بمنشار، أخرى تذويب جسده، وغيرها من القصص الكثيرة.

الدرس الثامن: الإعلام القوي يشكل الرأي العام

في الوقت الذي عرضت بعض القنوات العربية صورا لخاشقجي إلى جانب بن لادن دون الإشارة إلى أنه كان في تغطية -رغم مخالفة ما فعله خاشقجي للقواعد المهنية- كان الإعلام الأروبي يضغط على الحلفاء الأوروبيين والولايات المتحدة، ما نتج عنه أن ألغى مسؤولان أمريكيان كبيران مشاركتهما في مؤتمر للاستثمار في الرياض،وتبع ذلك العديد من التصريحات بعدم المشاركة في مؤتمر «دافوس الصحراء».

مواقع التواصل الاجتماعي حملت شعلة الردود والتغريدات ما بين مبرر ومعارض ومتهم ومنافح وغيرهم، ليصبح اسم جمال خاشقجي وجبة دسمة على مائدة الإعلاميين شرقا وغربا.

الدرس التاسع: التكنولوجيا تحكم!

في الوقت الذي زعمت فيه وسائل إعلام تركيا أن ساعة جمال خاشقجي ماركة Apple سجلت ما حدث داخل القنصلية، طلبت الولايات المتحدة من تركيا تقديم أية تسجيلات لديها قد تكشف مصير خاشقجي، وقال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في تصريحات لشبكة فوكس نيوز الأمريكية «طلبنا من تركيا الاطلاع على التسجيلات، إذا كانت موجودة». وأضاف أنه ليس متأكد بعد من وجودها (التسجيلات).

وعن “خاصية التسجيل” في الساعة، فهذه الخاصية ليست متاحة ضمن الخصائص التي تباع بها الساعة، ولكن يمكن تسجيل الصوت عبر عدد من تطبيقات الطرف الثالث، وفقا لـ BBC.

وهنا كان لخبراء التكنولوجيا الكلمة أن تلك الساعة ليس بمقدورها التسجيل دون وجود تطبيق من طرف آخر تعمل به، ويتساءل البعض: على كل حال إن كان ذلك حدث بالفعل، ففيم المقايضة إن وجدت؟!

كاميرات المراقبة حول القنصلية أيضا كانت لها الكلمة في عدم خروج خاشقجي من القنصلية، ما كشف تفاصيل القصة كالخيط الذي تبعته خيوط أخرى حتى الاعتراف بمقتله، والحديث عن محاكمة المتسبب.

الدرس العاشر: الإعلام يشعل الفتيل، والمتابعة تفصل في القضية!

ثلاثة أسابيع مرت تقريبًا منذ اندلاع الأزمة، حمل الإعلام الراية فيها، وتقاطعت المزيد من الخطوط في السياسة والاقتصاد وغيرها، ويبقى الدرس أنه بإمكانك أن تصنع الزخم حول قضية ما، طالما كان لديك منصة إعلامية قوية، وهذا ما يدفعنا بشدة للتفكير في إنشاء منصة إخبارية مصرية، تستطيع أن تلفت الأنظار مستقبلًا، وأن تضم في صفوفها خبرات تستطيع اللعب بالعديد من الأوتار في ذكاء، ليبقى السؤال: إلى متى تموت المحاولات الوليدة إخباريًا دون أن يُترك لها الفرصة لتبلغ عنفوان شبابها؟

مشاهد من 25 سنة إعلام يرويها شريف عامر

 

شاهد.. صور التقطت قبل وقوع أحداث مأسوية