من "نيكسون" إلى "خاشقجي".. "واشنطن بوست" صحيفة تصنع التاريخ

نرمين حلمي

لم تستمد صحيفة “واشنطن بوست” اليومية الأمريكية شهرتها على مدى العقود الماضية، منذ إنشائها عام 1877، وفقًا لأقدميتها أو تواجد مقرها في العاصمة الأمريكية “واشنطن” وتمركز أخبارها وتقاريرها وتحليلاتها على السياسة المحلية فقط، بل لأنها استطاعت أن توجد لها طريقًا خاصًا في عالم الصحافة، يتمتع بالمصداقية والتفاعل الكبير للقضايا المحيطة بها.

واكبت “واشنطن بوست” مسيرتها الصحفية عبر وسيلتي: الإعلام التقليدي “المطبوع”، والإلكتروني أيضًا، حيث أطلقت أول نسخة إلكترونية لها على الإنترنت في عام 1996، وتشمل عدة أقسام متنوعة إلى جانب السياسة، هم: الفنون، والرياضة، والأزياء، وأخبار وموضوعات متنوعة تمس المجتمع.

أسسها الصحفي ستيلسون هاتشينز، وحصلت الصحيفة على 47 جائزة “بوليتزر”، تشمل  ست جوائز بوليتزر منفصلة منحت للصحيفة في عام 2008،  كما فاز  صحفيو الجريدة بـ 18 زمالة “نيمان” و 368 جائزة من جمعية مصورين البيت الأبيض.

لماذا أثارت “واشنطن بوست” الجدل خلال الأعوام الماضية؟ وما سر تاريخها الصحفي الذي صنع لها اسمًا خاصًا في الأوساط الصحفية لدى العديد من القراء والكُتاب والصحفيين والإعلاميين؟

السبق الصحفي..والانفراد..ومحاولة الحفاظ على حقوق صحفيها..وغيره الكثير يرصده “إعلام دوت أورج” عَبر الـ 5 قصص صحفية التالي ذِكرها:

– “أوراق البنتاجون”

على مدار أكثر من 140 عامًا منذ إنشائها، استطاعت “واشنطن بوست” أن تحقق هدفًا بالسبق الصحفي حول العالم، وتأكد على أهمية التوجه  من عملية إخبار الرأي العام، إلى صناعة الرأي العام، ووثق ذلك فنيًا أيضًا، من خلال الفيلم السينمائي “ذا بوست” للمخرج ستيفن سبيلبرغ، وسيناريو  ليز هانا، الذي أطلق في ديسمبر 2017، وينتمي للسياسة والدراما التاريخية.

جسد الفيلم معركة الصحف الحقيقية في عام 1971 لنشر أوراق وزارة الدفاع “البنتاجون”، المسربة والتي توضح تورط أمريكا وتسرد الصورة المضللة لها في حرب فيتنام، حيث أشار لـ تقارير سرية حصلت عليها صحيفتا “نيو يورك تايمز- The New York times”و”واشنطن بوست The Washington Post “، من داخل مبنى وزارة الدفاع الأمريكية في بداية سبعينيات القرن الماضي، وكانت هذه التقارير المسربة تخص الحرب في فيتنام وعُرفت وقتها باسم “أوراق البنتاجون”، ورغم أن الحكومة أصدرت قرارًا يمنع نشر تلك الوثائق خوفًا من إثارة الرأي العام، فإن المسؤولين في صحيفة واشنطن بوست” ” خرقوا قرار حظر النشر.

جسد الممثل توم هانكس  دور رئيس تحرير “واشنطن بوست” بن برادلي، في الفيلم، كما قدمت ميريل ستريب  دور أول ناشرة لصحيفة “واشنطن بوست” كاثرين غراهام، واستطاع الفيلم أن يجسد جيدًا شعور القلق والضغوطات الكثيرة التي يتعرض لها الصحفيون، في محراب صاحبة الجلالة، من أجل البحث عن الحقيقة ونشرها.

-فضيحة “ووترجيت”

تقصى الصحفيان العاملان بـ “واشنطن بوست”: بوب وودوارد و كارل بيرنستاين، في حقيقة تجسس الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون، على مكاتب الحزب الديمقراطي المنافس لحزب “نيكسون” الجمهوري، داخل مقر مكتب الحزب، بمبنى “ووترجيت”، وهو ما أدى إلى استقالة الرئيس نيكسون من رئاسة الولايات المتحدة الإمريكية في أغسطس عام 1974، وتمت محاكمته بسبب الفضيحة، ثم أصدر الرئيس الأمريكي جيرالد فورد عفوًا بحق “نيكسون” بشأن الفضيحة في سبتمبر 1974، وعُرف فيما بعد بأكبر سبق صحفي في تاريخ أمريكا، بفضيحة “ووترجيت” نسبة إلى اسم المبنى.

حاز “وودوارد” جائزة “بوليتزر عن فئة الخدمة العامة” عام 1973 عن عمله مع الصحفي “كارل” لتحقيقه ذلك السبق الصحفي، كما توارث الأجيال تلك القصة عبر العصور المختلفة، من خلال معالجتها فنيًا، في أكثر من عمل، حيث إنهما أصدرا كتابًا يوثق تفاصيل التحقيق، معنون بـ “كل رجال الرئيس”، الذي نُشرلأول مرة عام 1974، وجمعا فيه كل التفاصيل والمواضيع الصحفية المنشورة الخاصة بالفضيحة، إلى جانب تزويده بقسم اَخر خاص بمجموعة صور.

كما قُدم فيلمًا سينمائيًا بنفس الاسم، عن القصة ذاتها، ومستوحاه مِن القصة الحقيقية، مِن إخراج اَلان باكولا عام 1976، حيث جسد الممثل روبرت ريدفورد، شخصية “وودوارد”، وقدم الممثل داستن هوفمان، شخصية ” بيرنشتاين”.

-قضية “جانيت كوك”

أثارت الصحفية الأفريقية الأميركية جانيت كوك، جدلاً واسعًا بقضيتها، التي برهنت على معيار “المصداقية” التي تبحث عنه “واشنطن بوست” دومًا، حيث وثقت  أبرز المحطات في تاريخ الجريدة الشهيرة، حينما سُحبت جائزة “بولتزر”،  التي سُلمت لـ “جانيت” عام 1981، بعدما أثبت أن القصة الصحفية المعنونة بـ “عالم جيمي”، والتي كتبتها عن معاناة مدمن على الهيروين يبلغ من العمر 8 سنوات، مفبركة بالكامل، وهو الأمر الذي صدم الصحيفة لاسيما رئيس تحريرها.

شهد بن برادلي، رئيس تحرير “واشنطن بوست” في الفترة من 1968 لـ 1991، عدة مراحل تاريخية هامة للجريدة، هم: نشر “أوراق البنتاجون”، وفضيحتي “ووترجيت”، و”عالم جيمي”، حيث أشار في لقاءات إعلامية سابقة له، أن قصة الصحفية المفبركة كانت بمثابة كابوس بالنسبة له، منوهًا أنه كان لا يتوقع ذلك أبدًا منها، خاصة بعد عملها في الجريدة لفترة طويلة، ووصفها الدقيق للولد وحالته في القصة.


-فضيحة “لوينسكي”

شاركت “واشنطن بوست” في نشر تقارير ومعلومات عام 1998، عن قضية التحرش الجنسي، التي رُفعت ضد الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون، من قِبل بولا جونز، والتي ذُكر فيها ادعاءات بتحرشه بعدة نساءات أخريات، والتي كانت مونيكا لوينسكي منهن، ويشار إلى أن هذه الفضيحة سميت باسم “مونيكا جيت”، أو “ليوينسكي جيت”،  حسبما كانت لازمة “جيت” تحظى بشعبية كبيرة منذ زمن فضيحة “ووترجيت”.

دخل “كلينتون” خلال فترة الاستئناف في تسوية مع “جونز” تمت خارج المحكمة فوافق على دفع مبلغ 850,000 دولار، مقابل إسقاط جونز للدعوى التي أقامتها عليه، و قال محامي “كلينتون” أن الرئيس قام بهذه التسوية لكي يغلق الدعوى إغلاقًا نهائيًا، واعتبرت “جونز” ومحاميها التسوية المالية دليلاً على ذنب “كلينتون”، وظلت “جونز” ثابتةً على مزاعمها حول قيام كلينتون بالتحرش بها، وظل “كلينتون” ينكر الأمر.


-مقتل “جمال خاشقجي”

عاد نجم “واشنطن بوست” يسطع من جديد، في اَفق السبق الصحفي والانفرادات، على إثر أبرز القضايا التي أثيرت منذ عدة أيام قليلة ماضية، بالتزامن مع تفجير قضية اختفاء الصحفي السعودي جمال خاشقجي، في 2 أكتوبر الجاري لعام 2018، بعد زيارته للقنصلية السعودية في إسطنبول، وحتى مساء أمس بعد الإعلان عن مقتله.

كانت “واشنطن بوست” هي أول مَن ينشر عن قضية اختفائه، وأسرع المواقع تحديثًا بكل التفاصيل والتصريحات الخاصة بقضيته، ولم تكتفِ بإثارة انتباه الأوساط الإعلامية والصحفية حول العالم بمجرد متابعة أخباره، بل خصصت مساحة بيضاء بالصحيفة، برزت فيها عموده الصحفي، الذي كان يكتب فيه مقالاته، ولكن بسطور خاوية، مذيلة بـ “الصوت المفقود”، ومتوجة بصورته، في إشارة قوية لاختفاء كلماته إثر اختفائه من الحياة.

شراكة “Oath” مع “Connect Ads” تجلب استوديو “RYOT” للشرق الأوسط

نقدم لك: أبرز 7 تصريحات مثيرة للجدل للكاتب يوسف زيدان