أماني ألبرت تكتب: أساتذتي محمد سعد إبراهيم ومحمود يوسف.. أنا على الدرب

واحدة من أغلى أوقات حياتي كانت جلوسي في صفوف المتعلمين. هناك في بنشات الوسط من الأمام فتحت أوراقي وجلست لأتلقى العلم وأكتب كلمات من ذهب، كلمات لمعت فيها القيم وثُمن فيها العلم وغمرتها المبادئ والأخلاق.

خلال دراستي الجامعية وما بعدها كانت هناك علامات فارقة أثرت في تشكيل شخصيتي الأكاديمية. والآن، بعد فاصل زمني ليس بالقليل، وبعد خبرات متنوعة في التدريس والمناصب الإدارية بأكثر من 9 كليات ومعاهد عرفت أن لقائي بهم من أثمن ما حدثت لي.

كانت مواقفهم وكلماتهم بمثابة طريق رسموه لنا لنسير بعدهم على نفس الدرب. أساتذة لديهم معايير ثابتة لا تتغير بتغير الزمن أو المصالح، معيارهم الحقيقي للتقييم هو الاجتهاد لا أكثر ولا أقل، لم يمل لديهم الهوى يومًا نحو أو ضد أشخاص، ظل دربهم مستقيم معترضين على الظلم ومتخذين من العدل نبراسًا ومنهجًا. أشهد لهم بنظافة اليد والقلب وعفة اللسان والعلم الغزير المقترن بالإتضاع والخلق الجم.

نرشح لك: محمد عبد الرحمن يكتب: الأستاذ محمود عوض

أثر فيّ أثناء دراستي الجامعية الأستاذ الدكتور محمد سعد إبراهيم، أستاذ الصحافة وعميد معهد الإعلام العالي بالشروق. كان أول من ساهم في تشكيل عقليتي الأكاديمية وتفكيري العلمي. جلوسي أمامه في قاعات الدرس جعلني أشعر أني أمام حجة وموسوعة علمية، علم غزير يقدمه بشكل سلس يفهمه الصغير والكبير، من غزارة علمه أحسست وقتها أني في ورطة ولما ارتبكت ذهبت ببساطة لأسأل، فلم أجد إلا كل تقبل وترحاب وكلمات عميقة بسيطة شجعتني على السؤال والبحث.

بعد الدكتوراه انقطع الاتصال ثم قابلته مصادفة في أحد المؤتمرات العلمية، كان سعيدًا وأخذني وذهب بي إلى كل أستاذ في المؤتمر ليقول لهم “أماني تلميذتي”. ويا له من فخر لمحت يومهًا الإنجاز في عينه؛ فقد حقق انتصار حينما دفعني للأمام وحارب لأستمر في السلك الأكاديمي وقال لي “مكانك في الجامعة”.

وتنقطع الاتصالات بسبب مشغوليات الحياة، ورغم فواصل المكان والزمان أعود وأتواصل معه فأجده -كما هو- متواضعا، متفائلا، منتجا، مفكرا، غير ملتفت للأحقاد أو المعوقات، عينه على الهدف والعمل.
بعد تخرجي، كان يقصده كل طلاب الماجستير والدكتوراه، ليساعدهم في ضبط فكرة منهجية مناسبة لرسائلهم، كان بمثابة ملجأ لهم من السطحية والإهمال الأكاديمي فالتفوا حوله للمشورة العلمية.

نرشح لك: فاطمة خير تكتب: أمينة النقاش ونبيل زكي.. شكرا

ومرت السنون وترك الأستاذ المنيا وذهب للقاهرة وظل الأستاذ يفعل ما فعله قبلاً، يساعد كل من يقصده من الباحثين، فشكل تيارًا للتجديد والأصالة في بحوث الإعلام ليلتف حوله مئات الباحثين في مصر والوطن العربي من جديد.

تعلمت منه تبسيط المضمون المعقد وتقديمه بشكل سلس دون تسطيح المعنى، لمستني مواقفه في دعمي وإصراره لي أن أستمر، علمني أن أقبل كل أنواع وأصناف الطلاب وأقدم الدعم والمساعدة للجميع دون أي استثناءات.

أما في مرحلة الماجستير والدكتوراه، فقد أثر في الأستاذ الدكتور محمود يوسف أستاذ العلاقات العامة كلية الإعلام جامعة القاهرة. وهو أستاذ ومعلم بحق، ورغم أنك في حضرة عالم جليل إلا ان جلسته ممتعة هادفة خفيفة الظل لا تود منه أن ينهيها. تعلمت منه الكثير والكثير.. أولها وأهمها أن الأستاذ لا بد أن يدعم ويتحمس لطلابه ويشجعهم ويدفعهم إلى الأمام. سياسته أن يضعك على الطريق، لا أن يتحكم في طريقة تفكيرك ويقول لك أفعل ولا تفعل، ولكنه يتركك تفكر وتبدع وتكتب وتخطئ ثم يتدخل هو للتصحيح والتقويم. شعرت أن لديه ميزان دقيق ليعرف متى يتدخل وكيف. وإذا اقتنع بأدائك يتحمس لعملك ويدفعك إلى الأمام وحينما يتأكد من دقة وقوة ما أنجزت يقف كالأسد المدافع عن تلاميذه ضد كل من يحاول تعطيلهم أو تفشيلهم. عشت معه أوقات علمني فيها أن الظلم لا يمكن أن يقوى أبدًا وتعلمت منه أن الله يضع في طريقنا أفرادا ليدعمونا ويقفوا معنا وقد كان لي كذلك.

دكتور محمود يوسف قوي الشخصية وفي نفس الوقت طيب القلب، تعلمت منه أن أدافع عن مواقفي بصراحة دون مداهنة. فهو لا يخشى في الحق لومة لائم. ولا يمكن أن أنسى كلماته لي في مناقشة رسالة الدكتوراه “أنا لدي ابنتان نورهان وسلوان وابنتي الثالثة أماني ألبرت”.

نرشح لك: محمد حكيم يكتب: الأستاذ معتز الدمرداش

منذ أيام تأثرت بما كتبه لي تلميذي جاسر المالكي في مقال كتب فيه ’’لم أتوقع أن أقابل أستاذ جامعي علي هذا المستوي المتقدم من طرق التدريس، فقد علمتني أنا وزملائي كيف نبحث وننقب عن المعلومات وكيف نقيم بحثا علميا حقيقيا وكيف نطالب بحقوقنا”، تذكر الشاب محاضراتي له رغم مرور سنتين. والآن أقول لجاسر ولكل تلاميذي “أنا على ما أنا عليه بفضل هذين العظيمين”.

مواقف كثيرة ربطتني بأساتذتي، فواصل زمنية ثم لقاءات خاطفة بحكم مشغوليات الحياة. ولكنها تبقى لقاءات مبهجة تمدني بقوة وطاقة لأستمر، لأنشر ما تعلمته منهم وأسير على نفس دربهم ونهجهم. لأقول لهم أنتم لم تؤثروا في أنا فقط، بل في طلابي الذين -رغم عدم رؤيتهم لكم وجها لوجه- لمسوا بصماتكم فيّ.

لا أحد ينجح بمفرده.. ملف خاص عن “الأستاذ”