محمد حكيم يكتب: يوميات مراسل.. كاميرا سرية في دولاب المخدرات!!

ديسمبر 2014

ثبت جهاز التسجيل تحت قميصي بحيث لا يكون مرئيًا، ثم همس في أذني “كله تمام أي كلمة حتتقال جنبك حتتسجل، بس خلي بالك من نفسك”. في سوق العزبة بنهاية فيصل بدأت في التحرك، أعرف المكان جيدًا وأحفظه عن ظهر قلب، لكنني شعرت هذه المرة برهبة غريبة.

في إحدى العمارات الموجودة بالسوق، كاميرا تتابعني من نافذة مرتفعة، وفي جيبي كاميرا سرية مثبته داخل قلم، وتحت قميصي ميكروفونات وأجهزت تسجيل صوتي، ولو لمح أحدهم أيا من هذه الأجهزة فبالتأكيد سيكون الثمن باهظًا، خصوصًا وأنني من سكان منطقة قريبة جدًا من هذا السوق وهو ما يضاعف حجم المخاطرة.

دقائق قليلة مرت كدهر، وجدت نفسي بعدها أمام دولاب المخدرات، فطارت كل التخوفات من رأسي وبدأت المغامرة.

أنا: مساء الفل يا ابن عمي عاوزين صباع نضيف ما يكونش مخلوط حنة.

هو: عاوز حاجة نضيفة.

أنا: أكيد.

هو: طب تعالى معايا.

نرشح لك: محمد حكيم يكتب: يوميات مراسل.. تكييف في الزنزانة!!

في حواري أراها للمرة الأولى قادني البائع، كلما توغلنا داخل الحارات المتشعبة، زاد قلقي:

أولا: لأنني خرجت من نطاق الكاميرا المثبتة في النافذة وهو ما يجعل المادة المصورة في التقرير أقل جودة، فالاعتماد على الكاميرا السرية وحدها مخاطرة فنية كبيرة تهدد جودة التحقيق.

ثانيا: هناك احتمال أن يكون صاحب الدولاب اكتشف شخصيتي، ولذلك هو يقودني إلى مكان بعيد عن العيون يحكم عليه سيطرته ليسهل فيه الانتقام.

خطورة الانسحاب هنا ليست أقل بكثير من خطورة الاستمرار في المغامرة الصحفية وهي رغم التخوفات ليست مطروحة.

فجأة توقف صاحب الدولاب الذي لا يتجاوز عمره الخامسة والعشرين وقال لي في هدوء، “معلش أصل إحنا في اخر السنة وبتوع المباحث شادين علشان بيقفلوا المحاضر وأنا حسيت بيهم في السوق علشان كده بعت البضاعة هنا، عموما دقيقة ويكون الصباع معاك”.

دخل الشاب منزل قديم، وغاب لدقائق – سمحت لي بتظبيط وضع القلم الذي يحمل الكاميرا السرية- خرج بعدها الشاب وسلمني “صباع الحشيش” بعدما قبله.

تسلم مني الثمن، وقال لطفل صغير لم يتخط عمره العشر سنوات: “وصل الرجالة للسوق”.

في طريق العودة إلى السوق كان عندي من الهدوء ما سمح لي بتدبر الحواري والتقاط صورًا لها بالكاميرا السرية، وحتى أشغل الطفل المصاحب لي عن تصرفاتي زعمت أنني أتحقق من جودة صباع الحشيش.

قلبته في يدي وقلت بصوت مسموع “بس على الله بعد كل ده يطلع الصنف كويس مش مغشوش”.فصدمني الطفل؛ عندما التقط مني الصباع سريعا وقال “لما تحب تعرف الحشيشة نضيفة ولا لأ؛ تعمل كده”.

تابعته وهو يشم الحشيش ويضغط عليه بين إصبعيه ويقربه من فمه كأنه يتزوقه، ثم يقول “لا اطمن الحته دي حلوة”.

ضاقت الدنيا فجأة في عيني وأنا اتخيل مصير هذا الطفل ومن مثله ممن ولدوا وتربوا في حضن دواليب المخدرات.