محمد حكيم يكتب: يوميات مراسل.. تكييف في الزنزانة!!

أغسطس 2014

“في الحجز.. الكبير بيبقى بالأقدمية، وكل زنزانة ليها ريس ولازم ريس الزنزانة يعلم على أي مستجد يدخل الحجز جديد”.. دارت في ذهني تلك المعلومات التي قصها علي أحد الأصدقاء وهو يتحدث عن الزنازين في مصر، كان كلامه يزاحم عشرات الروايات الأخرى رأيتها في أفلام السينما أو سمعت عنها من البعض.

المشاهد كانت تتصارع في عقلي كأنها تدرك أن المسافة ما بين مكتب مأمور قسم النزهة وغرفة الحجز قصيرة للغاية؛ ولن تكفي لاستعادة كل ما سمعته أو شاهدته عن الزنازين وتخشى كل حكاية ألا تأخذ حظها من تفكيري قبل أن أدخل وأشاهد غرفة الحجز بنفسي.

نرشح لك: محمد حكيم يكتب: يوميات مراسل.. تربي أسيوط ودفن الملائكة

كإنسان عادي كنت أريد طبعا أن استعيد كل ما أعرفه عن طبيعة الزنازين وأشكال المشتبه فيهم، لكي لا أصدم بواقع غير متوقع، وهذا ما يسميه علماء النفس أساليب الدفاع النفسي. لكنني كصحفي أعرف جيدا أن أخطر ما يهدد عملي هو الاستسلام للتوقعات المسبقة والصور النمطية التي تتشكل داخلنا عبر الزمن خصوصا وأنني أدرك أن معظم تلك الصور غير صحيحة، وربما لا يتمتع أي من من شكلوها داخلنا بالخبرة في هذة الأشياء.

واجهت نفسي بالقاعدة المهنية السابقة ونجحت في إغلاق صناديق التنميط في عقلي، قبل أن أصل إلى غرفة الحجز بخطوة واحدة، وقتها امتدت يد أمين الشرطة المرافق لي ليفتح الباب وهو يقول “اتفضل يا باشا”. داخل غرفة حجز قسم النزهة كان المشهد مناقضا لكل مدخراتي في صناديق التنميط، فغرفة الحجز كانت مكيفة الهواء.

في عام 2013 شهدت مصر صيفا حارا جدا، وتعرض بعض المحتجزين لأزمات صحية بسبب الحرارة، وهو ما دفع وزارة الداخلية لإطلق مبادرة تكييف غرف الحجز؛ هكذا شرح لي مأمور قسم النزهة المبادرة التي كان قسم شرطته أول المشاركين فيها.

طبعا كصحفي مصاب بمرض الشك؛ هاجمتني الأسئلة التي كنت أعرف جيدا أنها ستهاجم المشاهدين، ولأنني كنت في تغطية مباشرة، قررت فجأة أن انهي كلامي مع مأمور القسم، واتوجه إلى بعض المحتجزين.

صلاح الذي دخل عقده الخامس كان اختياري الأول، وجهه ونبرة صوته، ذكرتني بحكاية ريس الزنزانة الذي ينال منصبة بمعيار الأقدمية؛ والأهم أنها كانت مقومات لمصدر مثالي تحدثت معه عن مدة تشغيل التكييف الفعلية في الزنزانة، وارتحت لصدقه عندما قال إنه يغلق بعد الفجر لبضع ساعات ليستريح ولم يقل أنه يعمل ٤٢ ساعة في اليوم!!

نرشح لك: محمد حكيم يكتب: يوميات مراسل.. تقرير شهيدة التحرش!!

بعده اخترت أصغر المحتجزين سنا وأكملت معه الحوار فالتناقض بين أعمار المصادر وأشكالهم تعطي للتغطية حيوية وتزيد من مصداقية الخبر.

في نهاية التغطية كنت سعيدا للغاية ليس فقط لأني قدمت تغطية صحفية من النوع الذي يحصد المشاهدات على اليوتيوب، ولا حتى لأنني دخلت غرفة الحجز وتعرفت على ناصر ريس الزنزانة شخصيا، ولكن الأهم أنني تغلبت على فكرة التنميط؛ أكبر آفة في العمل الصحفي…