فيلم بني آدم.. هل توجد فرصة بعد الموت؟

أندرو محسن نقلًا عن في الفن

رغم أن بداية يوسف الشريف كانت من خلال السينما، بفيلم ”سبع ورقات كوتشينة“ عام 2004، لكنه لم يحقق أي نجاح يذكر من خلال الأفلام المختلفة التي قدمها، حتى مع عمله مع الراحل يوسف شاهين في ”هي فوضى“ وظهوره في دور صغير في فيلم ”حليم“ مع شريف عرفة، من الصعب جدًا تذكر دور واحد من أدوار الشريف في أفلامه المختلفة.

الأمر يختلف نسبيًا إذا انتقلنا إلى أعماله التليفزيونية، يمكن التأريخ لنجاحه بمسلسل ”المواطن إكس“ عام 2011، والذي اتجه من بعده إلى البطولات المطلقة، محققًا جماهيرية حقيقية، معتمدًا على مسلسلات تنتمي إلى فئة التشويق التي يوجد شريحة كبيرة من الجمهور تبحث عنها، وهذا قبل أن تصبح هذه النوعية هي السائدة في المسلسلات.

إذن هو يحقق بالفعل نجاحات، فلماذا قلنا ”نسبيًا“ في الفقرة السابقة؟ لأنه يمكن بالفعل تذكر أعمال يوسف الشريف المختلفة، لكن من الصعب مرة أخرى تذكر أداؤه للشخصية أو التوقف عند مشاهد بعينها يتألق فيها ويمكن الرجوع إليها. ما ينجح في المسلسل هو الحبكة، والTwist أو الالتواءة التي تأتي في الحلقة الأخيرة، والتي يستمر رواد السوشيال ميديا في تداولها عدة أيام بعد انتهاء المسلسل.

فلماذا لا نكرر نفس التركيبة التي نجحت بالفعل وننقلها إلى السينما، ونقدم ”بني آدم“؟

إعادة تدوير النجاح

وجد يوسف الشريف فريق العمل المناسب له في عمرو سمير عاطف مؤلفًا وأحمد جلال مخرجًا، ومعهما قدم أهم نجاحاته التليفزيونية، آخرها ”كفر دلهاب“، وبالتالي كان من المنطقي، وربما المطلوب، أن تكون عودته إلى السينما معهما، وكما فعل في أعمال سابقة، يوسف الشريف هو صاحب فكرة الفيلم.

بعيدًا عن الأعمال التليفزيونية قدم عمرو سمير عاطف فيلمين فقط هما ”ولاد العم“ و“الجيل الرابع“، الأول ينتمي لنوع الأكشن والتشويق، والثاني كوميدي، وكان بمثابة مغامرة ظهرت بمستوى جيد، ومع نفس المخرج، أحمد جلال، رغم عدم اعتماد الفيلم على نجوم أو إنتاج ضخم، وبوجه عام فالكوميديا والتشويق هما ملعبا عاطف الدائمان تقريبًا.

من أهم مميزاته قدرته على صناعة حبكات تشويق جيدة، ويحتفظ دائمًا بورقة أخيرة يلقيها مع نهاية الأحداث، يكشف فيها أن كل ما كان سبق كان يحتوي على خدعة ما، وهذه الخدعة هي ما تجذب شريحة كبيرة من الجمهور، حتى وإن كانت تحتوي على الكثير جدًا من المبالغات.

هذا الأسلوب يستمر معه في ”بني آدم“، وحتى نتناول الفيلم بالتحليل يجب كشف الأحداث حتى نهايتها.

الفيلم يقدم آدم (يوسف الشريف) الذي يعيش حياة مزدوجة، فهو سارق محترف، لكنه يعيش مع زوجته مي (دينا الشربيني) وابنه، كرجل أعمال. يعمل آدم تحت قيادة زعيم العصابة سيد شكري الملقب بالأستاذ (محمود الجندي)، وتبدأ منظومة آدم في الاضطراب بعد أن يحاول ضابط الشرطة ممدوح الشهاوي (أحمد رزق) الإيقاع به.

كما هو واضح، نحن أمام قصة تسمح بصناعة فيلم جريمة وتشويق مقبول. لكن بالطبع لن يرضى صناع الفيلم أن يقدموا فيلمًا شوهد من قبل، وبالتالي ذهب السيناريو إلى خلق مساحة التجديد الخاصة به وغير المتوقعة.

لأن التويست أقوى من الموت

لا ننتظر طويلًا حتى نشاهد ثغرات السيناريو التي تبدأ صغيرة يمكن تجاوزها، لكنها تزداد ضخامة بمرور الأحداث، حتى نصل إلى النهاية مع أحداث لا يمكن تقبلها بحال.

يبدأ الفيلم بعملية سرقة بقيادة آدم، وبعد انتهاء العملية يتمرد حمدي القط (خالد كمال) أحد معاونيه مطالبًا بنصيبه من العملية، فيكتفي آدم بكيل بعض الضربات له ويطلقه دون مجرد تهديد، وهكذا نشاهد حمدي القط في المشهد التالي يُبلغ الشرطة عن آدم ببساطة. مع مجرم يحاول السيناريو أن يقنعنا أنه لا يُشق له غبار ويفعل كل شيء بدقة، لم يكن مقبولًا تمرير تفصيلة كهذه، إلا لأن السيناريو لم يجد طريقة أفضل وأسرع حتى تصل الشرطة إلى أن آدم هو الفاعل.

تستمر هذه التفاصيل غير المنطقية، التي تحاول أن تقدم دائمًا حلولًا سهلة لدفع الأحداث وتقاطع المصائر، فنصل إلى أن تتعرف دينا ابنة سيد شكري (هنا الزاهد) على حمدي القط فجأة بدون مقدمات، وبطريقة ما أيضًا تستيطع أن تتعرف على مكان تنفيذ العملية الأخيرة لتصل إلى المكان في نفس وقت وصول الشرطة، والمبرر الوحيد لهذا هو أن يجمع السيناريو كل شخصيات الفيلم داخل مكان واحد تمهيدًا للنهاية.

لكن كل هذا في كفة والالتواءة التي يقدمها الفيلم في النهاية في كفة أخرى. بعد حدوث انفجار في المكان الذي تحدث فيه عملية تسليم البضاعة، نشاهد آدم يقف أمام جثة زوجته التي ماتت في الانفجار، ويقابل بعض الشخصيات التي كانت حاضرة أثناء العملية، مثل الضابط ممدوح الذي يخاطبه بكلام ملغز، ثم يشاهد خيالات لزوجته.

يستمر هذا لما يزيد على ربع الساعة من مدة الفيلم، لا تحتوي على أي تطور على الإطلاق، لنكتشف في النهاية أن آدم وكل من معه ماتوا أثناء عملية الانفجار، وكل ما نشاهده منذ البداية هو ذكرياته بعد الموت التي يحكيها لشخص كنا نظنه طبيبًا نفسيًا (بيومي فؤاد) لكنه هو أيضًا ميت ويساعده بعد الموت، أي أن الفيلم يقدم لنا شخصًا يحاول أن يتوب بعد الموت!

توجد بعض القواعد لفكرة التويست: وجود أساس قوي يمكن الاستناد عليه منذ البداية للتمهيد بشكل بسيط وغير ملحوظ لما سيحدث في النهاية، حتى يصبح وقع المفاجأة أقوى على المشاهد، عندما يجد أن التحضيرات كانت تحدث أمام عينيه مباشرة.

يمكن أخذ مثال بسيط من فيلم ”كده رضا“، في نهاية الفيلم نكتشف أن الفتاة ندى كانت تنصب على الأشقاء الثلاثة، وعندما يرجع كل منهم بذاكرته، نجد مشاهد فلاش باك تعرض لنا عدة تفاصيل حدثت أمام المشاهد تؤكد أن هناك خطأ ما يحدث، لكن المشاهد لا يفهم هذه الإشارات حتى تتجمع أمامه في النهاية.

وبعد هذا الكشف يستمر الفيلم، ويؤثر ما حدث بشكل مباشر على حياة بطل الفيلم، الثلاثي رضا في هذه الحالة، ويحل أزمة أحدهم النفسية التي كانت أحد الخطوط التي نتابعها منذ البداية.

في ”بني آدم“ لا توجد أية إشارات، فالبطل يقابل بعض الأشخاص الذين ماتوا معه دون أسباب واضحة لمقابلة هؤلاء تحديدًا، ودون وجود أي ربط منطقي. وإذا انتقلنا لتأثير الكشف الأخير على البطل، سنجد أننا منذ البداية أمام شخص مجرم يسرد ما حدث له، لكنه لم يشر إلى رغبته في التطهر من خطاياه، فماذا سيفيدنا أنه ميت بالفعل؟ وهل كان هذا هو الحل لأزمة الازدواجية التي صاحبته؟ بالتأكيد لا.

لماذا اتخذنا ”كده رضا“ تحديدًا كمثال؟ لأنه لنفس المخرج أحمد جلال.

البحث عن المخرج

لا يمكن إغفال العديد من التجارب المميزة التي قدمها المخرج أحمد جلال منذ بدايته، بل يُحسب له خوضه لتجارب مختلفة، فيقدم الكوميديا في ”كده رضا“، والتشويق في ”واحد من الناس“ وكلاهما كانا من الأفلام المهمة والقوية وقت عرضهما.

لدى جلال قدرة واضحة على تسكين الأدوار بشكل جيد وإعادة تقديم الممثلين في أدوار مختلفة عن المعتاد، هكذا قدم عزت أبو عوف في شخصية شريرة في فيلم ”واحد من الناس“، وقدم خالد الصاوي في أداء كوميدي غير معتاد في ”كده رضا“. لكن هذه الإمكانيات لا نلاحظها بالتأكيد في هذا الفيلم.

معظم الاختيارات تقليدية، ولا نجد أي جديد على مستوى الأداء من أي من الممثلين، الأفضل كان خالد كمال في مشاهده القليلة.

يوسف الشريف يقدم نفس الأداء الذي يقدمه في كل أعماله تقريبًا بلا أي اختلاف، لم يكن هناك أي ممثل معه في المشهد إلا وتفوق عليه. في مشهد اكتشاف مي لحقيقة زوجها آدم، تجتهد دينا الشربيني لتقديم الانفعالات المطلوبة لزوجة حياتها تدمرت وزوجها الذي كانت تظنه ملاكًا اكتشفت أنه رجل عصابات، تغير من طبقات صوتها وتبكي وترتجف، بينما في المقابل نجد يوسف الشريف لا يقدم سوى انفعالًا واحدًا طوال المشهد، وهو بالتأكيد ما لم يكن المشهد يحتاجه.

وبعيدًا عن الممثلين، سنجد أن إخراج العديد من المشاهد لم يكن موفقًا، مشهد الأكشن الافتتاحي للفيلم به الكثير من الافتعال من جانب الممثلين الثانويين، بالإضافة لإن تنفيذ اللقطات كان يترك شعورًا بأن الفيلم قديم، بما في ذلك استخدام لقطات التصوير البطيء في غير محلها. ونجد أن مشهد الذروة الذي يقدم المواجهة بين كل الأطراف، ينتهي بعض ثوانٍ قليلة من بدئه، دون أن نشاهد أي أكشن حقيقي، بل مجرد إنفجار منفذ بطريقة فقيرة، ليترك المشاهد شاعرًا بأن هناك شيء ما ناقص.

المخرج الذي شاهدناه يحقق إيقاعًا جيدًا في فيلم يسهل أن يقع في فخ الملل هو ”ألف مبروك“ لم ينجح في الخروج بالفيلم للأمان، وقدم ثلث ساعة أخيرة بطيئة الأحداث، وفقيرة جدًا على مستوى عناصر الصورة.

الرهان على ”بني آدم“ منذ البداية كان رهانًا على ما يجيده عمرو سمير عاطف وأحمد جلال، وليس يوسف الشريف، لكن النتيجة كانت أقل من المتوقع بكثير، وخسارة لجميع الأطراف، ومع هذا -بالنظر إلى الأعمال السابقة- ربما كانت الطريق للعودة بأعمال قوية مفتوحة جدًا للسيناريست والمخرج، ويبقى يوسف الشريف دون أية نجاحات سينمائية ترتبط باسمه على الإطلاق.