أحمد محرز.. الضال الذي لم يفقد ظله

نرمين حلمي

على الرغم من قلة أدواره الفنية وقِصر المشوار الفني للفنان الراحل أحمد محرز، إلا أنه استطاع أن يترك بصمة سينمائية مختلفة، تجعل الألسنة تنطق باسم مكتشف موهبته “المخرج الراحل يوسف شاهين” فور ذِكر اسمه؛ وفقًا لأداءه المختلف والمتزن أيضًا، الذي أداه في أربعة أفلام هامة في تاريخ السينما المصرية من إخراج “شاهين”.

إذا بحثت عن “محرز”، سوف لا تجد سوى فنه، المشهود له من قِبل العديد من النقاد السينمائيين البارزين، ولا يُحكى الكثير عن حياته الشخصية، سوى إنه ولد في 11 يونيو 1949، وينتمي لعائلة أرستقراطية ومثقفة، بحسب ما كان والده الدكتور إسماعيل محرز، من كبار الأطباء في تاريخ مصر، حيث إنه كان من أطباء الأسرة الملكية قبل ثورة يوليو، فضلاً عن كون أمه شريفة هانم من رائدات الحركة النسائية في مصر.

قدم “محرز” عدة أدوار مختلفة، في 5 أفلام سينمائية مصرية، على مدار 25 عامًا، بدأها بفيلم “عودة الابن الضال” عام 1976، واختتمها بفيلم “سكوت ها نصور” عام 2001، وفيما يلي يوضح “إعلام دوت أورج” ما قدمه “محرز” للسينما المصرية.

نرشح لك: قائمة الأفلام المجهولة ليوسف شاهين

عودة الابن الضال

“يقدم يوسف شاهين مجموعة من الوجوه الجديدة، التي أضفت على الفيلم حيوية كبيرة مثل أحمد محرز في دور علي”..هكذا شهد الناقد الفني سمير فريد، على مهارة “محرز” التمثيلية في أول فيلم قدمه لشاشة السينما المصرية “عودة الابن الضال” عام 1976، في مقاله النقدي المنشور عن الفيلم.

استطاع “محرز” أن يخطف الأنظار من خلال دور “علي” والذي لعب دورًا كبيرًا في أهم أحداث الفيلم، حيث جسد دور الحالم التائه، الذي يرحل بعيدًا عن أسرته، ثم يعود بطموحِ لم يدم طويلاً، حينما يخدعه السياسون والفاسدون فيبني من دون أن يدري عمارات تسقط فوق سكانها في 1967، وعندما يخرج من السجن، يجد كل شئ تغير وانتهى، وهو الأمر الذي أجاد “شاهين” بثه في عقول المشاهدين، حينما عَبر عما يدور بداخل “علي”، بالرمزية السينمائية التي اعتاد عليها في أفلامه، مثل المشهد الذي ظهر فيه “محرز”، وهو يجري في لحظة الغروب وراء الشمس؛ مثل الظل قصير العمر، الذي يختفي سريعًا في الظلام.

إسكندرية ليه؟

بعد نجاح دور “علي” وفيلم “عودة الابن الضال” لـ “شاهين”، والكتابة عنهما في مختلف الجرائد العربية والغربية، مثل المقال الفرنسي المرفق في الصورة التالية، كتبته “خيرية خيري”، والذي يقر بأهمية رسالة الفيلم والإشادة بدور “محرز” فيه، والذي اعتبره الكثيرون فيما بعد، أهم دور سينمائي قدمه على مدار تاريخه الفني، جاء دوره في فيلم “إسكندرية ليه؟” عام 1979، والذي مثل فيه إلى جانب معاونته لـ “شاهين” في الإخراج، كمساعد مخرج ضمن فريق الإخراج أيضًا.

ركز “شاهين” على اسناد دور الشاب الأستقراطي، قليل الكلام، وكثير المشاعر لـ “محرز”، الذى يصادق جنديا من الحلفاء أثناء الحرب العالمية الثانية، واستغل مهاراته في تمثيل بعض المشاهد، التي خلت تمامًا من الحديث سواء الذاتي أو مع الأخرين، مكتفيًا فيها بتوصيل ما يود إرساله ضمن سياق أحداث الفيلم عبر تصوير ملامح “محرز” وتركيز عينيه صوب الهدف الذي يصوره؛ ليبرهن في ذلك الفيلم على قدرات “محرز” في توصيل الأداء المرجو عَبر الصورة بمقدار أكبر من الكلام.

الأقدار الدامية

كان لـ “محرز” بعض المشاركات في أفلام وثائقية أيضًا، مثل الفيلم البريطاني الوثائقي “موت أميرة”، من إنتاج 1980، وتأليف وإخراج أنطوني توماس، ولكنه ظهر بتقديم الأدوار التمثيلية ذات المساحات الكبيرة، والمؤثرة في أحداث العمل الفني مجددًا، مع أول فيلم روائي أخرجه المخرج خيري بشارة، وسيناريو وحوار شقيقه الصحفي علي محرز، وعُرض في يوليو 1982، وهو فيلم “الأقدار الدامية”.

قدم “محرز” فيه دور “سعد” ابن اللواء حلمي باشا، الذي يشارك في حرب فلسطين ويتطوع ابنه مثله، ثم تخونه زوجته حورية والتي جسدتها الفنانة نادية لطفي، وتكتشف ذلك ابنتها،
ويموت “حلمي” من الصدمة بعد عودته، تصمم ابنته على الانتقام منها وتخطط لذلك مع “سعد” ومن ثمً تتوالى الأحداث في أعقاب ذلك القرار.

حدوتة مصرية

تجدد تعاون “محرز” في أفلام “شاهين” مرة أخرى في سبتمبر 1982، من خلال عمله كمساعد مخرج، إلى جانب تقديمه دور الطبيب المثالي في فيلم “حدوتة مصرية”، الذي يخشى صحة مرضاه، واستطاع “محرز” أن يتقمص الشخصية ويأديها بشكل جيد، يشير إلى حكمة الأطباء المعتادة، من خلال هدوءه المتقن، والذي اعتمد على التعرف على مرضاه وتقديم النصائح لهم بأقل الكلمات الممكنة والمطمئنة.

تشخيصه المميز للأدوار، جاء من اعتماده بدرجة كبيرة على مخاطبة الاَخرين بصورة غير مباشرة؛ معتمدة على حواسه وملامحه، ولاسيما عينيه، مثلما ظهر في أغلب المشاهد التي جمعت بينه وبين مريضه، المخرج “يحيى” والذي قام بدوره الفنان الراحل نور الشريف، والتي استغلها “شاهين” جيدًا ضمن سياق الفيلم، بداية من مراحل تعرفه على “يحيى” وصولاً بمرحلة متابعة عملية إجراء العملية له في غرفة العمليات.

سكوت حنصور

مسيرة “محرز” السينمائية لم تمنحه الفرص الكثيرة، للتنقل ما بين الأدوار المركبة أو المعقدة بشكل كبير، فنجده في فيلم “سكوت حنصور” للمخرج يوسف شاهين عام 2001، لم يتوسع خارج نطاق الأدوار التي قدمها بشكل لافت، وهو ما جعله لم يتجاوز لقب الهاوي في السينما المصرية.

توفى “محرز” بعد 7 سنوات من اشتراكه في اَخر أفلامه “سكوت حنصور”، في 21 يوليو عام 2008، عن عمر ناهز الـ 59 عامًا، تاركًا وراءه بصمة فنية لافتة، كلما تطرقت إليها، وجدت ظلاً فنيًا حيويًا للابن، الذي لم يضل طريقه في أفلام “شاهين”.